اعتبر ضابط بريطاني بارز أن شرطة بلاده تتجه نحو "المجهول" في ظل بريكست، الذي ستنسحب المملكة المتحدة بموجبه من الاتحاد الأوروبي خلال فترة تقل عن شهرين. إذ إن قوى الشرطة البريطانية ما زالت لا تعرف إن كانت ستحتفظ بحق الدخول إلى نظام الآليات والبيانات الأوروبي (التابع للاتحاد الأوروبي)، أم أن الأمر سيتطلب منها الانسحاب من النظام المذكور واللجوء إلى خطط طوارئ بديلة.
في هذا الإطار وجهت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي في الآونة الأخيرة انتقاداً للحكومة بسبب ادعائها أن بوسع المملكة المتحدة "التعاون على نحو أكثر فعالية لحماية المواطنين البريطانيين خارج الاتحاد الأوروبي". وفي المقابل ذكر رئيس "رابطة مفوضي الشرطة"، ضمن حديث مع "اندبندنت"، أنه في حال لم يجر التوصل إلى اتفاقية أمنية مع الاتحاد الأوروبي، فإن عملية تبادل البيانات والمعلومات ستكون أقل فاعلية، مُحذراً في السياق من أن ذلك قد يعني اضطرار أفراد الشرطة البريطانية إلى مواجهة أثر "بريكست بلا اتفاقية" عند نقاط الحدود والمرافئ.
وعن هذا الأمر قال رئيس "رابطة مفوضي الشرطة"، بول غريفيث، "بدأنا في العمل على هذا الموضوع منذ عام 2016، لذا فإن هناك مقداراً من الجاهزية. لكن ما يبقى مجهولاً يتمثل في الاتفاقية بحد ذاتها، وما يمكن أن يعنيه التوصل أو عدم التوصل إليها". أضاف غريفيث "ثمة اليوم مخاوف تتعلق بانعكاسات بريكست على عمليات حفظ النظام والأمن، خصوصاً أن هذا الوضع يتصادم بالجائحة العالمية المستمرة".
من جهة أخرى، اعترف جيمس بروكنشاير، وزير شؤون الأمن البريطاني، هذا الأسبوع بأنه لم يجر بعد التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وقال في هذا الإطار إن المفاوضات بلغت "نقطة حساسة". وضمن رده على مخاوف طرحها نواب في مجلس العموم البريطاني تتعلق بمسألة تبادل المعلومات حول إرهابيين محتملين، ذكر الوزير "في حال لم تُختتم المفاوضات بنجاح، فإننا سوف نلجأ إلى تطبيق آليات وقوانين موجودة سلفاً".
إلى ذلك، ذكر بول غريفيث (رئيس رابطة مفوضي الشرطة) أن قوات الأمن ستسعى إلى "وضع نفسها في أفضل موقع ممكن" ، بيد أنه حذر في السياق من "التحديات والعواقب غير المنتظرة" الناتجة من أي تغيير يطرأ. وقال في هذا الصدد "مبدئياً، من المفترض أن نكون قادرين على تبادل المعلومات مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي، وبوتيرة سريعة ومقبولة، لأننا نتشارك جميعاً مصلحة راسخة تتمثل في (حماية) مواطنينا". وتابع "لكن التحدي أمامنا يتجسد في كيفية تطبيق ذلك، وفي كفاءة وفعالية الأنظمة المعتمدة. فأنا لست متأكداً من أننا نفهم تماماً عواقب ذلك الأمر (بريكست) من ناحية نقل المعلومات وتبادلها بين الدول المختلفة في أوروبا".
كما أشار غريفيث إلى أن الجريمة، خصوصاً تلك المنظمة التي تمثل أكثر الأنماط خطورة، باتت اليوم أكثر "اختراقاً للحدود الوطنية". واقترح غريفيث في هذا الإطار أن يجري إصلاح النموذج الراهن للشرطة البريطانية، الذي يقسم قوى الشرطة في إنجلترا وويلز إلى 43 وحدة عاملة، مستقلة ومناطقية. وتابع "بعض أنشطة الجريمة الخطرة والمنظمة يتميز ببعد عالمي، ولا يمكننا الهروب من ذلك. إذ إن الحدود التي التزمنا بها طوال عقود باتت الآن بلا معنى، حيث أن بعض الجرائم التي تحدث، تعود مصادرها إلى بلدان خارجية، لكنها تصل وتنتشر في أحيائنا المحلية".
