تتسارع وتيرة المتغيرات في المشهد السياسي العراقي مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة، وتنشط الكتل السياسية في محاولة لاستعادة زخمها وتحشيد جماهيرها تمهيداً للسباق الانتخابي.
كان قادة الكتل الشيعية الأكثر فاعلية في هذا الإطار، خصوصاً أن الانتخابات المبكرة تأتي عقب الانتفاضة العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي يشير مراقبون إلى أنها أثرت بشكل مباشر في القواعد الشعبية للكتل الشيعية الرئيسة.
تحشيد صدري في الطريق إلى الرئاسة
يرى مراقبون أن أولى بوادر الدعاية الانتخابية كانت من خلال التيار الصدري، الذي تحرك مبكراً في محاولة لتحفيز قاعدته الجماهيرية، من خلال صوغ سرديات عدة أبرزها التحشيد لحصوله على منصب رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة.
وقد أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تراجعه عن قراره بعدم خوض الانتخابات المقبلة، مراهناً على تحقيق "الأغلبية الصدرية"، وقال في بيان الأحد 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، "إن بقيت وبقيت الحياة سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة، فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية (صدرية) في مجلس النواب أنهم سيحصلون على رئاسة الوزراء، وبالتالي سأتمكن بمعونتهم وكما تعاهدنا معاً على إكمال مشروع الإصلاح من الداخل، سأقرر خوضكم الانتخابات".
أضاف، "السبب الذي أدى إلى قسمي بعدم دخول الانتخابات سيزول وأكون في حل من نفسي، لنخلص العراق من الفساد والتبعية والانحراف"، وتابع، "يا أيها الأحبة إن الدين والمذهب والوطن في خطر، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
تعميم للتظاهر واستفزاز لناشطي الانتفاضة
ليست إلا ساعات، حتى نشر المقرب من زعيم التيار، صالح محمد العراقي، تعميماً للتظاهر. ما اعتبره مراقبون محاولة لقياس فاعلية جمهوره وتحشيده، ولتوجيه رسائل إلى المنافسين بأنه ما زال متماسكاً.
واستفز "وزير الصدر" ناشطي الانتفاضة العراقية، بعدما وصف ساحة التحرير بأنها "كادت أن تكون مكاناً للفاحشة ومعصية الله". ويبدو أن هذه الدعاية ستكون واحدة من مرتكزات التيار الصدري، خصوصاً في ظل الخلاف العميق بين القوى المدنية والتيار الصدري بعد الانتفاضة العراقية.
وذكر العراقي في منشور على "فيسبوك"، "وجب علينا أن نرفع صوت الله فيها"، داعياً أنصار التيار الصدري في بغداد وكربلاء والنجف إلى "الصلاة في ساحة التحرير صلاة الجمعة الموحدة".
ولا تخرج دعوة التيار الصدري أنصاره في العراق إلى التظاهر بمعزل عن حراك التحشيد لما قبل الانتخابات، إذ يرى مراقبون أنه تعرّض في أكثر من مناسبة خلال السنة الماضية لهزات إثرها. ما أدى إلى تبلور خلافات عميقة على خلفية اتهامات الناشطين التيار باستغلال الانتفاضة منصة للكسب السياسي، فضلاً عن أخرى بالتورط بحوادث قمع خلالها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صناعة الخصوم وترغيب الجمهور
في المقابل، رأى الناشط والصحافي، علي رياض، أن "استهداف الانتفاضة العراقية وناشطيها بشكل متكرر، بات أمراً رئيساً في حراك الصدر، الذي يحاول إقناع جمهوره بأن المذهب والوطن والدين في خطر، وهذه ربما ستمثل واحدة من أبرز سردياته في الانتخابات المقبلة"، وأضاف، "على الرغم من عدم القدرة على قياس تحركات الصدر المتذبذبة بشكل عام، إلا أن آلية تحشيده جمهوره في جميع المراحل اعتمدت بشكل كبير على خلق الخصوم".
ولفت رياض إلى أن هذه الآلية "ربما لا تكفي وحدها في تحفيز قاعدته الشعبية، ما دفعه إلى رفع سقف الآمال أمام تياره من خلال الحديث عن الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء"، مبيناً أنها "لا تعدو كونها محاولة، خصوصاً مع إشارة جميع المعطيات إلى أنه لن يتجاوز في أفضل الأحوال حدود الخمسين مقعداً".
قلق في أروقة التيار الصدري
ولعل ما يعكس القلق المتزايد لزعيم التيار الصدري، هو أنها المرة الأولى التي يضطر فيها إلى التدخل بنفسه في قضية الانتخابات، بعدما كان يستعين بطرق غير مباشرة. الأمر الذي يعطي انطباعاً بكونه بات يشعر بانزعاج بالغ من مدى نفوذه وإمكانية الوصول إلى نتائج مرضية في الانتخابات المقبلة.
ولا يخرج حديث التيار الصدري عن عزمه على الحصول على 100 نائب في دائرة الدعاية التحفيزية، إذ إن هذا العدد سيمثل الأغلبية داخل المكون الشيعي الذي يحسم منصب رئيس الوزراء، كما في دورات سابقة مع حزب الدعوة.
