بينما يوسع الجيش سلطاته في مالي، تتلاشى الآمال بأن يعيد الجنود الذين يقفون وراء الانقلاب الحكم سريعاً للمدنيين، وبأن يتعاملوا مع ملفي التطرف والعنف العرقي.
وأشاد كثيرون في البلد الشاسع الواقع في منطقة الساحل بانقلاب 18 أغسطس (آب) الماضي، الذي رأوا فيه خطوة باتجاه "مالي جديدة"، على أمل أن تكون دولة أقوى وأكثر استقراراً، بمؤسسات أقدر على مواجهة مشاكل البلاد العديدة.
الشك في نيات الانقلابيين
وأطاح ضباط شباب الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، بعد أسابيع من التظاهرات التي أثارتها بدرجة كبيرة إخفاقات حكومته في التصدي للتمرد والفساد المستشري.
وعلى وقع التهديدات بفرض عقوبات دولية، سلّم العسكريون السلطة لحكومة انتقالية، يفترض أن تتولى زمام الحكم لمدة تصل إلى 18 شهراً قبل إجراء انتخابات.
لكن الاستياء يزداد جراء بطء وتيرة الإصلاحات، ويغذيه الغضب حيال هيمنة شخصيات مرتبطة بالجيش على الهيئة.
ونددت أحزاب سياسية، (سرعان ما استثنيت من عملية صنع القرار)، بالإجماع تقريباً بأساليب الجيش.
وقال الخبير في القانون العام والحوكمة بوبكر دياوارا "قد يبدو أن ما حصل كان مناورة".
وتابع أن مالي "بلد هش مبني وكأنه بيت من ورق. كان لدى العسكريين إمكان توطيد الدعائم، لكنهم لم يقوموا بذلك".
ولا تزال المحسوبية والتقاعس يتسيدان المشهد. في الأثناء، تغص المستشفيات بمرضى كوفيد-19، بينما يتفاقم الشعور بعدم الرضا في وقت بدأ عديد من الموظفين الحكوميين إضراباً مفتوحاً.
وبينما تراجع عدد هجمات المتطرفين الإسلاميين، إلا أنه لا يوجد أي رابط واضح بين ذلك والتغييرات السياسية في باماكو، العاصمة الواقعة في جنوب البلاد والبعيدة جغرافياً عن الأراضي حيث ينشط الإسلاميون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اسمان للمخرج بوبكر سيديبي!
وأثار تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، المصمم للحلول محل البرلمان في الفترة الانتقالية، الجدل الأخير.
ولا تزال المعايير التي بني عليها تعيين أعضاء المجلس الـ121، والهويات الحقيقية لبعض من تمت تسميتهم غير واضحة. حتى أن البعض منح مقاعد من دون أن يكونوا أظهروا أي اهتمام سابق بالأمر، على غرار ما حصل مع المخرج بوبكر سيديبي.
كان سيديبي مرشحاً للمجلس الوطني الانتقالي، وقُبل ووضع اسمه في ملف مع تاريخ ميلاده ومهنته. لكن عندما جلس في مقعده في جلسة افتتاح المجلس، قدِم إليه رجل يحمل الاسم ذاته فعرّف بنفسه، وأوضح أن المقعد 101 محجوز ضمن "حصة العسكريين". وطلب من سيديبي المغادرة.
وقال مدير التدريب السابق في "مدرسة الإدارة الوطنية" التي خرّجت أبرز موظفي الخدمة المدنية عبد الرحمن بن ماماتا توري "نجلب إلى الطاولة المخالفات الإجرائية ذاتها التي نددنا بها في الماضي". وأضاف "حكمنا مسبقاً بالفشل على الإصلاحات التي نرغب بتطبيقها. المبدأ الأساسي هو الثقة، وها قد قوضناه بالفعل".
توزيع المناصب
بات لدى الجيش الآن نظرياً اليد العليا على المؤسسات الانتقالية.
ومن بين قادة الانقلاب، حصل الكولونيل عصيمي غويتا على منصب مصمم بصفة خاصة له، كالنائب النافذ لرئيس الحكومة الانتقالية، بينما تمت ترقية الكولونيل مالك دياو إلى منصب رئيس المجلس الوطني الانتقالي. وأما الكولونيل ساديو كامارا والكولونيل إسماعيل واغو، فتم تسليمهما على التوالي وزارتي الدفاع والمصالحة الإستراتيجيتين.
وبات 13 من حكام مناطق مالي العشرين جنوداً بعد سلسلة تعيينات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويذكر أن رئيس مالي الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار أواني، مدنيان، لكن عندما اختفى الرئيس لأيام أخيراً، سرت تكهنات بأنه لربما تمت تنحيته أو استقال.
وقال خبير الحوكمة دياوارا "بات غويتا الآمر الناهي. تقتصر مهمة باه نداو على توقيع المراسيم لا أكثر".
موقف براغماتي
من جهته، صرح وزير العدل السابق مامادو إسماعيل كوناتي، بأن على الأشخاص الذين يحتجون على عسكرة النظام "ألا يلوموا إلا أنفسهم".
وقال "تركنا عصيمي غيوتا يختار الرئيس ورئيس الوزراء وثلاثة أرباع أعضاء الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي بأكمله تقريباً".
وتابع "حتى الملكة إليزابيث والبابا (فرنسيس) غير قادرَين على تعيين هذا العدد من شخصيات الدولة".
لكن دبلوماسياً غربياً أشار إلى أن "الأشخاص الذين يدينون العسكرة المبالغ فيها، ينسون بأن الانتقال كان عسكرياً منذ البداية، ولم يزعج الأمر كثيراً من الناس حينها". وباستثناء الولايات المتحدة، التي علقت جميع المساعدات العسكرية للفترة الانتقالية، تعامل شركاء مالي الأجانب مع الوضع بدبلوماسية، إذ شدد عديد منهم على البراغماتية.
وقال أحد الدبلوماسيين "هناك إمكانات للإصلاح، فليتم استغلالها!".