مع كل ما يقال عن إعادة إطلاق عمل الحكومة البريطانية (على نهج جديد)، بعد استقالة دومينيك كامينغز (مستشار رئيس الحكومة المثير للجدل)، فإن بريطانيا مرهونة بحماقات بوريس جونسون وترّهاته المفرطة.
ولا يزال مقر الحكومة في "10 داونينغ ستريت" يتحدث عن (اعتماد استخدام توصيف) "التفاهم الأسترالي" (الاتفاق التجاري بين أستراليا والاتحاد الأوروبي) كبديل للحديث عن "بريكست من دون اتفاق" على نحو ما فعل القطاع النووي لمّا وصف النشاط الإشعاعي بضوء القمر السحري.
في ظل جائحة كورونا المدمرة للمجتمع البريطاني من الناحية الاقتصادية، يواصل رئيس الوزراء إثارة الضجيج حول "ثقته الكبيرة" في قدرة المملكة المتحدة "على النمو والازدهار"، سواء هناك اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي أم لا، من دون إعطاء أي تفسيرات عن كيفية الوصول إلى ذلك.
هل سيتم تحقيق ذلك من خلال الفوضى العارمة لنظام الاختبار والتتبع (المتعلق بفيروس كورونا)؟ لمَ لا؟ فهو الأفضل عالمياً، وبفضله سوف يكون لنا ما نريد. آه، مهلاً. كان ذلك قبل خروج (كبير مستشاريه) كامينغز من الحكومة. والسؤال الآن: هل سيعترف الوزراء أخيراً بالكارثة؟
كلا، إذ لو وجدوا أنفسهم مضطرين للدفاع عنها في العلن، لانهالوا علينا بمزيد من الترهات من النوع الذي يشتهر به ترمب والذي عبر الشعب الأميركي عن رفضه له مؤخراً.
وقد فقدت الترمبية بريقها عبر الأطلسي لمّا تعامت عن حقيقة جائحة كورونا وأمواج التسونامي الاقتصادي التي أعقبتها. وكانت النتيجة أن عقدت ولايات "الجدار الأزرق" التي أَوصلت دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة بفارق ضئيل، العزم على العودة إلى حظيرة الديمقراطية بعدما سئموا من الجمهوريين. فكان التصويت في كل من ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن متقارباً لكن حاسماً، كما كان في أريزونا وجورجيا.
معه انتهت اللعبة ومسيرة ترمب السياسية، لكن الشكاوى والدعاوى والتغريدات لم تنتهِ.
بالنسبة إلى جونسون، الطريق أمامه لا يزال طويلاً: أربع سنوات على وجه الدقة، ما لم يتدخل حزب المحافظين لإنهاء فترة حكمه (وهذا محتمل). لكن جميع المؤشرات تدل على أنه سيلقى مصير ترمب وسيصطدم بالطريق المسدود.
كيف لا وهو لا يزال يعد بولائم فيما تدق المجاعة أبواب الناس، كيف لا وهو يدعي بأن الحساء الذي يقدمه مطعم "سينامون كلوب" (أحد المطاعم الفارهة التي تقدم وجبات الطعام الهندي في حي ويستمنستر) وتدفع ثمنه جماعات الضغط، يكفي لثلاث وجبات.
هذه، برأيي، طريقة عمل غريبة جداً؛ ولشدة غرابتها لا يؤمن بها الرؤساء التنفيذيون الأذكياء. نعم، هذا صحيح. فهؤلاء، وإن حاولوا تجميل الأمور وتلميعها، توخّوا عدم المبالغة في محاولاتهم علماً منهم بأنها قد تبوء بالفشل مع اطلاع الجميع على الأرقام. أضف إلى ذلك أن الرؤساء التنفيذيين يتقصدون دوماً التخفيف من وطأة التوقعات التي يُدرجونها في بياناتهم التجارية حتى يتباهوا بتجاوزها عندما يحين وقت الإبلاغ عن النتائج.
ولو كان الرؤساء التنفيذيون جزءاً فعلياً من الشريحة الكفوءة الداعمة لجونسون، لكانوا يناقشون الآن مدى "صعوبة الظروف التجارية" أو ما شابه ذلك.
هذه العبارة سنسمعها كثيراً من الشركات البريطانية التي تُصدّر للاتحاد الأوروبي أو تستورد منه البضائع. فهي ستكون رأس الحربة في مواجهة الزوبعة القوية التي ستجلبها حكومة جونسون على الأمة البريطانية على اعتبار أنها شمس مشرقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أحسن الأحوال، ستواجه هذه الشركات إجراءات بيروقراطية خانقة في المراكز الجمركية حيث تنتظر شاحناتها في طوابير ضخمة تهدد بإقفال منطقة كنت Kent لأشهر متتالية.
أما في أسوأ الأحوال، فسيكون على الشركات التعامل مع العقوبات التي ستفرضها الحكومة البريطانية على شعبها طواعية مع إصرارها على أن الأمة "ستزدهر بشكل كبير" وسط ضربة اقتصادية مزدوجة، جزء منها ذاتي المنشأ.
بالطبع، هناك فرق شاسع بين السياسيين والمديرين التنفيذيين. فالسياسيون لا يُساوون شيئاً من دون أصوات الناخبين وكي يحصلوا عليها، لا بد أن يتخلوا عن "تفاؤلهم الحذر" ويكونوا على قدر الرواتب الضخمة التي يتقاضونها.
لكن طريقتهم هذه لا تتيح لهم تعتيم الصورة العامة فحسب، بل تمنحهم القدرة على تحويل كيس من الحجارة إلى وعاء من الذهب.
أحياناً، تغيب الحمائم بعض الوقت لتعود إلى ديارها للمبيت لكن عودتها أمر لا بد منه Pigeons sometimes take a little time to come home to roost (في إشارة إلى ظهور الحقيقة مهما غابت). لهذا قد يحاول جونسون في المرحلة التالية صد الشركات التجارية، إما عن طريق لوم الاتحاد الأوروبي على انهيارها الذي بات وشيكاً (حتى ولو تحقق الاتفاق الرث أي بريكست الذي يبدو اليوم أفضل السيناريوهات) أو عن طريق خوض حروب ثقافية قادرة على تحويل مساره على نحو ما كان يفعل ترمب.
لكن لعبة تحويل اللوم بلا نهاية حول بريكست والجائحة وقضايا أخرى كثيرة، أصبحت جد متعبة. وقد اكتشف الرئيس الأميركي هذه الحقيقة في الآونة الأخيرة، ولن يطول الوقت قبل أن تكتشفها النسخة المصغرة عنه.
© The Independent