كتب الصحافي الإسرائيلي المتخصص في شؤون الأمن والاستخبارات، رونين بيرغمان، في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الجمعة، وترجمه موقع "عرب 48"، أن التخطيط في إسرائيل لشن هجمات ضد المنشآت النووية في إيران، بدأ خلال ولاية رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت، في عام 2008، وكان إيهود باراك يتولى منصب وزير الأمن في حينه. وبدأت إسرائيل تخطط لهجمات كهذه بعد حصولها على تسجيل بصوت العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، يتحدث فيه عن برنامج نووي عسكري سري، حيث أطلع أولمرت وباراك الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، على الخطط الإسرائيلية لمهاجمة إيران، في شهر أبريل (نيسان) 2008، عندما زار بوش إسرائيل للمشاركة في احتفالات الذكرى السنوية الستين لتأسيس الدولة العبرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بوش: "هذا الرجل يخيفني"
وبحسب التقرير نفسه، كانت وكالة الاستخبارات الأميركية على علم بالمخططات الإسرائيلية تجاه إيران. فقبل أيام من زيارة بوش لإسرائيل، أطلعه مستشاره لشؤون الأمن القومي، ستيف هادلي، على تقارير استخبارية تحدثت عن استعدادات إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
وخلال مأدبة عشاء احتفالية، دخل بوش وأولمرت وهادلي وباراك إلى غرفة جانبية، وطلب باراك أن تشتري إسرائيل من الولايات المتحدة طائرات مقاتلة قادرة على الهبوط بصورة عمودية وقنابل ذكية.
ونقل رونين بيرغمان عن باراك قوله إن "بوش أشار بإصبعه إليّ، وقال هذا الرجل يخيفني". ثم قال بوش "أريد أن تعرفوا الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة. الولايات المتحدة تعارض بشدة إمكانية أن تنفذ إسرائيل عملاً ضد البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني. وكي لا أكون غير واضح، فإني أقول لكما، إن الولايات المتحدة لا تعتزم العمل، ما دمت أنا الرئيس". وعلى الرغم من أقوال بوش، فإن أولمرت سعى إلى مواصلة إقناعه بالطلب الذي قدمه باراك، في اليوم التالي. وطلب أولمرت الاجتماع مع بوش على انفراد، وأسمعه تسجيلاً صوتياً، وقال "أطلب منك ألا تتحدث مع أي أحد عنه، ولا حتى مع رئيس الـ(سي آي أيه)".
"كالان" يجند العميل
وأشار بيرغمان الذي ترجم تقريره موقع "عرب 48"، إلى أن اسم فخري زادة بدأ يتردد في أروقة الاستخبارات الإسرائيلية في عام 1993. في حينه، تمكن ضابط في "الموساد"، يعرف بتسمية "كالان"، من تجنيد عميل، نقل إلى إسرائيل رسوماً أولية لأجهزة طرد مركزي إيرانية، في حين كانت منظومة تخصيب اليورانيوم في بدايتها.
وأضاف بيرغمان، أنه وفقاً لكاتب السيرة الذاتية لبوش ومراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الحالي في البيت الأبيض، بيتر بيكر، وتقرير نشرته صحيفة "دي تسايت" الألمانية، فإن الاستخبارات الإسرائيلية جندت عميلاً مقرباً من فخري زادة، وسجل أقواله. وقال أولمرت لبوش إن إسرائيل تمكنت من تجنيد هذا العميل. وخلال ذلك بدأ يتكرر اسم فخري زادة. أما "كالان" فهو عملياً رئيس "الموساد" الحالي يوسي كوهين، وفقاً لبيرغمان.
ملف "عناية سلبية"
وفي شرح بيرغمان الاستعدادات لتنفيذ الاغتيال، كتب أن "الموساد" يستخدم تسمية "عناية سلبية" للملف عن شخص يجري السعي لاغتياله. ويبدأ بتجميع ملف كهذا الوكلاء الميدانيون وضباط استخبارات، ثم يضعون الملف أمام رئيس "الموساد"، الذي في حال اقتنع بتنفيذ الاغتيال، ينقل الملف إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية. وبعد مصادقة الأخيرة الأولية، يعود الملف إلى رئيس "الموساد"، وبعد ذلك يطرح أمام "لجنة رؤساء الأجهزة"، أي رؤساء "الموساد" و"الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية. وفي حال مصادقة هذه اللجنة، وبعد مصادقة نهائية لرئيس الحكومة، يبدأ العمل على التخطيط لتنفيذ الاغتيال.
زادة في الحرس الثوري
وفقاً للمعلومات في ملف "الموساد"، فإن فخري زادة انضم إلى الحرس الثوري الإيراني في عام 1979، وخدم في البداية كضابط علوم. وبعد إقامة إيران منظومة صغيرة تجريبية لأجهزة طرد مركزي بفترة قصيرة، اكتشف الإيرانيون أن الولايات المتحدة وإسرائيل كشفتا عن هذه المنظومة، ونقلوا المشروع إلى موقع سري في نطنز، وبحسب "الموساد" فإن المشروع النووي العسكري موجود في هذا الموقع.
وينقل بيرغمان عن ملف فخري زادة أنه حاول إخفاء وجود برنامج نووي عسكري إيراني، وفي المقابل، كان يطالب بتوفير مكان سري في باطن الأرض. وبحسبه، فإن في إحدى الوثائق في الملف، يتحدث فخري زادة عن "الهدف العام هو الإعلان عن إغلاق المشروع العسكري"، وأن "أنشطة أخرى ستجري تحت عنوان "تطوير خبرات علمية"، واستنتج بيرغمان من ذلك أن فخري زادة سعى إلى تطوير قنبلة نووية.
