للعام الثاني في السودان، انطلقت الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة تحت عنوان "16 يوماً"، التي لم تكن ذات أهمية في البلاد في عهد الرئيس السابق عمر البشير، إذ أطلقتها وزيرة الرعاية الاجتماعية لينة الشيخ بصورة رسمية في عام 2019 بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
ونشطت الحملة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، نظراً إلى الظروف الصحية بسبب جائحة كورونا. ونُظِمت فعاليات ناقشت وضع المرأة السودانية، لم تقتصر على العاصمة الخرطوم وحسب، إذ أقامت منظمة "كنداكة للعون الإنساني" فعاليات في مدينة كادوقلي غرب لتبادل الأفكار وإيجاد جيل واعٍ بحقوقه، بحسب وكالة سونا الرسمية للأنباء.
وقالت وئام شوقي، المدافعة عن حقوق النوع لـ"اندبندنت عربية"، إن "التغيير الحقيقي لمحاربة العنف لن يحدث بمجرّد هاشتاغ، على الرغم من وجود مشاركة حكومية واضحة. إن لم يكن هناك تغيير حقيقي في القوانين وإدراج العنف المنزلي كجريمة جنائية، لن نستطيع حماية النساء والفتيات والأقليات النوعية من العنف. هناك تغيرات شكلية لها دلالات ولكن لا يمكن البدء بالدلالات من دون مخاطبة جـذور المشكلة كإضاءة الأهرامات. والزخم حول الحملة مركزي بحت ولم يتم تسليط الضوء الإعلامي على الولايات على الرغم من أن العنف هناك له أوجه مختلفة، خصوصاً أثناء فترة الحصاد، والعنف حالياً منذ بداية الفترة الانتقالية، تدفع ثمنه نساء وأطفال وأقليات نوعية. العنف المبني على النوع لا يُعالج بهاشتاغات، بل بقوانين تجرّم أفعالهم". وأضافت أن "العنف له أوجه متعددة ليس جسدياً فقط، بل يشمل أيضاً العنف النفسي والجنسي والعاطفي والإلكتروني، والأخير يتضمن خطاب الكراهية الذي يؤدي إلى الانتحار. يجب أن يكون هناك عمل مكثف من الناشطات والناشطين الحقوقيين لمناهضته وليس الاعتماد على الحكومات فقط".
لا لقهر النساء
المبادرات المناهضة للعنف ضد المرأة في حملة "16 يوماً" لم تطلق نداءات لوقف العنف ضد السودانيات فقط، بل انتقلت إلى وقف العنف ضد نساء العالم، بحسب رئيسة مبادرة "لا لقهر النساء" إحسان فقيري، التي دعت من خلالها إلى إطلاق سراح المعتقلات السياسيات في كل العالم. وقالت فقيري "أرسلنا مذكرة إلى وزيرة العدل لوضع قانون رادع للتحرش. أما على الصعيد العام، فأعلنّا تضامننا مع المعنفات خارج السودان، وأرسلنا مناشدة لكل منظمات حقوق الإنسان في العالم للتعامل بجدية مع طلبات اللجوء وحماية السيدات من الابتزاز".
مدلول ثقافي
وجاء ختام الحملة بإضاءة أهرامات البجراوية باللون البرتقالي، تعبيراً عن مناصرة قضايا المرأة السودانية وإدانة العنف ضدها.
وتمثل منطقة البجراوية إرثاً ثقافياً وحضارياً في السودان، حيث تشتمل على 57 هرماً وتُعتبر الحضارات هناك من تلك التي لعبت فيها المرأة السودانية دوراً عظيماً. وكانت حاكمة وقائدة ومسيطرة وصاحبة نفوذ وحكمت تلك المنطقة منذ ألفي عام.
في السياق ذاته، قال الأستاذ في قسم الآثار بجامعة الجزيرة الأمين إبراهيم حسن، "نحتاج إلى إعادة تعريف المصطلحات التي نقتبسها، ويتم تصنيفها على أنها عنف ضد المرأة وفقاً للثقافة السودانية والدينية، مع البحث عن أسباب تعرّض النساء له، لأن المرأة السودانية على مر التاريخ لم تتعرّض للتعنيف ولم تكن ذات مكانة أقل. كانت رائدة ولها دور فاعل طالما هي مؤهلة لممارسة أي سلطة وعلى أعلى المستويات".
وتابع "في الحضارة السودانية، كانت فترة حكم الكنداكات من أشهر الفترات، وشهدت ازدهاراً كبيراً في الفترة المرويّة، وهذا يدل على أن المرأة تاريخياً كانت ذات مكانة كبيرة وتصل إلى أعلى المستويات من دون اعتراض من الآخرين، والآخرين هنا هم الذكور". وأشار إلى أنه، "في مجتمعاتنا الحالية ما بعد انهيار الحضارات النوبية والكوشية وقيام الدولة السنارية، كان للمرأة دور فعال ومكانة مرموقة، وكان لهن دور بارز في القبيلة".
وأوضح حسن أنه "في الثقافة السودانية علو شأن المرأة من علو شأن القبيلة، والمجتمع الذي نشأت فيه. وهنا استخدام كلمة القبيلة لا يأتي في إطار العنصرية، بل هي ثقافة سودانية ولكل قبيلة عادات مختلفة. ولا يتجرّأ شخص في ثقافتنا على إهانة المرأة. والقيم التي جعلت المرأة على مر العصور رائدة ما زالت موجودة في الريف السوداني، إذ لم تتعرّض للاستلاب الثقافي".
وأردف "لمعرفة لماذا كانت المرأة رائدة سابقاً يجب أن نعود إلى الأرياف. سنجد قيم الماضي نفسها موجودة الآن، تُستثنى العاصمة الخرطوم من هذا، لأنها موبوءة بأفكار لا تمثّل المجتمع ولا العادات والتقاليد. وأعظم الصفات التي تُطلق على الرجل السوداني أن يقال عنه "مقنع الكاشفات"، وهو الرجل الذي يعزّ المرأة ويسمو من قدرها ويدافع عنها.
في النهاية، أشار أستاذ الآثار أنه "لا بد من إعادة تعريف كل المصطلحات التي تأتينا من الخارج، لأنها تعريفات فضفاضة تُصنّف الأشياء وفقاً لرؤية الجهات التي أطلقت الحملات من دون النظر إلى ثقافة البلاد. ومعظم مطلقي الحملات مثل العنف ضد المرأة ولا للتحرش وغيرها لا يعرفون القيم السودانية الجميلة. لا أنكر وجود عادات سيّئة، لذلك يجب أن نعرف الأسباب ونعالج جذورها من دون مهاجمة المجتمع والدخول في صدام معه".