منذ سنوات، يتناول السياسيون والخبراء موضوع بريكست باعتباره يسفر عن نتيجة ثنائية بالنسبة إلى المملكة المتحدة: إما اتفاق أو لا اتفاق.
ويُلمّح إلى أن إبرام صفقة يعني استمرار الحياة التجارية كعادتها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية يوم 31 ديسمبر (كانون الأول).
لكن في المقابل، تجري الإشارة إلى أن الإخفاق في إبرام الصفقة سوف يؤدي إلى عدد من العراقيل أمام عمل الشركات وسلسلة من الصدمات الاقتصادية المعاكسة.
لكن بعض مجموعات الأعمال، لا سيما متعهدي النقل والتجار في إيرلندا الشمالية، يشيرون منذ مدة إلى أنّه حتى اتفاق التجارة الحرة بين الحكومة البريطانية وبقية الاتحاد الأوروبي لن يستطيع تفادي حدوث اختلال كبير بدءاً بمطلع العام المقبل.
ولكي نفهم السبب، علينا أن نعي أنه حتى "صفقة (اتفاق)" بريكست التي تسعى إليها إدارة بوريس جونسون بالفعل تمثّل شقاقاً كبيراً مع الاتحاد الأوروبي.
وحتى في ظل إبرام الصفقة، سوف نخرج من السوق الأوروبية الموحدة، ما يعني أن السلع الخارجة من المملكة المتحدة باتجاه القارة ستخضع حكماً للفحص الجمركي والتفتيش عند الحدود الأوروبية، وهو يعني تأخيراً مقارنة بالوضع الحالي والمزيد من الأوراق [المعاملات] على كاهل مؤسسات التبادل التجاري.
وحتى صفقة التجارة الحرة التي تزيل الرسوم على الصادرات نحو الاتحاد الأوروبي ستتطلب تصاريح جمركية من المؤسسات البريطانية لأننا سوف نخرج في كل الأحوال من إطار الاتحاد الجمركي الأوروبي.
وتقول الخبيرة الجمركية آنا جيرزيوسكا "في ظل أي سيناريو لبريكست يشمل الخروج من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة، سوف ينجم عنه احتكاك [توتر] جديد وإضافي عند الحدود البريطانية - الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما هو حجم الاحتكاك الجديد الذي سنواجهه في الأحوال كافة إذاً؟
قد تُضطر نحو 145 ألف شركة بريطانية إلى ملء استمارات جمركية للمرة الأولى، وفقاً لديوان المحاسبة الوطني، وقد قدّرت هيئة الإيرادات والجمارك أن إجمالي التصاريح الإضافية المطلوبة كل سنة قد يصل إلى 215 مليون تصريح.
وبحسب تقديرات قطاع الشحن، هذا سيتطلب توظيف 50 ألف موظف جمركي جديد في القطاع الخاص مدربين على تعبئة النماذج الجمركية الجديدة تحديداً.
145,000 شركة بريطانية سوف تضطر لتعبئة استمارات جمركية للمرة الأولى ابتداء من 31 ديسمبر، حتى في ظل اتفاق التجارة الحرة.
وسوف يشكّل هذا الجهد عبئاً خاصاً على الشركات في إيرلندا الشمالية، بما أنّ الإقليم سيظلّ، بموجب بنود قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، جزءاً من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي (لتجنّب إنشاء حدود تنظيمية وجمركية قاسية على الجزيرة الإيرلندية).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعوضاً عن ذلك، سوف تكون هذه الحدود في البحر الإيرلندي أي أن العديد من السلع الآتية من بقية المملكة المتحدة باتجاه إيرلندا الشمالية ستخضع للفحص حرصاً على مطابقتها قوانين السوق الموحدة. كما يجب إرفاق تصاريح التصدير الجمركية بالبضائع التي تنتقل من إيرلندا الشمالية باتجاه بريطانيا العظمى.
