فضل سكان قرية شارختار المتاخمة لناغورنو قره باغ حرق بيوتهم على أن يتركوها مستباحة أمام القوات الأذربيجانية التي ستصل بعد ساعات. وفي يوم خريفي، السبت 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، غطت سحب الدخان السماء.
"إنه اليوم الأخير لنا هنا، غداً سيأتي الجنود الأذربيجانيون". يكاد الصوت يختنق في حنجرة الرجل بينما يلف قماشة مبللة بالوقود في مقدمة عصا، يشعل النار فيها ويرميها في اتجاه منزله. ويقف محدقاً في البيت يحترق.
سرت ألسنة النيران بطيئة فوق الصفيح. ولكي يتأكد من احتراق المنزل كاملاً راح الرجل البائس يلقي ألواحاً وأغراضاً تحترق من النوافذ.
"إنه منزلي، لا يمكنني تركه للأتراك"، وهي التسمية التي غالباً ما يلقيها الأرمن على الأذربيجانيين.
أفرغ الرجل منزله كله، لم يترك فيه سوى طاولة بلاستيكية وقد بدأت النيران تذيبها.
"الجميع يحرقون منازلهم (...) أمهلونا حتى منتصف الليل للرحيل"، يقول الرجل قبل صعوده في سيارة رباعية الدفع لينطلق دون إلقاء أي نظرة إلى الخلف، ومردداً "كلهم خونة".
حتى قفائر النحل
مطلع الأسبوع الحالي، جرى التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان برعاية روسية، ينهي آخر فصول هذا النزاع المديد. ويكرس الاتفاق المكاسب التي حققتها القوات الأذربيجانية على الأرض وينص على التخلي عن مناطق إضافية لمصلحة باكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقع قرية شارختار عند مشارف منطقة كالباجار، وهي عبارة عن واد يعبره نهر تاتار، أسفل مرتفعات جبلية ومنحدرات.
وتعد واحدة من أبرز المواقع المأهولة في المنطقة، وبلا شك فإن أكثر من نصف منازل القرية التي تعود في غالبيتها لفلاحين، جرى إحراقها في الساعات الـ24 الأخيرة على يد مالكيها.
والمشهد نفسه يتكرر في القرية كلها: رجال يرتدون ملابس عسكرية عائدون من الجبهات، يملأون سياراتهم العتيقة بما أمكنهم قبل إشعال النيران.
أما مَن لم يجدوا سيارة تحمل أغراضهم، على غرار سركيس الأربعيني، فقد أحرقوا "كل شيء" كما فعل هو. ويضيف "سبق أن أشعلت النار بقفائر النحل، لم يعد لدي متسع من الوقت".
طريق آمن نحو أرمينيا
متى وكيف ستصل القوات الأذربيجانية؟ لا أحد يعرف. إلا أن السلطات المحلية في ناغورنو قره باغ أكدت للسكان أن طريق كالباجار تمثل حالياً المسلك الوحيد نحو أرمينيا، وأنها ستبقى تحت سيطرتها. وقد بدأ جنود روس يجوبونها.
يعتقد سركيس أن "الأذريين سيصلون (إلى كالباجار) بطوافاتهم".
على ذاك الطريق، تدور أحداث هجرة عظمى، حيث تزدحم بالسيارات المتجهة نحو مدينة فاردنيس الأرمينية الحدودية، عابرة ممر سوديتس على علو 2700 متر.
ويبدو أن كل ما يمكن حمله من كالباجار، هو في صدد النقل.
وكانت شاحنات تحمل محولات المحطات الكهرومائية الضخمة، فيما آخرون يقصون أشجاراً ويقطعونها لنقلها إلى أرمينيا حيث يمكن بيعها بأسعار جيدة. وكان رعاة أيضاً يسيرون بخطى سريعة قطعان أغنام وأبقار.
أما قاعدة كالباجار العسكرية فبدت مشرعة، وكان الجنود يزيلون صفائح المرائب ويجمعون صناديق الذخائر وكل ما يمكن أخذه.
كانت أوراق تحترق في باحة الثكنة. وثمة ورقة معلقة تنبه باللغة الأرمينية "خطر ألغام!". وعلى الجدار، رسِم رأس خنزير وكتبت كلمتان باللون الأصفر وبأحرف واضحة للوافدين بعد قليل: "اللعنة على الأذريين".