عاينت في عمود نشر أخيراً صعود التلفزيونات المتنافسة، مثل "وان أميركا نيوز" و"نيوزماكس" التي تحاول التفوق على شبكة "فوكس" ذات التوجه اليميني، وسيكون التنافس بين هذه الشبكات أكثر حدة، ولا سيما مع الإطلاق المحتمل لتلفزيون ترمب (أي الشخص الذي سيصبح في وقت وشيك الرئيس السابق، والذي سيعقد شراكة مع أحد هذه التلفزيونات).
أتساءل كيف سيكون رد فعل "فوكس"؟ وهو تساؤل جذاب باعتبار أن هذه الشبكة تواجه تراجع نسبة مشاهدتها، وكذلك نظراً للدور المركزي الذي تؤديه في إمبراطورية روبرت مردوخ.
وقد أوضح بريان ستيلتر الذي يعمل لدى قناة "سي أن أن"، أن منافسي "فوكس" الأصغر حجماً، والتي أخذت فجأة تنمو بسرعة، مدفوعة بمطالبات جمهورها من المشاهدين الموالين لترمب بتقديم عالم خيالي يفوز فيه إمبراطورهم الذي يتمتع بصفات خارقة في الانتخابات.
وتلبي "فوكس" مطالب هذه الفئات من المشاهدين عبر مقدمي برامج "الرأي"، أمثال تاكر كارلسون، وشون هانيتي، ولورا إنغراهام، هؤلاء نفذوا بسرور ما أراده جمهورهم من من خلال توجيهه نحو عالم مليء بالغرابة والوهم.
غير أن بعض مذيعي "فوكس" الرئيسين، وخصوصاً مقدمي الأخبار، والمحللين، اختاروا طريقاً آخر رسمت مساره الحقائق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشعر أشد المعجبين بترمب بعدم الارتياح لدى مواجهة هؤلاء المذيعين الذين يعبرون بوضوح عن قناعتهم بأن جو بايدن قد فاز في الانتخابات، حيث حصل على الرتبة الأولى في التصويت الشعبي، وفاز بأصوات المجمع الانتخابي. كما أن الادعاءات المنتشرة على نطاق واسع حول عمليات تزوير انتخابية هي مجرد أوهام آتية من البيت الأبيض (برأي هؤلاء المذيعين).
وكانت تحليلات شبكة "فوكس" للأرقام قد أغضبت ترمب ومعجبيه في وقت مبكر، حين أعلنت (وكانت صائبة في ذلك) فوز بايدين في أريزونا، لكن القناة ذهبت أبعد من ذلك، حيث عبر مقدم البرنامج نيل كافوتو عن دهشته، مردداً عبارة "تمهل، تمهل"، قبل أن يتم (فجأة) إيقاف النقل المباشرة لتصريحات كيلي ماكنني، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض. وقال المقدم "إنها تتهم الجانب الآخر بالترحيب بأعمال التزوير والترحيب بالتصويت المخالف للقانون. وما لم يكن لديها مزيد من التفاصيل لإثبات ذلك، لا يمكنني الاستمرار في عرض هذا عليكم بضمير مرتاح"، وهو ما لم يستمر، الأمر الذي أغضب كارلسون.
ثم جاء دور مقدم البرامج إيريك شاون ليجري يوم الأحد سلسلة من المقابلات مع مسؤولي الانتخابات وخبرائها، بمن فيهم آل شميدت، وهو المفوض الجمهوري لمدينة فيلادلفيا، الذي ظهر في المقابلة وهو يرتدي كمامة مزركشة بنجوم وخطوط العلم الأميركي. ونفى المتدخلون المزاعم العارية عن الصحة التي طرحها دونالد ترمب. وعرض شاون أيضاً على الشاشة بياناً صادراً عن "نظم دومينيون للتصويت" (وهي الشركة التي تبيع برامج التصويت الإلكتروني وأدواته في أميركا) جاء فيه أن "المزاعم بحصول حذف الأصوات أو تحويلها هي كاذبة بشكل كامل". وقد دحضت الشركة أيضاً بصورة قاطعة وجود أي علاقات بين الأحزاب السياسية (الأميركية) وفنزويلا (وهذا عرض أيضاً).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ذلك قدم شاون تعليقاً مطولاً شدد فيه على أن "مسؤولي الانتخابات في أنحاء البلاد يؤكدون، بدءاً من اليوم، عدم وجود أي دليل على عمليات تزوير منتشرة على نطاق واسع أثرت في الانتخابات الرئاسية، وعلى أن أحداً لم يعبث بديمقراطيتنا النفيسة، وأن ادعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة من هذا النوع تشكل إهانة للآلاف من مسؤولي الانتخابات والعاملين في إطارها في طول البلاد وعرضها ممن رأيناهم يكرسون أنفسهم لأداء مهامهم على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع بغرض ضمان إجراء انتخابات نزيهة وحرة لنا جميعاً".
