بين توقعات تغلب عليها الإيجابية أفرج صندوق النقد الدولي عن الوثائق الخاصة بالمراجعة الرابعة (قبل الأخيرة) لبرنامج الإصلاح الاقتصادي التي أجرتها البعثة الفنية للصندوق الدولي بالقاهرة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
تأتي توقعات الصندوق قبل نحو 30 يوما من وصول البعثة الفنية للصندوق في مايو (أيار) المقبل لإجراء المراجعة الخامسة (الأخيرة) للبرنامج المصري المنتظر الانتهاء منه قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل.
وقّعت الحكومة المصرية مع الصندوق في عام 2015- 2016 اتفاقية تحصل بمقتضاها مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار في مقابل إجراء برنامج إصلاح اقتصادي على مدار ثلاث سنوات تنتهي في يونيو (حزيران) المقبل يستهدف إصلاحات هيكلية في الموازنة العامة للدولة بسد العجز وخفض الدين العام وإصلاحات مالية وضريبية في الاقتصاد الكلي، وهو ما نجحت فيه الحكومة المصرية على مدار السنوات الثلاث، فتراجع عجز الموازنة من 10.9% من إجمالي الناتج المحلي عام 2015- 2016 إلى 8.4% خلال العام المالي الحالي وتستهدف مصر تراجع العجز إلى 7.2% في مشروع موازنة العام المالي المقبل.
ومنذ توقيع الاتفاق يجري صندوق النقد الدولي مراجعات دورية مع الحكومة المصرية، وقسّم الصندوق القرض المصري إلى 6 شرائح، قيمة كل منها مليارا دولار، وتسبق كل شريحة تحصل عليها القاهرة بعثة فنية من الصندوق لمراجعة أداء الاقتصاد المصري، وهو ما يعني أن الصندوق الدولي أجرى 4 مراجعات دورية، ومنح مصر 5 شرائح بقيمة إجمالية 10 مليارات دولار.
واستهل صندوق النقد الدولي وثائقه بتوقعات إيجابية حول أداء الاقتصاد المصري، حيث تنبأ أن يواصل إجمالي الدين العام في مصر التراجع إلى 74% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022/2023، في ضوء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبدعم من استمرار تعافي قطاعي السياحة والبناء وارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي، وارتفاع حصيلة وإيرادات قناة السويس والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية القوية وزيادة الاستثمار.
واصل الصندوق توقعاته في أوراق المراجعة الرابعة التي كُشف عنها السبت 6 أبريل (نيسان)، والتي صبّت أغلبها في صالح الاقتصاد المصري، حيث توقع صندوق النقد الدولي صعود إيرادات قطاع السياحة بنهاية العام المالي الحالي 2018/2019 إلى 12.5 مليار دولار مقابل 11.2 مليار تنبأ بها في وثائق المراجعة الثالثة التي كشف عنها منتصف شهر يوليو (تمّوز) الماضي.
وأبقى الصندوق في وثائق المراجعة الرابعة على توقعاته في أن يصل معدل النمو في مصر إلى 6% على المدى المتوسط، كما توقع أن يتراوح التضخم بين 13 و14% بنهاية العام المالي الحالي، على أن يصل إلى رقم أحادي بحلول 2020.
ولفتت الوثائق إلى أن احتياطات مصر من العملات الأجنبية كافية، مشيرة إلى أن إجمالي الاحتياطيات الدولية لمصر بلغت 125% من مقياس تقييم كفاية الاحتياطي في الصندوق في نهاية عام 2018، ومن المتوقع الحفاظ عليها عند نفس المستوى تقريباً خلال فترة برنامج الإصلاح الاقتصادي.
تحوّط مصري بخطة تدريجية
وحول دعم المحروقات ذكرت وثائق الصندوق أن من شأن الزيادة غير المتوقعة في أسعار النفط العالمية أن تزيد من فاتورة دعم الوقود في 2018/2019 وتتطلب تعديلاً أكبر في أسعار الوقود لتحقيق استرداد التكاليف والحفاظ على التوحيد المالي على المدى المتوسط، وأنه يمكن للضغط على الدين العام أن يدعو إلى القروض المضمونة من الدولة والتي تستخدم بشكل متزايد لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة من قبل الكيانات العامة أو غيرها من الالتزامات الطارئة.
