يروي طارق، وهو من قرية صغيرة قرب نابلس في شمال الضفة الغربية، كيف أنه لا يجد قريته على خرائط غوغل، عندما يبحث عنها ليحدد موقعها، إلا بعد تكبير الخريطة والاقتراب أكثر من المكان الذي يجب أن توجد فيه، حتى إنه لا يجد طريقاً يسلكها عندما يريد السفر من مدينة أخرى إلى قريته، وإن كانت هناك طريق فهي عبر شارع يمر من مستوطنة إسرائيلية أو يؤدي إليها، وهذا يعني أنه يخضع للسيطرة الإسرائيلية التامة، وفيه نقاط تفتيش وحواجز غير مسموح للفلسطينيين استخدامها، وهذا ما قد يعرض حياته للخطر.
بالنسبة إلى طارق، فإن خدمة الخرائط المقدمة من الشركة العالمية غوغل تعطي المستوطنين والمواطنين الإسرائيليين الأحقية في حرية الحركة وتبني خرائطها على أساس ذلك، في حين لا تأخذ في الاعتبار الحق نفسه لساكني الضفة الغربية من الفلسطينيين، وهذا لا يخلو من تهميش لهم ومخالفة للاتفاقيات الدولية.
كيف يخالف الاتفاقيات الدولية؟
قبل عام 2012، لم تكن الأمم المتحدة تعترف بوجود دولة اسمها فلسطين، لذلك كانت التسميات تقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، تحقق الاعتراف بفلسطين دولةً على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وانضمامها "دولة مراقب غير عضو"، وهذا مبني على فكرة حل الدولتين.
يرى نشطاء قانونيون أن ما يحدث في مناطق الضفة الغربية مخالف للقوانين والمواثيق الدولية، فالقانون الدولي لا يشرعن المستوطنات الإسرائيلية فيها، لأنها تخالف ما ورد في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص في أحد بنودها على أنه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها"، إضافة إلى البند الرقم ٥٥ من أنظمة لاهاي الذي ينص على أن " الدولة المحتلة تعتبر بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل، وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معاملة الأملاك الخاصة".
واعتراف خرائط غوغل بالمستوطنات، وإظهارها بوضوح وجعل نظامها يعمل بحسب الطرق التي يسلكها سكانها، هو مخالفة واضحة للمواثيق الدولية، التي كان من ضمنها أيضاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم "181" المتعلق بتقسيم فلسطين عام 1947 والذي يعتبر القدس منطقة ذات سيادة دولية وليست عاصمة لإسرائيل كما تظهرها الخرائط.
الطريق عبر المستوطنات
تقول راما إنها حاولت استخدام خرائط غوغل للمرة الاولى عندما قررت الذهاب من رام الله إلى مدينة بيت لحم بسيارتها، ولكن المفاجأة كانت أن الطريق المقترح يمر عبر حاجز قلنديا ومدينة القدس، ثم من بوابة دمشق في القدس، وأخيراً بيت لحم، ولأنها من حملة هوية الضفة الغربية فلا تستطيع سلوك هذه الطريق، وتالياً قد يكون هذا المقترح خطراً عليها إذا ما حاولت تنفيذه.
عريضة الكترونية
يقول نديم ناشف المدير التّنفيذيّ لمركز "حملة" المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ إنهم عملوا على دراسة الخرائط من أجل فهم الآلية التي تتعامل بها الشركة مع قضية القدس والضفة في ظل القوانين والمواثيق الدولية، وجرت مراسلة الشركة أكثر من مرة لكن من دون رد. ويتابع أن ما توصلوا إليه في دراستهم البحثية هو أن غوغل لا تدرج فلسطين في خرائطها ولا تظهر البلدات والمدن والقرى الفلسطينية بالوضوح ذاته الذي تظهر فيه المستوطنات والمدن الإسرائيلية، إضافة إلى أن الخرائط لا تعترف بمعظم القرى في منطقة غور الأردن، التي لا تعترف بها إسرائيل أيضاً.
أما الأمر الآخر الذي أشار إليه نديم فهو الملاحة باستخدام غوغل، إذ إن الخرائط تفترض أنك مستوطن وتقترح عليك طرق المستوطنين من دون الأخذ في الاعتبار احتمال تعرض الفلسطينيين لإطلاق النار أو الاعتقال لسلوكهم طرقاً ليست لهم.
إطلاق عريضة للضغط على إسرائيل
كل هذه الأمور دفعت مركز حملة إلى إطلاق عريضة للتوقيع من مختلف دول العالم، في محاولة للضغط على غوغل، إضافة إلى إرسال ما يقارب 15 بريداً الكترونياً للشركة يتضمن مطالبة بتغيير السياسات وتوضيح سبب عدم التسمية، لكن الشركة حتى الآن لم ترد بالسلب أو الإيجاب.
أما عن المطالب الرئيسة لهذه الحملة الضاغطة فتمثلت في طلب توفير المعلومات نفسها في ما يخص المناطق الفلسطينية كما هي متوفرة للمستوطنات، والتزام الاتفاقيات الدولية التي تشير إلى أن المستوطنات غير شرعية، ووضع علامات واضحة تظهر التقسيمات الإدارية (أ، ب، ج) التي نتجت عن اتفاقية أوسلو عام 1993، مع إظهار المناطق التي يمنع على الفلسطينيين دخولها كمداخل المستوطنات والحواجز الإسرائيلية والطرق المخصصة لحملة الهوية الإسرائيلية من أجل تجنيبهم الخطر، إضافة إلى إظهار اسم فلسطين على الخرائط استناداً إلى إعلان الأمم المتحدة عام 2012، وعدم اعتبار القدس كاملة عاصمة لإسرائيل كما جاء في إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 6 ديسمبر (كانون الأول) عام 2017.
هاشتاغ googlemappalestine#
من ضمن حملة الضغط السابقة الذكر، أطلقت مجموعة من النشطاء هاشتاغ googlemappalestine# على موقعي فيسبوك وتويتر باللغتين العربية والانجليزية لتوجيه رسائل من دول عدة في العالم للضغط على شركة غوغل من أجل تعديل سياساتها حيال الفلسطينيين والاتفاقيات الدولية.
ائتلاف دولي
ويسعى مركز "حملة" الآن لتشكيل ائتلاف من مؤسسات تعمل على الصعيد الدولي، وأخرى في المجتمع المدني للضغط على الشركة لفتح حوار في الأقل، إضافة إلى التعاون مع وزارة الخارجية الفلسطينية لمتابعة هذا الأمر على الصعيد الدولي الرسمي.