على الرغم من توصل مجموعة "أوبك+" إلى اتفاق يرضي أسواق النفط ومعظم أعضائها خلال الاجتماع الأخير، إلا أن الغموض لا يزال مستمراً مع تداعيات هذا الاتفاق. وعلى الرغم من عودة الأسعار إلى عافيتها مرة أخرى بنحو 50 دولاراً للبرميل مع وجود التقلبات، إلا أن أسبوع المفاوضات الصعبة الذي سبق الاتفاق وضع المجموعة أمام اختبار في شأن الاستمرار بمستقبل الإنتاج وآلياته وحصصه، كما يضع مزيداً من عدم اليقين أمام اجتماعات مقبلة.
ويرى محللون ومتخصصون في تصريحات متفرقة لـ "اندبندنت عربية" أن الأخطار لازالت تلاحق الأسواق، ولن يتحقق الاستقرار ما لم تستمر سياسات "أوبك+" في السيطرة على المعروض النفطي إلى حين تحسّن الطلب مرة أخرى، متوقعين مزيداً من المشكلات بين أعضاء المجموعة خلال العام 2021.
واتفقت "أوبك+" التي تضم 23 دولة من منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرين، في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الماضي على تقليص خفوض إنتاج النفط على نحو طفيف وبشكل طوعي ابتداء من يناير (كانون الثاني) المقبل، ليكون 7.2 مليون برميل يومياً، بما يعادل سبعة في المئة من الطلب العالمي.
وكانت معدلات الخفض الحالية تصل إلى 7.7 مليون برميل يومياً، مما يعني زيادة معدلات الإنتاج الحالية بـ 500 ألف برميل يومياً، على أن تتم مراجعة معدلات الخفض بصورة شهرية.
استجابة سريعة
في هذا الشأن، قال المتخصص في الشؤون النفطية محمد الشطي، إن التغير الذي تبنته "أوبك+" لأسواق النفط منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي كان استجابة سريعة لمستجدات السوق، ومراقبتها على أساس شهري من اللجنة الوزارية، مؤكداً أهمية استحداث اللجنة ودورها في تحديد أنسب التحركات لتحقيق ميزان السوق باتفاق جماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن كل ذلك يتناسب مع سرعة التغيرات في 2020 لتضمن بقاء الأسعار ضمن نطاق سعري بين 45 و50 دولارا للبرميل خلال الأمد القصير، وتضمن تحول هيكل الأسعار لتكون في السوق حالياً أعلى منها في المستقبل، في وقت تبقى السحوبات من المخزون النفطي بشكل متواصل، ويبقى النظر حول معدل تشغيل المصافي بما يتناسب مع تعافي الطلب على النفط، خصوصاً في ظل بدء تجارب إعطاء اللقاح في بريطانيا، وأن نجاح ذلك سيدفع بالأسعار نحو الارتفاع.
مسار التعافي
ورداً على سؤال حول إذا ما كانت العودة لرفع الإنتاج هي الحل لإنقاذ السوق، قال الشطي "إن مسار تعافي الطلب على النفط يستلزم زيادة متناسبة تضمن استقرار الأسواق، وعدم وجود قفزات في أسعار النفط إلى مستويات عالية".
وذكر أن تعافي الأسعار يجب أن يكون تدريجاً بما يتوافق مع الاستثمار بشكل معتدل، ويضمن أيضاً سحوبات من المخزون، بخاصة وأن السوق تتابع مؤشر متحركاً وحركته إلى الآن غير متوقعة أو محسومة، وهي تطورات جائحة كورونا في ظل موجة جديدة في أوروبا وأميركا، بينما تنتظر السوق آثار اللقاح، وهذا يستدعي تحركات دورية متقاربة مما يجعل آليات "أوبك+" ناجحة جداً، والاستجابة هي بقاء مستويات الأسعار قوية.
وأفاد الشطي أن هناك "اعتبارات عدة ضمنت نجاح الهيكل العام لـ "أوبك+" وبرنامجها الذي يمتد إلى نهاية مارس (آذار) 2022، منها استعداد التحالف لأية إجراءات أو تعديل بما يتناسب مع مستجدات السوق ليحقق توازنها".
وتابع، "استعداد "أوبك+" لأي إجراء فيه مصلحة توازن السوق أوجد صدقية للتحالف، وأصبحت السوق تجد في التحالف عامل استقرار في ظل تفاهم سعودي- روسي، كونهما أكبر منتجين للنفط في العالم".
وأضاف أن استحداث "أوبك+" آلية لتعويض الزيادة في الإنتاج لبعض الأعضاء، وأخيراً ارتفاع نسب الالتزام عن 100 في المئة خلال الأشهر الأخيرة، تطور إيجابي انعكس في الأسعار، وهناك جدية كبيرة وقبول لـ "أوبك+" كجهة مسؤولة ينظر إليها بالاحترام والتقدير في ضبط السوق النفطية"، بحسب ما يرى الشطي.
الأسواق تواجه الخطر
وحول أخطار الأسواق حالياً، يرصد الشطي سبعة أمور أولها إمكان تأخر انتشار لقاح علاج كورونا في أسواق العالم على أساس تجاري، وضعف هوامش أرباح المصافي مع استمرار ارتفاع المخزون النفطي للمنتجات البترولية، أما الأمر الرابع فيتمثل في تباطؤ وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي، فضلاً عن زيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة للدول، مما يجعل الاستمرار فيها من دون زيادة تحدياً أمام تلك الدول.
