تختلف تداعيات جائحة كورونا على الدول باختلاف سياساتها العامة ووضعياتها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية. ففي المغرب، كان للجائحة تأثير في مستويات عدة، إذ تسبّبت في انكماش الاقتصاد وتراجع النمو، وفقدان عدد كبير من المواطنين لوظائفهم عقب الإغلاق، مما حدا بهم إلى البحث عن سبل تحصيل الإعانات الحكومية، فضلاً عن أنها كشفت عن وجود ضعف وخلل في النظام الصحي.
ضرر اقتصادي
على الرغم من الإعلان عن استعداد المغرب لتنفيذ حملة تلقيح وشيكة ضد فيروس كوفيد-19، التي ينبغي أن تنتج انفراجاً اقتصادياً، إلا أن مراقبين أقرّوا بصعوبة الظروف الاقتصادية، إذ اعتبر المحلل السياسي المغربي بلال التليدي، أن "المملكة تعيش لحظة دقيقة، نظراً إلى وجود فرص وتحديات، وهامش الخطأ ليس مكلفاً فقط بل مدمّراً، وعدم استثمار الفرص يمكن أن يضيّع على البلاد سيناريو لن تحلم به في المستقبل"، مشيراً إلى أن التقارير الرسمية لبنك المغرب ووزارة المالية والمندوبية السامية للتخطيط، تشترك في التأكيد على "وجود ركود اقتصادي لم تعرفه المملكة منذ ثلاثة عقود، بسبب الجفاف والقيود التي فُرضت للحدّ من انتشار وباء كورونا".
وقال التليدي، "لا نريد استعادة مؤشرات هذه التقارير بخصوص نسبة تراجع الاقتصاد الوطني (5.2 في المئة)، وتضاؤل نسبة النمو (1.5 في المئة)، والنسبة الضخمة لفقدان الوظائف، (حوالى 726 ألف وظيفة)، فضلاً عن الصدمة العنيفة التي تعرّضت لها صناعة السيارات والطائرات، التي تشكّل نقطة القوة التي كان يراهن عليها المغرب في مراجعة نموذجه التنموي. فهذه الوضعية، على الرغم من كل الجهود التي تبذل من أجل إنعاش الاقتصاد، تبقى مقلقة ومفتوحة في الآن ذاته. لا مؤشرات مبشّرة حول إمكان الخروج لا من واقع الجفاف، ولا من تداعيات تباطؤ النشاط الاقتصادي بسبب كورونا، على الرغم من مبشرات التلقيح".
تحديات مقلقة
وأشار المحلل المغربي إلى أن القلق يأتي من تحديات ثلاثة، "الانعكاسات الاجتماعية الناتجة من فقدان العمل وتأثيرها في السلم الاجتماعي، وصعوبات تحقيق الانتعاش الاقتصادي بسبب تداعيات كورونا المستمرة وتحدي الجفاف وأزمة العطش التي يمكن أن تضرب بعض المناطق بسبب ندرة المياه"، معتبراً أن هذه "المؤشرات المقلقة لا تمنع صناع القرار السياسي من الحديث عن فرص وتكيّف الاقتصاد الوطني مع الجائحة". لكنه أضاف أنه "في ظل استمرار الجفاف وندرة المياه ومحدودية العرض الصناعي، يصعب الحديث عن قيمة مضافة، يمكن أن يتكيّف بها المغرب مع المحيط الدولي".
تداعيات اجتماعية
تضرّر عدد كبير من العاملين من توقّف الأنشطة الاقتصادية في المملكة جراء الإغلاق الذي فرضته الجائحة، مما حدا بالسلطات إلى تخصيص منح مالية تعويضاً عن انقطاعهم الاضطراري عن العمل.
وفي بداية ديسمبر (كانون الأول)، قرّر البنك الدولي منح المملكة تمويلاً بقيمة 400 مليون دولار، من أجل دعم نظام الحماية الاجتماعية. وأكد البنك أن "مشروع الاستجابة الطارئة للحماية الاجتماعية لمواجهة جائحة كورونا في المغرب، يهدف إلى مساندة الأسر الفقيرة والهشّة خلال الوباء، وتقوية قدرتها على الصمود في وجه الصدمات في المستقبل".
وكان المندوب السامي في التخطيط أحمد الحليمي، حذّر من أن الأزمة الحالية أبرزت ضرورة توفير المغرب نظاماً موسّعاً للحماية الاجتماعية، إثر فقدان الآلاف لإيراداتهم في غياب أي شبكة أمان.
جمود سياسي
وأشار التليدي إلى غياب مؤشرات الاطمئنان في المجال السياسي، قائلاً إن هذا الأخير يشهد "رتابة شديدة" و"مراهنة على الفراغ ليكون هو البديل المعتمد في فترة محفوفة بالمخاطر". وأضاف، "اليوم، لا أحد يتابع السياسة ولا أحد يأمل في ما يمكن أن يخرج منها غداً، ليس لأن الكل أصبح عدمياً، ولكن لأن الجميع يطمئن إلى أن جمود الحقل السياسي لا يمنع الدولة من الحفاظ على التوازنات، وعلى سير المرفق العام، بل، قد يحفّزها في أي لحظة على التحرّك لتوجيه مياه السياسة في الاتجاه الصحيح".
