هل يدعو "دويتشه بنك" إلى فرض ضريبة على العاملين من المنازل؟
ما كدت أقرأ العنوان حتى انسكبت القهوة على مكتبي. ألم يكتف هؤلاء المصرفيون (النعت محذوف) بالألم الذي تسببوا به؟ لا يبدو ذلك. في الإصدار الأخير من نشرة المصرف "كونزبت" ("المفهوم")، المخصصة لإعادة البناء بعد الجائحة، أعلن لوك تمبلمان في شكل مستفز ما يلي: "يتلقى الذين يستطيعون العمل من المنزل منافع مالية مباشرة وغير مباشرة لتيسير عملية التحول للذين جرى إبعادهم فجأة".
ومن الواضح أن الأوان آن لحشد مقنع منا نحن العاملين من المنازل الذين يمارسون التباعد الاجتماعي أن ينزل جماعياً إلى مقر "دويتشه بنك" في لندن حاملاً [العصي] والشوكات [الزراعية].
وتتلخص المشكلة في أن تمبلمان نفسه يعمل من المنزل، لذلك قد لا يكون موجوداً [في المقر] ليشهد على غضبنا.
وقد يتمثل المسار الأفضل في النظر عن كثب أكثر إلى أفكاره، بعد أن شغل أولاً آلة الإسبريسو وصنع فنجان قهوة جديداً مستخدماً حبوباً فاخرة من أحد المزودين المتخصصين مثل "سكوير مايل" أو "يونيون". فالتفكير بالاشتراك مع أي من هؤلاء المزودين أسهل بكثير إذا لم ترغبوا في أن تدفعوا كل مرة خمسة جنيهات إسترلينية (6.6 دولار) في مقابل كوب لاتيه منكه ببهار اليقطين من "ستاربكس" كل يوم.
وهذا يتناول إحدى الحجج التي يسوقها تمبلمان: ثمة منافع ملموسة وأخرى غير ملموسة للعمل من المنزل. وقد يبدو أن أوضح المزايا الملموسة مزايا مالية.
فنسبة العاملين من المنازل قبل أن تضرب الجائحة كانت صغيرة نسبياً (5.4 في المئة في الولايات المتحدة، مثلاً) لكنها تنمو بسرعة (قفزت بفضل الإنترنت بنسبة 173 في المئة في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2018).
وعلى غرار أنشطة كثيرة، عزز فيروس كورونا الأرقام. فالعمل من المنزل قفز 10 أضعاف في الولايات المتحدة (إلى 55 في المئة)، وسبعة أضعاف في المملكة المتحدة (إلى 47 في المئة). وأظهر استطلاع لـ"دويتشه بنك" أن أكثر من نصف المعنيين يرغبون في مواصلة العمل من المنزل ليومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل حين تنتهي أزمة كوفيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتجاوز المنافع المتحققة لأوضاعهم المالية الشخصية القدرة على شرب القهوة من "سكوير مايل" بدلاً من "ستاربكس". فنفقات النقل تقل. ويكون إعداد غدائكم بنفسكم أبخس ثمناً من شرائه. ويلغى كثير من المعاملات التي تجرى وجهاً لوجه.
ويقول تمبلمان، إن المنافع الصافية تفوق التكاليف، مثل إنفاق مزيد من المال على الطاقة المنزلية أو زيادة سرعة وسعة خدمة النطاق العريض التي تشتركون بها. ويشير إلى أن الوضع لن يتغير حتى مع فرض ضريبة بنسبة خمسة في المئة للمساعدة في تخفيف التكاليف الاجتماعية، أي تحديداً تقويض البنية التحتية الاقتصادية المنشأة لخدمة المكاتب والعاملين المكتبيين.
ومن المرجح أن يكون كثير من العاملين من ضمن هذه البنية التحتية يتلقون رواتب متدنية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعضهم خاطروا بشكل كبير إذ عملوا من المكاتب خلال مسار الجائحة. وفي المقابل، يميل العاملون من المنازل إلى الحصول على رواتب جيدة جداً.
وفي هذه المسألة تبدو ضريبة تمبلمان تنازلية أكثر بكثير. ويقول، إن العوائد يجب أن تستخدم في توفير حماية مالية– من خلال قروض– لمن ألغيت وظائفهم بسبب ثورة العمل من المنزل.
