شهدت الفترة الماضية عروض مسلسلات عربية غير تقليدية عبر شاشات الفضائيات والمنصات الإلكترونية أيضاً. فبعيداً عن الأفكار التي بدا بعضها صادماً، وبعضها جريئاً، شكلت تلك الأعمال عودة أسلوب كان ينادي به كثيرون، وهو تقديم مسلسلات قصيرة، عن طريق قصص يتم تناولها في عدد حلقات محدود بدلاً من التقيد بأسطورة الـ"30 حلقة" التي ارتبطت بداية بعادة العرض الرمضاني، ثم سيطرت على المسلسلات التي تعرض في أي موسم خارجه، وهو تقليد يواجه دوماً بانتقادات بسبب اضطرار صناع المسلسلات في أغلب الأوقات اللجوء إلى التطويل وحشو أحداث ليست ذات قيمة من أجل الوصول إلى هذا العدد من الحلقات، حتى لو لم تكن القصة تتحمل.
تراجع المسلسلات الطويلة
فبعدما كانت مسلسلات الـ45 حلقة أو الــ60 حلقة موضة رائجة خلال السنوات القليلة الماضية، تراجعت تلك النوعية تدريجياً، وبدأت تحل مكانها المسلسلات القصيرة التي تكون أحداثها أكثر كثافة، وتلائم تطور الدراما عالمياً. وقد يكون انتشار منصات العرض عبر الإنترنت هو ما شجع صناع الأعمال الفنية التلفزيونية على تغيير الخطط وفقاً لمتطلبات سوق المشاهدة، خصوصاً بعد أن أصبحت المنافسة شرسة مع منصات العرض العالمية مثل "نتفليكس"، التي تمتلك مكتبة فنية ضخمة، فتزايد تطلع المشاهد إلى متابعة أعمال على وتيرة مشابهة. وهو ما جعل "نتفليكس" تدخل معترك إنتاج الدراما العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلق بالأعمال التلفزيونية القصيرة التي عرضت أخيراً فإن بعضها متواضع، وبعضها نال إعجاب الجمهور وتصدر الترند، خصوصاً القصص المنفصلة التي يحمل كل منها عنواناً مختلفاً، ولكنها تجتمع تحت إطار عام يحمل عنواناً عريضاً، وبينها "إلا أنا" و"نمرة اتنين". وهي حكايات ذكرت الجمهور بالمسلسلات المصرية القديمة التي قدمت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وقد يكون "اللقاء الثاني" عام 1988 لمحمود ياسين وبوسي من أبرزها، إذ قدم حكايات اجتماعية منفصلة، وحقق انتشاراً واسعاً، وما زالت إعادة عرضه تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة، والحال نفسها بالنسبة إلى "هو وهي" لسعاد حسني وأحمد زكي عام 1985. وفي سنوات أحدث كانت هناك تجارب أخرى، مثل "غاضبون وغاضبات" لشيرين سيف النصر وشريف منير، و"حكايت زوج معاصر" لأشرف عبد الباقي، وتجارب أخرى على مدار سنوات قليلة مضت، إذ كانت الحكايات تحت ظل بطل أو بطلين ثابتين، ولكن تتغير القصة كل حلقة أو أكثر، لكن ما يميز التجارب التي عرضت هذا الموسم، هو أن الأبطال نفسهم يتغيرون، وكذلك فريق الكتابة والإخراج، ما يجعل كل حكاية بمثابة تجربة منفصلة ومشروع مستقل بحد ذاته، حتى لو كان هناك إطار عام يجمعها.
