باتت حدود إسرائيل البرية والبحرية وغالبية الأماكن الاستراتيجية والعسكرية، محاطة بآليات دفاعية واحتياطات أمنية لتتحوّل إلى "غيتو"، خشية من الانتقام الإيراني على مقتل العالم النووي محسن فخري زادة.
في المقابل، أسرعت المؤسسة العسكرية إلى التنسيق مع الجيش الأميركي حول خطوات دفاعية، تضمن مواجهة وعرقلة عمليات استراتيجية من شأنها أن تشكّل ضربة قاسية لتل أبيب.
وبعدما أعلن وزير الطاقة يوفال شطاينتس، موقفاً رافضاً لاستمرار المفاوضات مع لبنان حول الحدود البحرية، أدخلت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، آبار الغاز في عرض البحر الأبيض المتوسط، إلى قائمة الأهداف المستهدفة من قبل طهران.
ومع صدور تقرير أمني يحذر من احتمال إدراج علماء الذرة في إسرائيل ضمن بنك أهداف الانتقام الإيراني، دخل مفاعل ديمونة النووي في قائمة الاحتياطات الأمنية، فيما صدرت تعليمات خاصة لعلمائه.
وتضمنت أبحاث الأجهزة الأمنية الخطر المحدق في مصانع الأمونيا في حيفا، على الرغم من أن إسرائيل تستبعد تنفيذ حزب الله الانتقام من جانب لبنان. فبحسب تقديراتها، الحزب غير معني بالتدخّل في تصعيد عسكري في المنطقة حالياً، إلا أن قدرة الصواريخ التي في حوزته على قصف هذه المصانع، تستلزم أخذ الحيطة والاستعداد. لكن في الوقت ذاته، لا يلغي الإسرائيليون من حساباتهم تجنيد خلايا من الداخل لتنفيذ عمليات انتقامية.
ولا تسقط الأجهزة الأمنية من تقديراتها أن يأتي الردّ الإيراني من سوريا أو العراق، أو حتى بواسطة الحوثيين في اليمن، الذين يمكنهم تهديد التجارة البحرية مع إسرائيل في البحر الأحمر.
رزم مشبوهة ومسارات ثابتة
السيناريوهات المتوقعة في مقابل الاستعدادات والتأهب في إسرائيل، تأتي في وقت يسعى الجيش الأميركي إلى خفض قواته في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وفقاً لتعليمات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، بالتزامن مع تسلّم تل أبيب سفينة "شيلد" الألمانية الصنع، التي تعتبرها "حصن أمان" لمنصات الغاز في البحر المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتعامل الدولة مع جميع سيناريوهات الردّ المتوقعة بالاهتمام والاحتياط ذاته، وتجري تعديلات يومية على حالة التأهب القصوى التي رفعتها في اليوم الثاني من اغتيال فخري زادة، على طول مناطقها الحدودية وسفاراتها وممثلياتها في الخارج. وفي توجّهها إلى الخبراء النوويين في مفاعل ديمونة، دعتهم أجهزة الأمن إلى اتخاذ تدابير الحذر واليقظة طوال ساعات اليوم وإجراء تغيير يومي على مسارات تنقّلهم، والتنبّه إلى احتمال استهداف أي منهم عبر رزم مشبوهة وغيرها.
وإزاء مختلف السيناريوهات المتوقعة والخشية الإسرائيلية من ضربة غير مسبوقة، أجرى ضباط كبار محادثات مع نظرائهم في القيادة الوسطى للجيش الأميركي، ووضع الطرفان خطة دفاعية ووقائية. ومن ضمن التنسيق، اتخاذ إجراءات مشتركة لوسائل كشف ورصد إطلاق قذائف وصواريخ باتجاه إسرائيل وأهداف أميركية في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من تنفيذها عشرات العمليات ضد شخصيات إيرانية وقيادية في حزب الله وسوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن اغتيال فخري زادة يشكّل، بالنسبة إلى إسرائيل، فترة انتقالية نحو تغيير قواعد اللعب بين طهران وتل أبيب تتضمن أيضاً توسيع نطاق الردّ الإيراني ونوعيته.
ومنذ إعلان وقوف إسرائيل خلف اغتيال العالم النووي، تواصل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية اجتماعاتها للبحث والتشاور حول احتمالات الردّ ومدى قدرة تل أبيب على مواجهة عمليات نوعية، وإذا ما كانت مثل هذه العمليات ستنفذ قبل نهاية ولاية ترمب.
ويقدّر تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "عازم على استغلال بقية ولاية ترمب من أجل دفع الإنجازات الأخيرة تحت رعايته، حتى لو كلّف ذلك بدء العلاقات مع إدارة (الرئيس المنتخب جو) بادين بنفور. وعندما تهب رياح الانتخابات مرة أخرى في إسرائيل، ليس مستبعداً أن تؤثر اعتبارات سياسية أيضاً في اختيار التوقيت الحالي لاغتيال فخري زادة".
ويوضح البحث الذي أشرف عليه رئيس معهد الأبحاث عاموس يدلين، أن توقيت الاغتيال "ليس صدفة، إذ حُدّد بهدف استغلال الدعم من الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها، لاستباق وتحييد حواجز متوقعة أمام تنفيذها من جانب إدارة بايدن الجديدة والتأثير في حيّز مناورتها وتقليص مخاطر ردّ هجومي كبير إيراني في الفترة القريبة، وذلك إثر تخوف في طهران من ردّ فعل هجومي كبير من جانب إدارة ترمب، ومن خلال رغبة إيران في تسهيل استئناف الاتصالات مع إدارة بايدن".
احتمال بقاء إسرائيل وحيدة أمام ايران
في المقابل، تطرّق بحث آخر إلى العلاقة الأميركية بعملية اغتيال فخري زادة، محذّراً من بقاء إسرائيل وحيدة أمام إيران وفقدان دعم الإدارة الأميركية الجديدة لتل أبيب.
ولم يتجاهل هذا البحث جانباً حاول الجيش والمسؤولون غض النظر عنه في كل ما يتعلق بتصعيد أمني تجاه إيران ومدى قدرة الجيش الإسرائيلي على مواجهة مثل هذه المخاطر. وألمح الباحثون إلى تراجع هذه الإمكانيات وتداعيات الوضع السياسي في إسرائيل على قدرة الجيش في مواجهة التحديات التي تعترضه.
في غضون ذلك، حذّر البحث من أي خطوة إسرائيلية من شأنها عرقلة التعاون النوعي بين تل أبيب والإدارة الجديدة المقبلة برئاسة بايدن وإبقاء إسرائيل وحيدة في مواجهتها مع إيران.
وأوصى البحث متخذي القرار بالقول "على إسرائيل، وعلى الرغم من النجاحات العملياتية المنسوبة إليها، إيجاد الطرق الصحيحة لضمان استمرار التعاون النوعي مع واشنطن، مع دخول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، حتى إن تطلّب الأمر العمل بشكل سري. فمن المرجح أن يكون لدى واشنطن كل الاستعداد لللإصغاء إذا قدّروا في الإدارة الأميركية أن إسرائيل تأتي إلى الحوار "نقيّة اليدين"، من دون نيّة العمل من خلف ظهرها".