وقال الصندوق إن إصلاح دعم الوقود في مصر يسير على الطريق الصحيحة وسيكتمل في العام المالي الحالي 2018/2019، مضيفاً أن السلطات المصرية تلتزم بالوصول إلى استرداد التكاليف بالكامل بنهاية هذا العام المالي لكل منتجات الوقود، ما عدا غاز البترول المسال والوقود المستخدم في المخابز وتوليد الكهرباء.
وأضاف الصندوق أن السلطات المصرية اختارت اتباع نهج تدريجي للإدخال المخطط لمؤشر أسعار الوقود لكل المنتجات التي تم الإشارة إليها في وقت المراجعة الثالثة للاقتصاد، مشيراً إلى أنه في ديسمبر (كانون الأول) أصدر رئيس الوزراء مرسوماً بتنفيذ آلية مؤشر أسعار الوقود للبنزين 95 اعتباراً من ديسمبر 2018 مع أول ضبط للسعر في نهاية مارس (آذار) الماضي.
الحكومة المصرية أعلنت مطلع أبريل (نيسان) الحالي تطبيق آلية التسعير التلقائي على بنزين "أوكتين 95"، التي بمقتضاها يتحدد سعر بنزين 95 عند معدله الحالي، وقد يتغير بنسبة لا تتجاوز 10% ارتفاعاً أو انخفاضاً عن السعر الحالي. يذكر أن اللجنة المسؤولة عن الآلية ثبتت في مطلع الشهر الحالي الأسعار لبنزين 95 عند أسعاره الحالية ولمدة ثلاثة أشهر.
وبالعودة إلى وثائق الصندوق، كشفت أنه سيتم إدخال مؤشر التسعير التلقائي لمنتجات الوقود الأخرى بحلول 5 يونيو (حزيران) المقبل، مضيفةً أنه سيتم زيادة أسعار الوقود في ١٥ يونيو (حزيران) المقبل لرفع نسبة السعر للتكلفة بنسبة 100%.
وتابعت أن السلطات المصرية تخطط أيضاً للتحوط في أسعار النفط، لكن بعثة الصندوق نصحت بالاستخدام الحذر للأدوات المالية ذات التكاليف الأولية التي تحمي مؤقتاً فقط من تحركات الأسعار الشديدة.
وأكدت أن الحكومة المصرية ستبقي على دعم الغاز المسال والوقود المستخدم في المخابز، وكذلك المستخدم في توليد الكهرباء بعد زيادة مختلف المنتجات البترولية الأخرى يونيو(حزيران) المقبل، واسترداد كامل التكاليف التي تتحملها الحكومة لدعم المنتجات البترولية.
الموقف الحكومي من رفع دعم الوقود
وردا على وثائق الصندوق في جزئية رفع الدعم عن الوقود، نفى حمدي عبد العزيز، المتحدث الإعلامي لوزارة البترول المصرية، لـ"اندبندنت عربية"، ما ورد في وثائق صندوق النقد الدولي عن عزم مصر إلغاء الدعم على معظم منتجات الطاقة بحلول 15 يونيو (حزيران) المقبل، قائلا إنه لا يوجد أي معلومات تتعلق بهذا الشأن في وزارة البترول، مؤكداً أنه لا يوجد أي توجه في وزارة البترول لرفع سعر الوقود يونيو(حزيران) المقبل.
برامج حماية اجتماعية موازية
وقال صندوق النقد الدولي إن تعزيز الحماية الاجتماعية للفقراء والأكثر احتياجا كان من أولويات الحكومة المصرية، منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بالاشتراك مع الصندوق، مشيرا في وثائق المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري إلى أن الحكومة أطلقت عدة برامج لحماية الطبقات الأكثر فقرا من تداعيات الإجراءات الإصلاحية.
وذكرت الوثائق أنه نظرا لأن دعم المنتجات البترولية غير فعال ومكلف وغير عادل، تعمل الحكومة على توسيع برامج الحماية الاجتماعية لتكون موجهة بشكل أفضل، مشيرة إلى برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يكفل دخلا نقديا مشروطا لملايين الأفراد من الأسر الأكثر فقرا.
