يبدو أن البغداديين قرروا إعادة مظاهر الحياة إلى ما كانت عليه قبل انتشار فيروس كورونا في العراق بشكل تلقائي، متحدين كل التحذيرات والمناشدات من قبل الجهات الحكومية والاجتماعية والدينية بضرورة الالتزام بقواعد الحجر الصحي.
فمن يتجول في أبرز مناطق بغداد التجارية والترفيهية يرى أن المقاهي والمطاعم ومدن الألعاب ومحال المثلجات وعيادات الأطباء، وحتى الدوائر الحكومية مكتظة بشكل لافت، تغيب في أغلبها قواعد الحجر الصحي وارتداء الكمامات والكفوف إلا ما ندر، وسط سكوت من قبل أجهزة الأمن المكلفة تطبيق إجراءات الوقاية من الفيروس.
كما عادت الزيارات الدينية في مدن النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وعدد آخر من المناطق، والتوجه إلى إقامة الصلوات في الجوامع بكثافة، بالتزامن مع عودة حفلات الزفاف في الشوارع والقاعات المغلقة وإقامة مجلس العزاء كما كانت قبل كورونا، ما يشير إلى انهيار منظومة الوقاية التي حاولت الجهات الصحية العراقية تطبيقها لمنع انتشار الفيروس خلال الأشهر الماضية. فالإرشادات والتوجيهات والتعليمات يبدو أنها تبددت مع الرياح الخريفية، وعادت حياة المواطن البغدادي اليومية إلى ما كانت عليها قبل انتشار الجائحة، بشكل يثير التساؤلات حول عجز أجهزة الدولة العراقية الأمنية والصحية في إقناع المواطنين، على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة العراقية أخيراً ولمرات متكررة من خطورة الموجة الثانية للفيروس، التي بدأت بالانتشار في بعض دول الجوار العراقي، وخصوصاً إيران والأردن.
ووفق آخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة العراقية، بلغ مجمل الإصابات 533 ألفاً و555 إصابة، منها أحد عشر ألفاً و925 حالة وفاة.
لم نخرج من مرحلة الخطر
تقر وزارة الصحة بوجود عدم التزام وتراخٍ في الفترة الأخيرة من قبل المواطنين، مشيرة إلى أن خطر كورونا على العالم لا يزال قائماً، ومن ضمنه العراق.
ويقول المتحدث باسم الوزارة سيف البدر "الغريب في الموضوع أن الناس استنتجوا بعد تحسن موضوع نسبة الشفاء وانخفاض نسبة الوفيات، أن الخطر زال أو قل، وهذا غير صحيح". وأضاف أن "إمكانات وزارة الصحة تطورت بالتعامل مع الإصابات، ما أسهم في انخفاض الإصابات وزيادة نسبة الشفاء، إلا أن العراق لم يخرج بعد من مرحلة الخطر". وقد تشدد إجراءات الحجر الصحي في العراق من جديد من قبل اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، وفق البدر، إذا ما كانت المستجدات الوبائية تفرض ذلك، حسب رأي المحللين في هذا المجال.
عقوبات صارمة
دعت لجنة الصحة والبيئة النيابية دعت إلى إشراكها في لجنة الصحة والسلامة الوطنية، مبينة أن زيادة عدد الإصابات أو انخفاضها يعتمدان التزام المواطنين بالإجراءات التي تصدر من الجهات الصحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عضو اللجنة غايب العميري "هناك تجاهل واستخفاف بفيروس كورونا، وهناك عدم التزام من قبل المواطنين، ولم يتم الاستماع لتوصيات المرجعية الدينية وتوجيهات وزارة الصحة"، مؤكداً أن حجم الإصابات هو نفسه، ولم ينحسر.