ويتوقع الخبراء الحاجة إلى 30 مليون تصريح جمركي جديد سنوياً على التجارة من بريطانيا العظمى إلى إيرلندا الشمالية.
وسوف يخلق ذلك عملاً جديداً لشركات التصدير، إن في شمال إيرلندا أو بقية المملكة المتحدة.
كما سوف تتكبد الشركات نفقات جديدة. بحسب تقدير هيئة الإيرادات والجمارك، ستبلغ النفقات الجمركية وحدها 7.5 مليار جنيه استرليني سنوياً. ومع الوقت، يُرجّح أن تنتقل هذه النفقات إلى المستهلكين. لكن في الوقت الحالي، تنحصر المشكلة في عدم معرفة الشركات بالأنظمة الجديدة التي تُطبق على الحدود مهما حصل يوم 31 ديسمبر.
ولن يُصبح البرنامج الإلكتروني الحكومي الجديد المُصمّم من أجل السماح للمصدّرين بتعبئة الاستمارات الجمركية مسبقاً متاحاً سوى بتاريخ 23 ديسمبر. وتحذّر شركات النقل من أن النظام الجديد لم يخضع للاختبار ببساطة بعد، وهي تخشى من انهياره لا سيما إن كان تشغيله يعتمد جزئياً على موظفي النقل، الذين ليست الإنجليزية لغتهم الأم في معظم الأحيان.
ووجد استطلاع لآراء سماسرة [وسطاء] التخليص الجمركي، أجرته الرابطة البريطانية للشحن الدولي في سبتمبر (أيلول) أنّ ثلثيهم ليس لديهم العدد الكافي من الموظفين للتعامل مع البيروقراطية الإضافية التي سيبدأ العمل بها يوم 31 ديسمبر وأن القطاع لن يتوفر على 50 ألف وكيل تخليص جمركي جديد في ذلك الوقت.
ونبّه ديوان المحاسبة الوطني في سبتمبر إلى أنه "من غير المرجح جداً" أن تكون كل الشركات مستعدة لنهاية الفترة الانتقالية.
ويقدّر بنك إنجلترا أن الشركات المسؤولة عن 30 في المئة من الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي ستكون غير مستعدة على الأرجح.
وهذا ما قد ينتج صفوف انتظار طويلة للشاحنات وتعطيلاً لوصول اللوازم التي تحتاجها شركات البيع بالتجزئة وشركات التصنيع البريطانية.
30 في المئة هي حصة الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي من شركات بريطانية غير مستعدة للشروط الحدودية الجديدة وفقاً لبنك إنجلترا.
قد تقرر الحكومة البريطانية بشكل أحادي السماح بدخول ناقلي البضائع من القارة من دون الأوراق المطلوبة، لكن المشكلة هي أن العديد من هؤلاء الناقلين يقومون برحلات ذهاباً وإياباً فيجلبون البضائع من الاتحاد الأوروبي ويأخذون حمولة من المملكة المتحدة لينقلوها من جديد عبر القناة.
وتحذّر بعض شركات النقل من أنه حال بقاء هؤلاء السائقين "القاريين" [العاملين في البر الأوروبي] عالقين في صفوف انتظار طويلة على الجانب البريطاني، قد يقررون عدم المجيء إلى المملكة المتحدة في الأساس.
من المستحيل معرفة مدى سوء التعطيل على وجه الدقة. لكن مجرّد قيام بنك إنجلترا بتقدير تعرض إجمالي الناتج المحلي البريطاني إلى انتكاسة بمعدل 1 في المئة خلال الربع الأول من العام المقبل حتى ولو أبرمنا اتفاقاً، فقط بسبب التعطيل على الحدود، يبيّن أنه لا يتوقع أن يكون أثر هذا التعطيل ضئيلاً من الناحية الاقتصادية.
وقد يكون وقع ذلك على شركات النقل واللوجستيات الفردية - وعلى العاملين فيها وعملائها - كبيراً جداً بالفعل.
© The Independent