دعا تحقيق حاسم في أكبر فضيحة من نوعها في تاريخ الخدمات الصحية، إلى ضرورة التعجيل في إصلاح أقسام الولادات التابعة لـ"الهيئة الوطنية للصحة" والقيام بما يلزم للحؤول دون تفشي الممارسات الخاطئة التي يمكن أن تعرض حياة الأمهات والرضع للخطر.
وتأتي هذه الدعوة على خلفية صدور أول تقرير رسمي للتحقيق المستقل الذي دقق في أكثر من 1860 شكوى عائلية ووجد أن العشرات من حالات الوفاة وقعت في مستشفى "شروزبري أند تيلفورد ترست" (Shrewsbury and Telford Hospital Trust) على مر العقود الماضية، ومردها بشكل أساسي إلى ميل الطاقم الطبي فيها إلى تلافي العمليات القيصرية وحرمان النساء من المعلومات الأساسية عن المخاطر التي يمكن أن يواجهنها أثناء الولادة.
وكانت الأمهات المرتقبات يتلقين أدوية وعقاقير تزيد من سرعة تقلصات المخاض ووتيرتها، مع تعريض الأطفال لخطر الموت أو الإصابة بتلف دائم في الدماغ. وفي ظل هذه الممارسة أيضاً، أجبر عدد لا يستهان به من النساء على خوض ولادات مؤلمة أدى "الإفراط في استعمال القوة" فيها إلى إصابة جماجم الأطفال وعظامهم بكسور.
إلى ذلك، حذر التحقيق، بقيادة القابلة القانونية دونا أوكيندن، من أنه ينبغي على المستشفيات الإصغاء للنساء والعمل بمشيئتهن سواء عند اتخاذهنّ قراراً بشأن رعاية الأمومة الخاصة بهنّ أو عند تعبيرهنّ عن مخاوفهنّ.
وهذا ما لم يكن يحصل في شروزبري، حيث كان الموظفون يعاملون الأمهات بالقليل من التعاطف والرحمة، ولا يتوانون عن تحميل بعض الأهل مسؤولية ما حصل ويحصل لأطفالهم. ولأن المستشفى لم تفتح يوماً تحقيقاً صارماً في حوادث الإهمال وسوء الرعاية، تكررت الأخطاء نفسها سنة بعد أخرى.
"هؤلاء الأشخاص مسؤولون عن وقوع خسائر في الأرواح. هؤلاء مسؤولون عن مآس كارثية، عن معاناة يعجز عنها الوصف ولا مكان لهم في الرعاية الصحية"، قالت ريانون ديفيز التي فقدت ابنتها الرضيعة كايت عام 2009 بعد سلسلة من الأخطاء وأمضت سنوات طويلة تكافح وتقاتل في سبيل دفع التحقيقات بملابسات واقعة الوفاة قدماً.
برأيها، "لم يعد هناك مجال للتساهل أو التهاون. لقد آن الأوان لإحداث تغيرات جذرية في قسم الولادات".
وكانت "الاندبندنت" أماطت اللثام العام الماضي عن مدى سوء خدمات الرعاية الصحية للمستشفى التي اعتبرتها "لجنة جودة الرعاية" (CQC) غير ملائمة وتخضع حالياً لتحقيق جنائي بسبب الوفيات النفاسية والإجراءات التي اتخذها مديرو المستشفى بشأنها.
ووفق أحدث التقارير، فإن المطلوب على الصعيد الوطني "ضروري وملح" لجعل وحدات التوليد أكثر أماناً: "نحن نؤمن بشدة أننا وقفنا على أهمية الحاجة إلى تغيرات هيكلية يمكن أن تحد من حالات الضرر التي تصيب الأمهات والرضع، لو طبقت على نطاق الدولة مع توصياتنا".
ورحبت كايلي غريفيث، والدة الطفلة بيبا التي توفيت عام 2016 بعدما عجزت القابلات القانونيات عن تشخيص التهاب مميت ألم بها، ترحيباً حاراً بتقرير "الاندبندنت" وقالت: "نحن اليوم في 2020، أي نوع من المستشفيات ذاك الذي يحتاج إلى تعليمات بشأن ما يجب أن تكون عليه معاملته الرحيمة والعطوفة للمرضى؟ يبدو لي أن هذا المستشفى يعمل بشكل منعزل ولا يأبه بمصلحة المرضى".