وقالت الوثائق إن الحكومة تعمل على توسيع نطاق برنامج "تكافل وكرامة" ليستفيد منه نحو 10 ملايين فرد، بجانب برنامج "فرصة"، الذي يساعد على إتاحة وخلق فرص عمل للأكثر احتياجا، وبرنامج "مستورة"، الذي يتيح قروضا صغيرة للمرأة لبدء مشروع، وأيضا برنامج "سكن كريم"، الذي يعمل على توصيل الصرف الصحي ومياه الشرب إلى المساكن المحرومة منها، وكلها برامج تديرها وزارة التضامن الاجتماعي.
لفتت الوثائق إلى أن الزيادة المقبلة في مستوى الأجور للعاملين في الدولة، والعلاوات التي أقرتها الحكومة أخيرا، من ضمن إجراءات احتواء آثار إجراءات الإصلاح الاقتصادي على الطبقات المتوسطة والدنيا، وكذلك الزيادة المقررة بواقع 15% في المعاشات، والتخفيضات الضريبية التدريجية على الدخل.
إيرادات متوقعة لقناة السويس
وعدّل صندوق النقد الدولي توقعاته لإيرادات قناة السويس المتوقعة بنهاية العام المالي الحالي لتسجل نحو 6.1 مليار مقابل 6 مليارات دولار تنبأ بها في وثائق المراجعة الثالثة للاقتصاد المعلنة في منتصف يوليو (تمّوز) الماضي.
وقال الصندوق إن التقديرات المبدئية تشير إلى بلوغ إيرادات قناة السويس بنهاية العام المالي الماضي نحو 5.7 مليار مقارنة مع 5.6 مليار دولار توقعها سابقًا، مشيرا إلى أن إيرادات قناة السويس ستواصل صعودها حتى تصل إلى 7.3 مليار دولار في نهاية العام المالي 2022/2023.
تداعيات سلبية ومخاوف
في المقابل طالب الصندوق بزيادة المرونة المحدودة لسعر صرف الجنيه، وأكد أنها لا تشجع التدفقات إلى سوق أوراق الدين وأذون الخزانة الحكومية، مشيرا إلى أن هذا الأمر أحد المخاطر التي تحيط بالمتبقي من برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذر الصندوق من ارتفاع ميزان المخاطر التي تواجه القاهرة مع تشديد الظروف المالية العالمية في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن الزيادة المستمرة في أسعار الفائدة الحقيقية أو الانخفاض المفاجئ في سعر صرف الجنيه قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الدين العام.
وأضاف الصندوق في وثائقه أن من بين المخاطر الإضافية هو تدهور الوضع الأمني الذي من شأنه أن يعطّل الانتعاش في السياحة، والمقاومة من أصحاب المصالح الخاصة التي يمكن أن تضعف زخم الإصلاح، ولفتت الوثائق إلى أن المخاوف بشأن رد فعل الجمهور على إصلاحات نظام دعم الوقود يمكن أن تعقد تنفيذها، مشددا على أن تزايد مخاطر البيئة الخارجية يزيد من أهمية الحفاظ على سياسات سليمة، بما في ذلك مرونة أكبر في سعر الصرف.
قانون جديد للبنوك
وعن السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، قالت وثائق الصندوق إنه يعتزم الانتقال تدريجياً إلى إطار السياسة النقدية القائم على سعر الفائدة المرتبط بالتضخم على المدى المتوسط لتعزيز إطاره المؤسسي.
ولفتت الوثائق إلى الانتهاء من مشروع قانون جديد للبنوك منقّح بدعم من المساعدة الفنية للصندوق، وأرسل إلى مجلس الوزراء، ليعمل على تحسين مشروع القانون الجديد من حيث عملية اتخاذ القرارات الجماعية في البنك المركزي، ويثبت استقرار الأسعار كهدف رئيسي للسياسة النقدية، ويحدّ من التمويل النقدي ويعزز الاستقلال المؤسسي والتشغيلي للبنك المركزي.