ولطالما نفت شبكة "فوكس" أنها ذراع الدعاية الخاصة بالحزب الجمهوري، مشددة خلافاً لذلك على أنها شبكة إخبارية، ولو أنها أنشئت لتحقيق نوع من التوازن مع منافسيها من ذوي الميول الليبرالية المفترضة، التي هيمنت على المشهد الإعلامي في أميركا قبل ظهور "فوكس" (ومدى تبنيها حقاً هذا التوجه الليبرالي هو أمر مطروح للنقاش).
هناك بعض العاملين في الشبكة ممن يبدو أنهم يصدقون هذا الضجيج الإعلامي، والذين يؤمنون بفكرة الأخبار التي تستند إلى الحقائق وتتميز عن برامج الرأي التي يطرح مقدموها حقائق بديلة. إلا أن شبكة "فوكس" لا تزال متوحشة. والأثر الذي تركته على الصحافة مروع. والمحتوى الذي تبثه مروع. وإن بعض القصص التي طبختها وأثارتها وتابعتها بشيء من الهوس، تكاد لا تكون قصصاً إخبارية على الإطلاق. ومن هذه القصص مثلاً "الحرب على عيد الميلاد" المزعومة، وبنغازي، والحديث عن أن الرئيس بيل كلينتون، وزوجته هيلاري، هما وراء الدولة العميقة المسؤولة عن كل مصائب العالم. تأمل في التغطية، ودع الدموع تنهمر من عينيك.
وعلى الرغم من انتشار هذه الأوحال السامة أينما نظرت، فإن وجود مضيفين يعتبرون أنفسهم مقدمي نشرات أخبار يعملون في هدي الحقائق، وعلى أساسها، يجعل شبكة "فوكس" مختلفة عن الأجزاء الأخرى من نظام البيئة الإعلامية المحافظة التي تسكنها، فليس لدى تلك القنوات (اليمينية) الأخرى أي شيء من هذا القبيل، كما لم تعرب عن اهتمامها بتقديم أي رد على مزاعم ترمب التي تجافي الحقيقة. وتعتبر هذه القنوات فضاءً إعلامياً آمناً بالنسبة لجمهورها. أما "فوكس"، فليست كذلك في بعض الأحيان.
ومن الواضح أن هذه المقاومة التي تلقاها روايات ترمب من زوايا معينة في "فوكس"، قد خلقت بعض التوتر بين الشبكة وجزء من جمهورها، وهو الجزء الذي أصاب ستيلتر في الإشارة إلى أنه منغمس بصورة كاملة في عالم ترمب الخيالي البديل. والمفارقة أن الشبكة نفسها قد أسهمت في النهاية في تشكيله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن الفكرة القائلة إن "فوكس" شبكة إخبارية، وليست أداة دعائية تضع نفسها في خدمة الماكرين الجمهوريين، هي عنصر مهم في كيفية رؤية الشبكة لنفسها وتسويقها لعملها. وقد استفادت الشبكة من هذه الفكرة في الماضي، ولذلك حين حاولت إدارة أوباما، على سبيل المثال، أن توقف بثها، تجاهلت الشبكات الأخرى استهداف "فوكس" المستمر له، وتصدت لتلك المحاولة دفاعاً عنها.
لكن، هل سيتغير ذلك إذا نأت بنفسها عن هذا الزعم، وكممت أفواه مقدمي البرامج الذين رفضوا ادعاءات ترمب، أو طردتهم؟ وكيف ستتعامل "فوكس" مع المنافسة في المستقبل؟ إن هذا لا يعتبر سؤالاً بسيطاً بالنسبة لآل مردوخ. فـ"فوكس نيوز" كانت أشبه بآلة لصنع المال بالنسبة إليهم، وهي آلة استفادت من تمتعها بموقع المحتكر الفعلي في الإعلام اليميني.
وإذا سارت على خطى "وان أميركا نيوز" و"نيوزماكس" وكرست نفسها للعالم المتخيل البديل الذي تسكنان فيه، ويرغب به بعض المشاهدين، فإن محاولة "فوكس" أن تصور نفسها كشبكة أخبار ستصبح أكثر صعوبة. ولئن أظهرت إدارة بايدن بعض المخالب وسعت إلى تكرار المحاولة التي قامت بها إدارة أوباما، فقد يكتب لها النجاح بشكل أسهل منه في المرة الأولى.
من جهة أخرى، إذا واظبت شبكة "فوكس" العمل على هذا المنوال الحالي، فقد يصبح التسابق بينها وبين منافسيها المترهلين الذين يقفون إلى يمينها أشد خطورة، خصوصاً إذا استطاع أحد منافسيها أن يورد اسم ترمب في جداوله كشريك له، وذلك كما أوضحت في عمودي السابق.
© The Independent