وأردفت السيدة غريفيث التي عملت هي نفسها في "الهيئة الوطنية للصحة"، أنها ترغب في تحسين الرقابة على أداء المستشفيات.
"من السهل الضحك على الناس واستغلالهم. ومن السهل أيضاً جعل الأمور تبدو أفضل مما هي عليه لبضع ساعات، لكن ليس هذا ما نحن بحاجة إليه. نريد مزيداً من أنظمة المراقبة المتينة. ولا أعلم كيف سمح لهذا أن يحدث ويستمر سنوات.
منذ التسريبات التي كشفت المستور في قضية شروزبري وأهالي الرضع المتوفين في تحرك دائم للإعراب عن مخاوفهم إزاء خدمة الرعاية التي تقدمها وحدات الولادة في مراكز طبية عدة، بينها: مستشفى "إيست كنت ترست" ((East Kent Hospital Trust الذي يخضع حالياً للمساءلة، ومستشفى "باسيلدون" (Basildon Hospital) في إيسيكس و"موركامب باي" (Morecambe Bay) في كمبريا الذي حُقّق فيه بحالات وفاة بين 2004 و2013. وفيما تحذر "لجنة جودة الرعاية" من ضرورة تحسين معايير السلامة في كل وحدة من أصل ثلاث، تواصل "لجنة اختيار الرعاية الصحية والاجتماعية" (HSCSC) بقيادة وزير الصحة السابق جيريمي هانت، تحقيقاتها الخاصة حول خدمات رعاية الولادة على نطاق بريطانيا.
بالنسبة إلى السيد هانت الذي تولى التحقيقات في شروزبري عام 2017: "ليس هناك ما هو أكثر قساوة في الحياة من خسارة طفل – لكن الخسارة نتيجة أخطاء طبية سُتّر عليها أكثر إيلاماً وقساوة".
"والأكثر ترويعاً في الحقيقة هو حجم الفضيحة وديمومتها. فنحن متأكدون الآن أنها تشكل نمطاً من المشاكل التي حدثت في مستشفيات أخرى، بما فيها "موركامب باي" و"إيست كنت" وأماكن أخرى محتملة على نطاق لم أتصوره عندما أمرت بإجراء تحقيق عام 2017".
"من غير المسموح نسيان هذا التقرير أو التغاضي عنه. نعم، وزراء اليوم منشغلون بكوفيد، لكن هذا لا يمنع من أن يكون هذا التقرير المنبه والمؤلم في طليعة أولويات مات هانكوك"(وزير الصحة)، على حد تعبير السيد هانت.
أشار التقرير إلى أنه ينبغي على المستشفيات التابعة لـ"الهيئة الوطنية للصحة" رص الصفوف والتعاون مع بعضها بعضاً للتعامل مع الحوادث الخطيرة ووفيات الأمهات والرضع وإصابات الدماغ، على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من الشبكات المحلية وأن تتولى المراكز الإقليمية مهمة تقديم مشورة الخبراء ومسؤوليتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف: "هذا أمر أساسي لضمان التطبيق الفعلي للتعلم الفاعل والتغيرات المؤثرة الرامية إلى تحسين سلامة المرضى في وحدات الولادة، باتّباع نهج على نطاق المنظومة وفي الوقت المناسب".
وورد في التقرير أيضاً أنه لا بد لكل مستشفى أن يفوض مديراً غير تنفيذي ليصغي إلى النساء في وحدات الولادات ويدعمهنّ؛ ولا بد لـ"لجنة جودة الرعاية" أن تقيّم الطريقة التي يصار فيها إلى الاستماع لآراء النساء أثناء تفتيشها للمستشفيات.