نظام صحي ضعيف
في غضون ذلك، كشفت الجائحة عن ضعف النظام الصحي المغربي بشكل جلي، وتحدّث الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، عن وجود أوجه عدة لقياس تأثير الجائحة في المنظومة الصحية، مؤكداً أن "التأثير المباشر، أي التأثير الميداني في المنظومة الصحية، أظهر ضعف الموارد البشرية من ناحية الأطباء والممرضين، مع وجود نحو 28 ألف طبيب في البلاد، بينما يعمل ما بين 10 و15 ألفاً آخرين خارج المغرب، فيما يحتاج البلد بحسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية إلى 32 ألف طبيب". وأضاف، "حاولنا كمهنيين مغاربة تعويض النقص خلال الجائحة بالتطوّع والعمل المضاعف والتضحية في إطار تظافر الجهود بين القطاعين الخاص والعام كي لا تنهار المنظومة الصحية".
وأشار حمضي إلى أن الجائحة كشفت كذلك عن ضعف البنية التحتية للقطاع الصحي، من حيث عدد الأسِرّة داخل المستشفيات، خصوصاً في غرف الإنعاش، وعدد أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من التجهيزات، على الرغم من تقدّم المملكة في مجال تجهيز أقسام الإنعاش على المستوى الأفريقي، لكن محدودية هذه المستلزمات خلال الجائحة تطلّبت توفير موازنة خاصة لاقتنائها، في حين ظلّ عدد أطباء الإنعاش قليلاً.
ضعف موازنة الصحة
وقال حمضي إن الجائحة أبرزت ضعف الموازنة المخصصة لوزارة الصحة، معتبراً أنها "ضعيفة بالمقارنة مع الموازنات العامة، وهي أقل من النسب المنصوح بها من قبل منظمة الصحة العالمية، ولذلك تم تحديد موازنة للوزارة للتعامل مع الجائحة مباشرة بعد قرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس بإنشاء صندوق كورونا".
وأضاف أن الجائحة أظهرت أيضاً "ضعف التغطية الصحية للمواطنين، إذ إن ثلث المغاربة فقط يتمتّعون بتغطية صحية حقيقية، والثلث الثاني منخرط في برنامج المساعدة الطبية 'الرميد' الذي لم ينجح في توجّهه، والثلث الثالث لا يملك أي تغطية صحية، ولهذا كان الحديث عن تكفّل الدولة بكل ما يرتبط بفيروس كورونا، في ظل غياب تغطية تسمح بتحمّل نفقات ومصاريف الجائحة".
تحديان مهمان
خلص حمضي إلى أن "المنظومة الصحية في المغرب واجهت خلال الجائحة تحدّيين كبيرين وخطيرين، وكان لا بدّ لها من أن تتبدّل لتواكب هذه التغيّرات، وهي التحوّل الديموغرافي الذي يعرفه المغرب، إذ يشكّل حالياً الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 60 سنةً نسبة 10 في المئة، وسترتفع هذه النسبة بنحو ثلاث مرات في أفق عام 2050، ما يطرح إشكالية كبيرة، كون المسنّين يتطلبون علاجات مختلفة ومكثفة وباهظة التكلفة. بالتالي، كلما ازداد المجتمع شيخوخة، كلما ارتفعت التكاليف الصحية، ما يطرح تحدياً كبيراً لتمويل العلاجات".
أما التحدي الثاني بحسب الباحث في السياسات والنظم الصحية، فمتعلّق بالانتشار الوبائي، إذ إن المغرب مثل باقي دول العالم انتقل من مكافحة الأمراض السارية التعفنية ذات العلاجات غير المكلفة، إلى الأمراض المزمنة التي تتسبّب بثلاثة أرباع الوفيات وذات العلاجات المكلفة جداً. ويأتي هذا التحوّل في وقت يستهلك ثلاثة في المئة من المؤمّنين بالتغطية الصحية أكثر من 50 في المئة من العلاجات الخاصة بالأمراض المزمنة، بالتالي فإن الجائحة أتت كتشخيص مبكر لما يمكن أن تقع فيه البلاد خلال الـ 20 أو 30 سنة المقبلة.
ضرورة تعديل النظام الصحي
بناءً على ما تقدّم، شدّد حمضي على "ضرورة إعادة النظر في المنظومة الصحية بشكل عام، فبدل انتظار إصابة الناس بالأمراض المزمنة ذات التكلفة المرتفعة مثلاً، ينبغي الاعتماد على طب العائلة والطب العام والتربية الصحية والوقاية والتشخيص المبكر، كما يجب تنظيم مسار العلاج، كون المغربي عندما يمرض لا يعرف إلى أي تخصّص طبي يجب أن يتّجه".