لا تخطئوا الظن، فإلغاء الوظائف مشكلة حقيقية. لكن من خلال ضريبة تمبلمان، يمكن للعامل في متجر للسندويتشات في وسط لندن التجاري، الذي ألغيت وظيفته لأن المحلل في "دويتشه بنك" بدأ يعمل من المنزل، أن يحصل على الأموال التي تمكنه من السعي إلى فرص أخرى أو التدرب عليها.
وستفرض الضريبة على أصحاب العمل إذا لم يعرضوا على عامليهم مكاتب دائمة، أو على العاملين إذا توفرت لهم مكاتب دائمة لكنهم اختاروا العمل من المنزل، وهذا سيجعل إدارة الضريبة صعبة، لكننا لن نناقش ذلك الآن.
وستكون ثمة إعفاءات لأصحاب الرواتب المتدنية وللعاملين من المنازل بسبب مشاكل صحية أو إعاقات. وأنا أنتمي إلى الفئة الأخيرة، لذلك فلا مصلحة لي (نظرياً) في ما سيؤول إليه هذا النقاش. وسيحظى العاملون لحسابهم الخاص بإعفاءات كذلك.
ويخص تمبلمان الأشخاص الذين لا ينتمون إلى هذه الفئات على غراره برسالة. فـ"المحظوظون كفاية لـ"فصل" أنفسهم عن اقتصاد الوجه لوجه [العمل المباشر من دون وساطة آلة أو جهاز] مدينون" للذين أصبحوا محرومين، بل معوزين حتى، بسبب خطوتهم هذه [المكوث في المنزل]. وتمبلمان يسوق حجة جيدة لكنها ليست واضحة تمام الوضوح كما يشير.
مثلاً، يساعد مزيد من العمل من المنزل في تجاوز إحدى المشاكل الكبيرة التي تواجه البريطانيين الحديثين: كيف يضمنون رعاية جيدة لأطفالهم بتكلفة معقولة. فهذا أمر يحول دون تحقيق النساء خصوصاً إمكاناتهن، ما يلجم الاقتصاد، وفق تحليلات كثيرة. وهو أيضاً [مرآة] تفاوت اجتماعي. فهل من المنصف حقاً اقتراح معاقبة العاملات اللاتي يعملن من المنازل لأسباب وجيهة بعد ما عانين الحرمان لسنوات كثيرة؟
وثمة مشكلة أخرى. لنفترض أنكم تستطيعون أن تعرضوا على موظف استقبال، تتلخص مهمته الرئيسة في التعامل مع الاتصالات، خيار العمل من المنزل ليومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع. قد ينتهي به المطاف وهو يدفع الخمسة في المئة إذا فاق راتبه الحد بقليل، في حين لن يدفعها تاجر المشتقات المالية المليونير العامل لصاحب العمل نفسه والذي قد تفضل الجهات التنظيمية كثيراً أن يعمل من المكتب حيث يمكن الإشراف عليه. وهذا وضع غير معقول، حتى لو أخذتم في الاعتبار المنفعة المالية التي ستتحقق لموظف الاستقبال حين العمل من المنزل.
إن تمبلمان مصيب حين يقول، إننا مدينون بالمساعدة لمئات آلاف العاملين الذين تعطلوا عن العمل إذ خسروا وظائفهم لذنب ليس ذنبهم في حين يعيد الاقتصاد تنظيم نفسه ويتكيف في ضوء ترتيبات العمل من المنزل الجديدة الناشئة. وهو يثير بعض المسائل المهمة، ويعد خوض هذا النقاش أمراً إيجابياً.
لكن ثمة طريقة لجمع الأموال لمساعدة الناس المتضررين من عاصفة الانقطاع أو الخلل الاقتصادي مجدية أكثر من فرض ما يشبه عملياً ضريبة الرأس على العاملين من المنازل. وتتلخص في تشغيل نظام للضريبة التصاعدية في شكل مناسب يدفع فيه أكثر من يستطيع فعل ذلك.
وليس لدينا نظام كهذا حالياً، وقد آن أوان التغيير.
© The Independent