أطلقت "الاندبندنت"، مع مؤسسة "بايبي لايفلاين" (Baby Lifeline) الخيرية، حملة لإعادة إنشاء صندوق وطني للتدريب على سلامة الأمومة. وفي ضوء هذه الحملة، وعدت الحكومة بتخصيص مبلغ 9.4 مليون جنيه إسترليني لإقامة تدريبات جديدة في مجالات محددة.
يوم الخميس، صدر تقرير التحقيق موصياً بضرورة تحصين صناديق التدريب وحمايتها.
وإثره، أفادت جودي ليدجر، مؤسسة "بايبي لايفلاين" لــ "الاندبندنت" بأن النتائج لم تكن "فريدة"، "هي، كغيرها من مئات اطلعتُ عليها على امتداد مسيرتي في "بايبي لايفلاين"، تسلط الضوء على حاجة المهنيين لدينا إلى الدعم، لتقديم أفضل رعاية ممكنة للأمهات وحديثي الولادة".
تابعت قائلة: "لقد رفعت "بايبي لايفلاين" هذا العام وبالتعاون مع "الاندبندنت"، عريضة لإعادة إنشاء صندوق التدريب على سلامة الأمومة إلى مقر الحكومة في "داونينغ ستريت"– وقد وقعت على العريضة دونا أوكيندن نفسها، ناهيك عن ممثلين من "الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد" و"الكلية الملكية للقابلات القانونيات". على الرغم من ذلك، فشل استعراض الإنفاق في تخصيص المال الكافي لإقامة صندوق تدريب، غير متدارك لأهمية هذا الأمر كخطوة باتجاه تحسين سلامة الأمومة. وعليه، نأمل في أن يعاد النظر فيه".
أعربت دونا أوكيندن المسؤولة عن التحقيق، عن إيمانها الشديد بأن التوصيات التي صدرت عن التقرير ستسهم في تحسين مستوى الرعاية في أنحاء إنجلترا "وستمنع تكرار التجارب التي وصفتها لنا النساء والعائلات في أماكن أخرى".
وأوضحت أن الإجراءات المذكورة في تقريرها "إلزامية ولا بد من تنفيذها على وجه السرعة"، لتعود بعدها وتثني على المجهود الذي بذلته العائلات المفجوعة في سبيل المضي قدماً في التحقيق، قائلة: "لا بد لهذا الأمر أن يشمل العديد من الأسر التي حاولت التعبير عن قلقها إزاء خدمات الرعاية في وحدة الولادات ولم تلقَ آذاناً صاغية".
في البداية، اقتصر نطاق التحقيق على 23 قضية سوء رعاية، لكنه ما لبث أن اتسع عام 2018 بعدما كشف النقاب عن عشرات الحالات الإضافية، مع التوقعات بصدور تقرير نهائي كامل بشأنها في 2021.
بحسب نادين دوريس، وزيرة الدولة لشؤون سلامة المرضى، ستضع الحكومة يدها بيد "الهيئة الوطنية للصحة" في إنجلترا وستنظران معاً في الخطوات المقبلة: "هذه الحكومة ملتزمة إلتزاماً تاماً بسلامة المرضى وحريصة على اجتثاث الأضرار التي يمكن تفاديها وجعل "الهيئة الوطنية للصحة" المكان الأكثر أماناً في العالم للإنجاب".
لويز بارنيت، الرئيسة التنفيذية لمستشفى "شروزبري أند تيلفورد ترست" صرحت: "أقول لكم إننا آسفون جداً على كم الألم والمعاناة الذي أصاب الأمهات وعائلاتهنّ بسبب سوء خدمات الرعاية في وحدة الولادات في مستشفانا".
"ونحن ملتزمون بتنفيذ كل الإجراءات الوارد ذكرها في هذا التقرير وأستطيع التأكيد للنساء والعائلات التي تستعين بخدماتنا أن مخاوفها ستلقى آذاناً صاغية وستتخذ الإجراءات الملائمة لتبديدها".
"ولو كنت اليوم حاملاً ولديك أسئلة عن الترتيبات الحالية المتعلقة برعايتك، لا تترددي بالاتصال بالقابلة القانونية الخاصة بك".
© The Independent