وذكرت الوثائق أن القانون الجديد سيحدّ من إقراض البنك المركزي للبنوك لدعم السيولة على المدى القصير وتوضيح دور البنك المركزي والحكومة في إدارة الأزمات، بجانب تعزيز الإطار الإشرافي للتدخل المبكر.
وعلق الدكتور فخري الفقي، المساعد الأسبق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، لـ"اندبندنت عربية"، بأن صندوق النقد والبنك الدوليين يشيدان بالتجربة المصرية ويطالب الدول الأخرى التي تمر بالظروف التي مرت بها مصر أن تتخذها مثالا ونموذجا رائدا في الشرق الأوسط، وأن القضية الاقتصادية الأساسية لمصر هي التوسع والانتشار خارج الوادي الضيق، مشيراً إلى أن الشعب المصري يعيش على مساحة لا تتخطى 8% من مساحة مصر.
وأضاف "الفقي" أن وثائق الصندوق التي أعلن عنها أخيرا في المراجعة الرابعة تمثل استمرارا للنجاح المصري منقطع النظير في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة على مدار الثلاث سنوات الماضية، مؤكدا أن استمرارية النجاح مرتبطة باستمرار الإصلاح.
وأكد أن الدولة أدركت منذ 4 سنوات ضرورة التوسع، ولذلك كان لا بد من وجود شبكة طرق حديثة، والتي هي الشرايين في جسم الاقتصاد، والتي تؤدي بدورها إلى إنشاء مناطق عمرانية جديدة، مشيرا إلى أن هناك 700 ألف وحدة سكنية تم إنشاؤها في السنوات القليلة الماضية.
تصريحات متفائلة وخطط مستقبلية
في فبراير (شباط) الماضي، قالت كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي، في لقاء جمعها بالدكتور محمد معيط وزير المالية اجتماعا في دبي على هامش اجتماعات المنتدى السنوي الرابع للمالية العامة لصندوق النقد العربي، إن الاقتصاد المصري لديه فرصة طيبة للانطلاق، معربة عن تقديرها لما أنجزته مصر والشعب المصري تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي من إصلاحات جوهرية في السياسات المالية والنقدية، والتي مكّنت مصر من التغلب على تحديات ضخمة كانت تعوق وضع الاقتصاد المصري على الطريق السليمة نحو الانطلاق وجنبت مصر وضعا صعبا كان يمكن أن يهدد تأمين المستقبل الاقتصادي المصري، مشيرة إلى أن هذا الإصلاح جعل مصر قصة نجاح تشيد بها جميع المؤسسات المالية العالمية ودوائر المستثمرين، وأعاد المصداقية والثقة في الاقتصاد المصري وآلياته وأدواته.
وأكدت لاغارد تفهمها أن برنامج الإصلاح الاقتصادي قد ترك آثارا على شرائح الشعب المصري، وبخاصة الطبقة المتوسطة، وأن هذا يتطلب خلال الفترة المقبلة التركيز على إطلاق طاقات الاقتصاد لصالح تلك الطبقات.
وخلال هذا اللقاء أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري، أن الحكومة المصرية تدرك جيدا أن هناك عملا كبيرا يجب تنفيذه لترجمة تلك الإصلاحات الاقتصادية ونتائجها لتصبح استراتيجية عمل دائمة ومستمرة ومستدامة، مشيرا إلى اتجاه مصر خلال السنوات المقبلة للبناء على نتائج الإصلاح الاقتصادي لدفع وتعميق الإصلاح الهيكلي الاقتصادي وزيادة الاستثمار في التنمية البشرية وبرامج الحماية الاجتماعية وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة حتى تنتقل ثمار الإصلاح إلى المواطن في صورة تحسين مستوى المعيشة وخلق المزيد من فرص العمل.
وأضاف أن الحكومة المصرية عازمة على القيام بإصلاحات هيكلية كبيرة في الاقتصاد المصري لضمان الاستدامة لمعدلات النمو، وأيضا العمل على تشجيع وتحفيز وزيادة مشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد ورفع معدلات النمو، وأيضا زيادة مشاركة الشباب والمرأة في الاقتصاد.