سنة 2020 كانت صعبة ومخيفة صحياً واقتصادياً وبيئياً. لا فيروس منذ 100 عام في خطورة كورونا. لا بلد ولا شخص في منأى عن احتمال الإصابة بالفيروس الصيني، في ما سماه الخبير الأميركي ستيف بروزاك "عالم كوفيد-19". لا اقتصاد في بلد متقدم أو نام أو فقير نجا من الانكماش. ولا بيئة تركها الاحتباس الحراري (على الرغم من اتفاق باريس للتغير المناخي) بعيدة من التأثر بارتفاع درجات الحرارة.
الإنفلونزا الإسبانية، التي حصدت الملايين بين عامي 1918 و1919، كانت موجة واحدة لم تتكرر ولا ضربت كل بلد. أما كورونا فإنه موجة بعد موجة لا يصده الإقفال التام ولا يزال العلماء يعملون وسط أكبر دعم مادي للتوصل إلى لقاح مضاد له قبل الحديث عن علاج.
الانكماش الاقتصادي على المستوى الكوني أخطر من الركود الكبير في أميركا خلال النصف الأول من القرن العشرين، ومن أزمة 2008 التي ضربت المصارف في 11 اقتصاداً متقدماً. حتى السياسات المالية لمعالجة الانكماش الذي سببه كورونا، فإنها "تزيد بدل أن تنهي الخسائر الاقتصادية، وتحتاج إلى وقت طويل"، حسب الخبيرين كارمن راينهارت وفينسنت راينهارت في مقال نشرته "فورين أفيرز". الأسباب، في رأيهما، ثلاثة، "الانخفاض في التصدير بسبب إغلاق الحدود، ازدياد البطالة، والتراجع داخل البلدان وعبر البلدان".
هذه بعض التحديات الكونية في سنة الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين. وهي أنشئت بعد سنوات من مجموعة السبعة الصناعية المتقدمة المسماة "نادي الأثرياء"، لتعكس الواقع الاقتصادي الجديد في العالم. إذ تضم إلى أعضاء ذلك النادي، الصين وروسيا التي أخرجوها من النادي بعد ضم القرم و11 بلداً يصل اقتصاد كل منها إلى تريليون دولار أو أكثر أو أقل بقليل.
والمهام التي وضعها على جدول الأعمال رئيس المجموعة لهذه السنة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كانت على مستوى التحديات. فالنجاح الذي حققته قمة الرياض لقادة مجموعة العشرين ليس شغل يومين في قمة افتراضية، بل عمل عام كامل من الدراسات والاجتماعات، 16 اجتماعاً على المستوى الوزاري، 180 اجتماعاً للخبراء، قمة استثنائية للقادة، وأخرى عادية هي القمة الختامية. كل شيء تفرع من عناوين كبيرة، التعافي الاقتصادي، والتعافي الصحي، والبيئة النظيفة ومكافحة الاحتباس الحراري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطة التعافي الاقتصادي، كما بدت في كلمات القادة وخطاب الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد والبيان الختامي الذي وافق عليه القادة، هي "تمكين الإنسان والحفاظ على كرتنا الأرضية". رفض الحمايات الجمركية وفتح الحدود أمام البضائع والبشر و"إصلاح منظمة التجارة العالمية " والإصرار على العولمة التي ضربتها الجائحة، وتقوية الحكومات الوطنية في الوقت نفسه. والتنمية البشرية التي لا تستثني أحداً، إلى جانب إعفاء الدول الفقيرة من بعض الديون وتعليق خدمة الديون حتى الصيف المقبل، حيث "التعاون هو حجر الأساس لمعالجة التحديات"، كما قال الملك سلمان، وتخصيص تريليونات الدولارات لتنشيط الاقتصاد. و"المحرك الكبير للتنمية في التاريخ هو الصراع من أجل المساواة وحق التعلم وليس امتلاك الأرض"، حسب المفكر الفرنسي توماس بيكيتي في كتابه الجديد "رأس المال والأيديولوجيا".
خطة التعافي الصحي طموحة جداً. مزيد من تمويل الاختبارات لصنع اللقاحات. توزيع اللقاحات بالعدل على الجميع، خصوصاً على الدول الفقيرة والدول الأكثر فقراً. والتعاون العلمي في إنتاج الدواء وطرق مكافحة كورونا. أما البيئة، فإن الكل، باستثناء الرئيس دونالد ترمب، أعلن الالتزام باتفاق باريس للمناخ وطالب بالإسراع في تطبيق الالتزامات، وتعميم "البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون". وكالعادة في فانتازيا ترمب، فإنه ادعى أن اتفاق باريس الذي خرج منه "ليس مصمماً للبيئة، بل لضرب الاقتصاد الأميركي".
وليس ما تقرر في قمة الرياض برنامجاً لسنة واحدة تقترب من نهايتها وتتسلم الرئاسة إيطاليا، بل لسنوات عدة. وما أكده الملك سلمان وولي العهد هو أن "دور المملكة الرئيس" مستمر في "إعطاء الأمل وتطمين الشعوب إلى مستقبلها". ومجموعة العشرين صارت "مؤسسة" كاملة الأوصاف، تقوم بالمهام التي لا تستطيع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية القيام بها. فضلاً عن أن العمل على البيئة النظيفة والذكاء الاصطناعي وتطوير التكنولوجيا وترتيب البيئتين الاقتصادية والصحية، يحتاج إلى ترتيب البيئة السياسية. فالصحة والاقتصاد والبيئة هي سياسة في البداية والنهاية.
ويرى الدكتور هنري كيسنجر في مقال نشرته "وول ستريت جورنال" إن "مشروع الانتقال إلى نظام ما بعد كورونا له ضرر مؤقت على الإنسان، لكن الاضطرابات السياسية قد يمتد تأثيرها إلى أجيال".