الجدير ذكره في هذا الإطار أن مستوى التأهب لمواجهة التهديدات الإرهابية في المملكة المتحدة كان قد رُفع إلى مستوى متشدد، وهذا يعني احتمال وقوع هجمات، إثر موجة عمليات القتل التي شهدتها كل من فرنسا والنمسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن نظام المعلومات الأساسي المستخدم للدخول إلى البيانات الاستخباراتية المتعلقة بمتطرفين متهمين وغيرهم من المجرمين، والمعروف بـ"نظام شينغين للمعلومات" SIS II، يندرج اليوم ضمن الأنظمة التي قد لا تعود المملكة المتحدة مخولة باستخدامها أو الدخول إليها. وكانت الشرطة البريطانية قد لجأت إلى النظام المذكور وتعاملت معه 539 مليون مرة في عام 2017 وحده.
كما تقوم أجهزة الشرطة البريطانية حالياً بالتعامل مع نظامي الـ SIS II و"الكمبيوتر الوطني للشرطة"، في آن واحد وعلى حد سواء.
وستتعرض بريطانيا أيضاً للانفصال عن نظام "أمر التوقيف الأوروبي" European Arrest Warrant، الذي يسمح لبريطانيا باستلام المشتبه فيهم المطلوبين، ويخولها باعتقال المطلوبين على أراضيها وإبعادهم خارج حدودها. من هنا فإن القوانين المتعلقة بهذه الأمور ستكون بحاجة إلى تغيير وتعديل كي يُسمح بتطبيق واعتماد "العلامات الحمراء" (الأهداف الخطرة) التي تحددها إنتربول (الشرطة الدولية)، وذلك لاعتقال المشتبه فيهم من دون اللجوء إلى المحكمة للحصول على مذكرة توقيف.
وفي السياق عينه أيضاً يُطرح في مجال البحث موضوع عضوية بريطانيا في الـ"يوروبول"، وهو جهاز الشرطة المشترك في دول الاتحاد الأوروبي الذي يقوم بجمع المعلومات وتنفيذ العمليات المشتركة ضد متطرفين دوليين وعصابات إجرامية منظمة.
كما ينبغي في هذا الإطار التوصل إلى اتفاقية تسمح لبريطانيا بالدخول إلى نظام "معلومات السجلات الجنائية الأوروبية" European Criminal Records Information، وعقد اتفاقيات لتبادل أسماء المسافرين، ومعلومات الحمض النووي DNA، والبصمات، وبيانات تسجيل المركبات والسيارات.
وكان الوزير في الحكومة البريطانية مايكل غوف اقترح خلال الشهر الفائت أن لا تقبل حكومة بلاده باتفاقية تقتضي من بريطانيا "القبول بالنظام القضائي الخاص بالمحكمة الأوروبية" حتى ولو أدى ذلك إلى حرمان لندن من الدخول إلى نظام الـ SIS II وغيره من الأنظمة والآليات. وبخصوص رد فعل تيريزا ماي الغاضب، قال الوزير "عندما يتعلق الأمر بكل هذه القضايا – أي الأمن والمسائل الأخرى – فإن عدم الاتفاق هو أفضل من الاتفاق السيء".
وفي الماضي كان الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية MI5، قال إنه لا يوجد "جانب أمني إيجابي" في بريكست، وإن أفضل ما يمكن تمنيه من الحكومة البريطانية هو قيامها بتقليص آثار بريكست السلبية. وأوضح اللورد إيفانس أن التبادل الاستخباراتي لن يتأثر كثيراً ببريكست، بسبب العلاقات الثنائية القديمة في هذا الميدان، وأن "الأمر لا يشكل سوى جزء صغير من الصورة العامة".
من جهته كان "المجلس الوطني لقادة الشرطة" National Police Chief’s Council أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المنصرم أن التحضيرات لاحتمال خسارة آليات عمل وقوانين الاتحاد الأوروبي قد اكتملت. وفي ذلك الوقت، حذر المجلس من أن لا تشكل خطط الطوارئ التي يجرى تطويرها "بدائل لما سيتم الانسحاب منه".
وقال نائب المفوض العام في المجلس، ريتشارد مارتن، بهذا الصدد "في كل الأحوال، وبالنسبة لأفراد الشرطة، فإن البدائل هي أكثر بطئاً وأقل فعالية وأشد بيروقراطية من التدابير والترتيبات التي نعتمدها راهناً". وتابع قائلاً "آليات الاتحاد الأوروبي الموجودة في الوقت الحالي تسمح لنا بالتعامل السريع والذكي مع الجرائم والأعمال الإرهابية التي تتعرض لها بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهي تجعلنا في موقف أفضل لحماية الشعب. لذا فإننا نريد تلافي مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاقية، لأن هذا الأمر قد يؤدي بنا إلى خسارة الصلة بتلك الآليات المهمة". إلى هذا وَضعت الشرطة البريطانية خططاً للتعامل مع الاحتمالات الأسوأ التي يمكن حصولها عندما يُطبق بريكست بعد أقل من شهرين، من بينها التظاهرات الحاشدة، والفوضى واختلال النظام في المرافئ. ولمواجهة هذه الاحتمالات، تم إلغاء إجازات وحدات عديدة في قوى الشرطة.
© The Independent