ظل المجتمع الموريتاني إلى وقت قريب يعتبر زواج السر فضيحة اجتماعية لا تمارسها إلا بعض المترملات. غير أن جملة من العوامل من أهمها ارتفاع نسب الطلاق والفقر والتأخر في الزواج، هيأت لانتشار زواج السر في المجتمع الموريتاني بصفة غير مسبوقة.
وقد تحولت الظاهرة من ممارسة مشينة إلى موضة يتسابق الجميع في البحث عن منفذ لها.
الكثير من المشايخ والفقهاء يبررون زواج السر بفتاوى ترى أنه أخف ضرراً وأقل خطراً على الرجل والمرأة من بعض العلاقات المخلة بالقيم والأخلاق.
أما المطلقات المعيلات لأبناء تخلى عنهم آباء لا يحكمهم القانون ولا يلتزمون بالأخلاق والقيم، فقد وجدن فيه حلاً ولو آنياً لبعض مشاكلهن.
كذلك، وجد بعض رجال الأعمال والأثرياء إشباعاً لرغباتهم في زواج السر.
لا يخفي جل الرجال في موريتانيا دعمهم وتأييدهم لانتشار زواج السر وانتقاله من دائرة المحظور إلى دائرة المقبول. وهم يعللون هذا الموقف برفض المجتمع لتعدد الزوجات من خلال الشرط المعروف: "لا سابقة ولا لاحقة وإلا فأمرها بيدها".
يقول الباحث الاجتماعي الدكتور ببها ولد الشيخ إن موريتانيا حالة استثنائية في العالم العربي، "لأن مجتمعنا يفرض هذا الشرط. ولو ترك لنا المجتمع الحق في الزواج بأكثر من واحدة لما استشرت الظاهرة إلى هذه الدرجة. كما أن المرأة الموريتانية لا تترك هامشاً من السلطة للرجل كما هي الحال بالنسبة إلى المرأة الشرقية".
ويضيف ببها "أعتقد أن المشكلة الكبيرة التي يثيرها زواج السر هي الأبناء الذين ينتجون عنه، وما قد يشعرون به من دونية، كما أن هناك عدة إشكالات قانونية وقضائية ترتبط بالموضوع".
سماسرة ومشكلات
تجد كثير من المطلقات الميسورات الراغبات في زواج السر صعوبات في الحصول على مبتغاهن. وقد ولدت الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات سماسرة يقومون بدور الوسيط. ويسمي البعض هذا النوع بـ"زواج البزنس".
وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى فضاء واسعاً للتعارف وتبادل الخدمات بين الرجال والنساء الراغبين في زواج السر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحظى المطلقة الموريتانية بكامل السلطات الاجتماعية على نفسها. وقد اعتمد كثير من الفقهاء الشباب على هذه المكانة لدعم دعاة زواج السر.
من المشاكل الكبيرة التي يطرحها زواج السر، ما يمارسه بعض الرجال من انتهازية في حق المرأة، بعد إقناعها بعدم توثيق الزواج أو يستخدم شهوداً صوريين، عن طريق الهاتف أو بالتعاون مع بعض أصدقائه.
بعد ذلك، يطلقها شفهياً ويختفي، وقد تكون حاملاً، فتبدأ سلسلة من التقاضي لا تملك لإجراءاتها ما هو مطلوب من إثباتات ووثائق.
ومع أن هيئات المجتمع المدني تنحاز عادة إلى المرأة ولا تبخل في مؤازرتها، إلا أن تلك المؤازرة لا تعوض الأضرار المعنوية الكبيرة التي تلحق بها.
وترغب نساء في زواج السر باعتباره وسيلة لتأمين استقرار مادي، أما الأغنياء فيلجأون إليه لاستحالة التعدد، حيث يخفون الزوجة الجديدة ويبقون على من يسمونها "أم العيال"، حفاظاً على مصلحة الأبناء و"الاستقرار الأسري". ويشترط كثير منهم على الزوجة السرية عدم الإنجاب.
حقوق المرأة
تعارض كثير من هيئات المجتمع المدني الموريتاني زواج السر، باعتباره ناقصاً ولا يضمن الحقوق الكاملة والمكانة المعنوية المطلوبة للمرأة. كما أن بعض الهيئات الموريتانية الحقوقية تعلن رفضه لأنه يمكن الرجل من التعدد الزوجي، الذي تعتبره اعتداءً على المرأة وامتهاناً لكرامتها.
وصادق البرلمان الموريتاني عام 2001 على مدونة الأحوال الشخصية، التي تضمنت حقوقاً واشتراطات للمرأة. وفي حين لم تلزم الرجل بدفع المؤخر، إلا أنها اعتبرت حضور الولي وتوثيق الزواج شرطين لصحته. وهذا ما لا يتحقق في زواج السر، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة، القادرة على فسخ هذا النوع من الزواج، تعتبره من ضمن المجالات المسكوت عنها، ما لم يتقدم طرف بشكوى ضد آخر.