وأضاف، "رفع القدرة الإنتاجية للدول يجعل استمرار الإنتاج عند مستويات أقل تحدياً، أما الأمر السابع فيكمن في عودة بعض الدول للإنتاج بسبب تغير أوضاعها مثل فنزويلا وليبيا وإيران".
خلافات لا تنتهي
من جهته، قال رئيس قسم أبحاث ودراسة الأسواق بشركة "أوربكس" ومقرها الكويت، أحمد نجم، إن الخلافات بين أعضاء تحالف "أوبك+" لا تنتهي ولن تنتهي، مشيراً إلى أن خفض الإنتاج كان ولا يزال هو الحل السريع للسيطرة على هبوط أسعار النفط.
وذكر نجم أن بعض أعضاء التحالف ما زالوا ينظرون إلى أنهم هم من سيدفعون كلفة خفض الإنتاج، في مقابل توسع الدول خارج الاتفاق في زيادة إنتاجها، ولكن "أوبك" ما زالت تريد العمل على مزيد من تعميق العلاقات بين الدول المنتجة للسيطرة بشكل أكبر على أسعار النفط.
ويرى نجم أنه "في كل اتفاق نشهد مزيداً من مناشدات الدول المنتجة الأشد حاجة إلى زيادة حصتها، ناهيك على أن هناك عدداً من الدول أصبحت لا تتحمل اتفاق خفض الإنتاج، مما يضطرها إلى عدم الالتزام بحصتها".
وأشار إلى المخاوف في شأن قيام بعض الدول بزيادة إنتاجها نظراً لظروفها الاقتصادية الصعبة، مثلما طالبت نيجيريا أخيراً لإنعاش وضعها الاقتصادي والبنية التحتية المتهالكة، وكذلك العراق ولذي يعاني وضعاً ليس بالجيد، وفي حاجة ماسة إلى زيادة عائداته النفطية، فضلاً عن الوضع في ليبيا وفنزويلا.
وأضاف، "يأتي هذا في وقت تتحمل السعودية وروسيا الحصة الأكبر من الخفض، ولهما الفضل الأكبر في نجاح الاتفاق".
وذكر أن "أسعار النفط الآن تقارب الـ 50 دولاراً، وبالنسبة للمنتجين فهي أسعار جيدة للغاية، طبقاً لمتغيرات السوق الجديدة التي تحدثنا عنها، وحتى أوبك تسعى إلى الحفاظ على هذا السعر".
وقال إن زيادة الإنتاج لن تكون حلاً لتعافي الأسواق حالياً وسط اتساع فجوة العرض والطلب، مضيفاً أنه "ليس باليد حيلة، وهذا ما يمكن أن نصف به خطوات "أوبك+" خلال الفترة السابقة لمحاولة السيطرة على الأسعار، فالنفط يعاني الآن وسيعاني في المستقبل من عمليات انخفاض الطلب المستمر، والمخططات الطموحة من الاقتصادات الكبرى للاعتماد على الطاقة البديلة النظيفة، والاستغناء عن النفط تدريجاً".
تأثر موازنات الدول بالإنفاق على كورونا
في الوقت نفسه، يرى ناشر مجلة "مييس" المتخصصة في شؤون النفط، الدكتور صالح الجلاد، أن جائحة كورونا لعبت دوراً مهماً في تذبذب أسواق النفط والغاز، وفي الاقتصاد العالمي والتوقعات المستقبلية.
وأشار إلى أن جميع البلدان المصدرة للنفط لها طموحات لإنماء مجتمعاتها، ومعظمها يعتمد على قطاع النفط لتمويل تنفيذ مخططاتها الاقتصادية والاجتماعية، وجميعها لا تتحمل ضغط الجائحة ويعانون منها.
توقعات الخلل في السوق
وأوضح أنه إذا ما انتشرت الجائحة أو طالت مدة الانتظار لحل مدروس معقول، فإن ذلك سبب وجيه في استمرار خلل الأسواق بما قد ينعكس في انخفاض الغاز، لافتاً إلى أن الزيادة الأخير في الأسعار كانت بسبب أخبار إيجابية تتعلق بلقاح كورونا، إضافة إلى توقعات بعض المؤسسات بأن الحل قريب، مع أن التأثير الإيجابي لهذه الأخبار لا يظهر في وقت مبكر.
كواليس الاجتماع
وأشار إلى أن بوادر الانشقاق في صفوف "أوبك+" ما هي إلا إنذار لما يجري وراء الكواليس، بخاصة وأن دولاً هددت بالانسحاب للالتزام مع الأعضاء بالاتفاق الأصلي.
وذكر الجلاد "أن تمويل الحروب الباهظة في المشرق والمغرب من أهم الأسباب القاهرة التي أثرت على هذه الدول وسيولتها ومديونياتها الداخلية والخارجية، إضافة إلى أن دخول ليبيا فجأة وبقوة في السوق تتبعها فنزويلا وإيران إذا ما اتفقت مع الولايات المتحدة، قد يحدث خللاً بسبب تدفق إنتاج جديد مع المعروض الحالي.
وفي شأن ذي صلة، يرى الجلاد كذلك أنه وبالنسبة لبقية العالم وبخاصة البلدان الاستراتيجية، وعلاوة عن التأثير السلبي للجائحة على مداخيلها، فإن لديها المرونة الاقتصادية والتقنية في تخطي الأزمة الحالية، إذ لديها من المقومات ما يكفي، غير أن كلفة الإغلاق وإفلاس كثير من شركاتها وزيادة مديونية الحكومات بسبب الإعانات التي تم تقديمها قد يسبب انكماشاً اقتصادياً، وبالتالي سيؤدي إلى خفض الطلب على النفط ومنتجاته، مما ينعكس سلباً على الأسعار.