أولمرت: أعرفه إذا التقينا في الشارع
وأعد "الموساد" قائمة بأسماء علماء نوويين إيرانيين، وعلى رأسهم فخري زادة. ووفقاً لبيرغمان، فإن إيهود أولمرت صدق على اغتياله. وكان أولمرت قد قال في مقابلة تلفزيونية "إنني أعرف فخري زادة جيداً. وهو لا يعلم مدى معرفتي به. وعلى الأرجح أنه لو التقيت به في الشارع، لتعرفت عليه. وهو يرأس برنامجاً غايته تنفيذ أمور لا يمكن الموافقة عليها. ولا توجد حصانة له. ولم تكن له حصانة. ولا أعتقد أنه ستكون له حصانة".
ولم ينفذ "الموساد" اغتيال فخري زادة في حينه، بعدما أقنع مسؤول فيه أولمرت بأنه ربما أدرك الإيرانيون أن الإسرائيليين على وشك تنفيذ الاغتيال، وسيجهزون كميناً لفريق الاغتيال. وأوعز أولمرت لرئيس "الموساد" في حينه، مئير داغان، بإلغاء عملية الاغتيال. وفي المقابل، قال أولمرت إن داغان هو الذي ألغى الاغتيال لأنه خشي على مصير فريق الاغتيال، ولأنه "توجد أحياناً ظروف، وبسببها لا يتم تنفيذ أمور معينة، وهذا ليس مرتبطاً برغبة رئيس "الموساد" أو رئيس الحكومة". وطرح اغتيال فخري زادة مرة أخرى، وحذر "الموساد" من تنفيذه حينها، وذلك لأن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تجري مفاوضات مع إيران، قادت إلى الاتفاق النووي في عام 2015.
نجل زادة: جرت معركة حقيقية
وفي تفاصيل جديدة لم تكن معروفة حتى الآن حول عملية الاغتيال، أفصح نجل زادة الذي كان برفقة أبيه عند تعرضه للاغتيال في لقاء مع التلفزيون الإيراني، اللحظات الأخيرة من عمر والده، وكشف عن أن عملية الاغتيال لم تنفذ من مدفع رشاش مثبت على شاحنة صغيرة مركونة على جانب الطريق ويتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية، كما ورد في كثير من المزاعم.
وأضاف الابن الذي كان برفقة والده في السيارة وقت الحادث: "كانت هناك معركة حقيقية".
وقال إن زوجة فخري زادة كانت بجوار زوجها عند وقوع الحادث، ولكنها لم تصب بأذى من إطلاق النار. وقال الابن: "أصيب والدي بأربعة أو بخمسة أعيرة نارية".
وتكهن مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الذي يغطي أنباء إيران والشرق الأوسط، بأنه بناءً على هذه المعلومات، يمكن الافتراض أن مطلق النار كان ماهراً، وأنه لم تكن هناك آلة إطلاق نار كما نشر الحرس الثوري.
وقال نجل فخري زادة إن والده تلقى تحذيراً من قبل عناصر الأمن المسؤولين عن حراسته بعدم الخروج يوم الاغتيال، لكنه على الرغم من ذلك خرج؛ إذ كان ينوي حضور اجتماع مهم.
يحزكائيلي: لا خليفة لفخري زادة يعادله
وقال الصحافي تسفي يحزكائيلي، المتخصص بالشؤون الشرق أوسطية، في قناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي "إذا كانت إسرائيل بالفعل وراء الاغتيال كما زعم، فإن ذلك يعادل اغتيال قاسم سليماني، على يد القوات الأميركية، بل إنه قد يتجاوز اغتيال سليماني، لأن اغتيال سليماني كان في مطار بغداد، بينما اغتيال فخري زادة، كان في عقر دار الإيرانيين، بنيران قريبة المدى".
ورأى يحزكائيلي، في مقالة كتبها، اليوم السبت، إن لاغتيال زاده مكانة هائلة، ورسالة مدوية، ولكن أيضاً تأثيره فوري. وأضاف "يزعم على نطاق واسع، أن لكل شخص بديل، لكن من الواضح بالفعل، أن إسماعيل قآاني، قائد الحرس الثوري، لا يعادل سلفه قاسم سليماني، ومن المرجح ألا يكون خليفة فخري زادة مثله".
وأوضح يحزكائيلي "يظهر التاريخ أن مثل هذه الاغتيالات، لها تأثير كبير. سبّب الاغتيال إحراجاً كبيراً لإيران، وعلى الرغم من أنهم يهددون بالانتقام، فإنهم في ورطة؛ إذ يتعيّن عليهم الانتقام بطريقة تليق بحجم الحدث، ومع ذلك، فإن سلة قدراتهم محدودة".
واعتبر الصحافي أن "الإيرانيين في وضع غير مواتٍ من نواحٍ عديدة في هذا السياق: "أولاً، إدراكهم أن إسرائيل تتابع كل تحركاتهم، بطريقة تجعل من الصعب عليهم تنفيذ هجوم انتقامي جيد، فإسرائيل تقرؤهم ككتاب مفتوح. ثانياً، لا يمكنهم القبول برد ضعيف نسبياً، لن ينقذ كرامتهم".