ويستغرب العميري من عودة الحياة الطبيعية في بغداد والازدحام في المقاهي وفتح قاعات الأعراس والمناسبات من دون النظر إلى وجود فيروس شديد العدوى أو الحجم الكبير من الإصابات والوفيات، وهذا الاستخفاف من قبل المواطنين مرده إلى كون أغلب قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية لا تطبق على أرض الواقع، لكي تكون رادعاً للمواطنين للوقاية من الفيروس بحسب العميري، الذي شدد على ضرورة أن تصدر اللجنة إجراءات حازمة، وتتابع بشكل مستمر من خلال لجان معينة تضمن تطبيق القرارات ووضع عقوبات لغير الملتزمين. ودعا لأن يكون هناك تنسيق بين الجهات كافة، سواء برلمان ووزارة صحة أو الحكومة للخروج بقرارات وتوصيات تتناسب مع خطورة الوضع.
وعي المواطن هو الأساس
تعتقد الجهات الأمنية العراقية أن منع انتشار الوباء والالتزام بقواعد الحجر الصحي، يعتمدان بشكل كبير على وعي المواطن.
ويوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا أن "المسؤولية في الوقاية من فيروس كورونا تقع على عاتق المواطن ووعيه"، لافتاً إلى أن أجهزة الشرطة قدمت الدعم للفرق الصحية .
ويضيف أن "خلية الأزمة ولجنة الصحة والسلامة الوطنية التي يرأسها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، كان لهما عدد من القرارات سمحت بفتح المقاهي مع الالتزام بالتوجيهات الصحية وتعليق قرار حظر التجوال لسهولة التنقل".
الاقتصاد سبب الانتشار
يبدو أن الوضع الاقتصادي المتراجع إلى مستويات كبيرة، والخسائر الكبيرة التي تكبدها أصحاب الأعمال المختلفة، التي تسببت فيها فترة حظر التجوال وتطبيق قواعد الحجر الصحي، جعلت من السلطات الحكومية أكثر تساهلاً مع عودة الحياة إلى طبيعتها تخوفاً من توسع رقعة التظاهرات المطلبية، ولذلك سمحت بإعادة فتح المطاعم والفنادق في العاصمة العراقية بشروط معينة منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، شرط الالتزام بالتباعد الاجتماعي وقواعد الصحة العامة التي دعت إليها الجهات الصحية.
ويرى الكاتب والصحافي رحيم الشمري أن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه البلد، وعدم استطاعة الحكومة تلبية بدائل اقتصادية للمواطن قللا من حجم القيود التي فرضت في بداية انتشار الفيروس. ويقول "وباء كورنا أصاب العالم بالشلل، وهناك دول استنزفت كثيراً من مخزونها المالي، والعراق بدوره اتخذ إجراءات مشددة في أول 90 يوماً، لكن الضغوط التي واجهت للحكومة نتيجة الوضع الاقتصادي يعيشها البلد، بعد انخفاض أسعار النفط والمشاكل الاقتصادية الأخرى، قللت من حدة الإجراءات"، وبالتالي عدم التزام المواطنين بالإجراءات الصحية، لا سيما في المناطق الشعبية، أدى إلى التقليل من التقييدات شيئاً فشيئاً وفق الشمري، الذي بين أن "التوجه في العراق هو التعايش مع المرض، وما شجع على هذا الأمر هو عدد الوفيات في العراق الذي انخفض عما هو عليه بنسبة 50 في المئة، ليكون ما بين 40 إلى 45 شخصاً يومياً".
ويشير إلى أن الحكومة مشغولة حالياً بأمور اقتصادية مهمة، وهي توفير الرواتب، ووضع موازنة العام المقبل.
وكانت لجنة الصحة والسلامة الوطنية المعنية بمحاربة فيروس كورونا، قررت رفع حظر التجوال الجزئي الذي فرض في 17 سبتمبر الماضي للمرة الثانية (الأولى كانت في 17 مارس الماضي)، وعلى فترات متقطعة كإجراء احترازي لمنع تفشي الوباء.