فمثلاً مسلسل "نمرة اتنين" يتغير الأبطال في الحلقات، وكل حلقة عبارة عن حكاية مكتملة وكأنها فيلم مختصر. وقد أثنى مشاهدون ونقاد على مستوى العمل، واعتبره متابعون نقلة في عالم المسلسلات العربية. ومن بين أبرز أبطاله آسر ياسين ونيللي كريم ومنة شلبي وعمرو يوسف وشيرين رضا وماجد الكدواني، وغيرهم. وقد عرض على منصة شاهد vip التي باتت تقدم كثيراً من التجارب غير التقليدية، ومنها مسلسل "كل أسبوع يوم جمعة"، الذي تألف من عشر حلقات وحقق شعبية واسعة.
المنصات الإلكترونية تساهم في تطوير الدراما
تصدرت حكايات مسلسل "إلا أنا" الذي عرض عبر شاشة dmc ومنصة WATCH iT مؤشرات البحث على مدار الأسابيع الماضية، وهو عبارة عن 6 حكايات مدة كل منها 10 حلقات، وكل قصة مع أبطال مختلفين، بالتالي يمكن التعامل مع كل منها على أنها مسلسل مستقل. وهو عمل يشبه في أجوائه الاجتماعية مسلسل "نصيبي وقسمتك" الذي قدم على مدار أكثر من موسم أيضاً، وكتبه المؤلف عمرو محمود ياسين، ولكن ما يميز تجربة "إلا أنا" هو أن فريق الكتابة والإخراج يتغير مع كل حكاية، كما أنها تأتي وسط سيطرة تلك النوعية من الأعمال على منصات عدة. وقد تزامن ذلك مع انطلاق الدراما المصرية على منصة "نتفليكس" بمسلسل قصير (6 حلقات فقط)، هو "ما وراء الطبيعة". وحملت حكايات "إلا أنا" طابعاً نسائياً شاعرياً ومعاصراً في أوقات كثيرة. وتلقى الجمهور باهتمام عبر مواقع التواصل الاجتماعي حكايات مثل "ضي القمر" لكندة علوش، و"ربع قيراط" لريهام عبد الغفور، و"لازم أعيش" لجميلة عوض.
مخرجة "لازم أعيش": أطمح لتقديم مسلسلات من 3 حلقات فقط
حققت جميلة عوض نجاحاً خاصاً، إذ حمل موضوعها جديداً في الدراما العربية. فالبطلة فتاة مصابة بمرض البهاق تحاول استعادة ثقتها بنفسها بعد ما تتعرض للتنمر من بعض المقربين منها، وتتجاوز أزمتها بمساعدة المتفهمين ممن حولها (كتابة نجلاء الحديني، وإخراج مريم أحمدي).
وتعتبر أحمدي أن العرض على المنصات أسهم في التطرق لموضوعات غير تقليدية في المسلسلات التلفزيونية. وتكشف عن أن قصة "لازم أعيش" شجعتها وعملت عليها قبل التصوير لمدة خمسة أشهر. وقالت "عرض عليّ في البداية إخراج حكاية أخرى ضمن قصص المسلسل، لكنني اخترت (لازم أعيش) وعشت تفاصيلها واخترت جميع الأبطال كما ظهروا على الشاشة من دون تبديل، وأنا سعيدة بفكرة المسلسلات القصيرة، إذ يتسنى لنا كمخرجين وكصناع بذل مجهود فني أكبر وتقديم المحتوى بمستوى نكون راضين عنه بصورة أكبر، على العكس من إرهاق الـ30 حلقة، إذ يتحول الأمر بسبب ضغط الوقت إلى صراع ومجهود بدني كبير، ولكن مجهود فني أقل".
وتلفت أحمدي إلى أنها منذ سنوات طويلة تسعى لتقديم تجارب قصيرة، ولكنها لم تكن تجد ترحيباً من المنتجين، وبالتالي فهي سعيدة جداً بهذا التطور، وتضيف "أتمنى أن نقدم تجارب ممثالة لنظيرتها العالمية، من خلال تقديم مسلسلات في خمس حلقات أو ثلاث فقط، والمنصات الإلكترونية ستكون سبباً لانتشار تجارب كثيرة من هذا النوع".