ومع استبعاد مراقبين حصوله على هذا العدد من المقاعد، تبدو محاولة دعائية لإعادة تحريك جمهوره، مع الاعتقاد السائد داخل التيار بأنه لا يحظى بتمثيل حقيقي، على الرغم من اشتراكه في غالبية المناصب في الدولة العراقية.
ويقول الكاتب والصحافي العراقي رضا الشمري إن "دعوة الصدر أنصاره إلى التظاهر وحديثه عن عزمه على حصوله على رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة، وهجومه المتكرر على ناشطي الانتفاضة، تمثل مرتكزات حملته المبكرة"، ويعتقد الشمري أن "زعيم التيار يشعر بأن قانون الدوائر المتعددة جاء لمصلحته، ما دفعه إلى محاولة التحشيد المبكر".
ولعل اللافت هذه المرة في حراكه، الذي يعطي انطباعاً عن مدى استنفاره وقلقه من تزايد الانتقادات لتياره، بحسب الشمري، هو أن "الصدر بات يحشّد بنفسه، متجاوزاً نهجه التقليدي الذي يعتمد على الدعوات الغامضة والمواقف الضبابية"، ويختم أن "طريقة تحشيده التي يلعب فيها كل أوراقه، تشير إلى أنه سيفعل كل شيء ممكن من أجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد".
القوى المدنية ومخاوف التيار الصدري
ويعتقد مراقبون أن أحد أهم المؤشرات الذي جعل الصدر يتحرك مبكراً في دعايته الانتخابية، هو "خذلانه" حلفاءه المدنيين، الذين منحوه مقاعد إضافية مكنته من الحصول على المركز الأول في الانتخابات الماضية عام 2018، بالتالي فإن أي تراجع في عدد المقاعد سيكون بمثابة هزيمة له، ويقول رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين إن هذه الخطوة "تستهدف معرفة قوة التيار وقدرته على التحشيد من جهة، ومن أخرى تمثل رسالة استعراض انتخابية للأخرين بأنه قادر على قلب المعادلة فيها".
ويشير حسين إلى أن "فك الارتباط بين القوى المدنية والتيار الصدري شكل ضربة كبيرة لطموحاته، ما دفعه بشكل مبكّر إلى محاولة استعادة زخم مؤيديه".
ومع اكتساب التيار الصدري خبرة طويلة في التعامل مع الانتخابات، كما يعبّر حسين، إلا أنه يشعر "بقلق من المنافسة المقبلة مع غرمائه التقليديين من القوى الشيعية، أو القوى الشبابية التي تمثل انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول)".
ويلفت حسين إلى عامل مهم ربما يسهم في تقليل حظوظ التيارات السياسية التقليدية من بينها التيار الصدري، يرتبط بـ "نسب المشاركة في الانتخابات المبكرة، التي كلما زادت قلت حظوظ تلك القوى في الحفاظ على تمثيلها".
تراجع التيارات الشيعية
ويرى مراقبون أن عدم حفاظ التيار الصدري على مقاعده التي حصدها في الانتخابات الماضية سيعد هزيمة بالنسبة إليه، وتأكيداً أن الزيادة في تلك الماضية كانت من خلال تحالفاته مع القوى المدنية، الأمر الذي حركه مبكراً في دعاية تعتمد تحفيز الجمهور عقائدياً من جهة، والحديث المغري عن احتمال وصوله إلى رئاسة الوزراء في الدورة المقبلة من جهة أخرى.
ويرى الكاتب أحمد الشريفي أن ما دفع التيار إلى تحشيد جمهوره، هو "الرأي العام السائد بأن حركات الإسلام السياسي، تحديداً الشيعية منها قد تراجعت"، ما "دفع العديد من القادة الآخرين إلى محاولات تفعيل أدوارهم بطرق مختلفة".
وعلى الرغم من محاولة الصدر "استعادة الجو العاطفي والعقائدي لجمهوره"، فبحسب الشريفي لن تكون كافية. ويشير إلى أن "الحديث عن الوصول إلى منصب رئيس الوزراء سيكون العنوان الأبرز لدعايته، لتحفيز جمهوره بشكل أكبر"، ويعتقد الشريفي أن كل هذا الحراك متعلق بـ "إمكان إقامة الانتخابات المبكرة في موعدها، والذي ربما تقوضه الإرادة الدولية وشعور الرأي العام العراقي بعدم تحقق شروطها الأمنية والسياسية".
انشقاقات التيار الصدري عامل التحفيز الأكبر
أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، فيرى أن غاية الصدر من دعوة أنصاره إلى التظاهر لا ترتبط بـ "التحفيز الاستباقي لجمهوره" فحسب، إذ تزامن الحديث عن انشقاقات يشهدها التيار ربما يكون عاملاً رئيساً يقف خلفها.
ويعلل الشمري عودة الصدر للاشتراك في الانتخابات، بـ "تراجع شعبية القوى الشيعية الأخرى، الأمر الذي حفّزه لملء هذا الفراغ من خلاله تياره العقائدي المتماسك"، ويلفت إلى أن الصدر ينظر إلى المرحلة المقبلة كـ "استحقاق مؤجل بأن يكون صاحب القرار في اختيار رئيس الوزراء المقبل"، مبيناً أن إحدى الغايات الأساسية للتظاهر هي محاولة "قياس قوة التيار في إمكان تحقيق ذلك".