عقد اتحاد الناشرين العرب مؤتمره السنوي الخامس، افتراضياً، تحت عنوان "صناعة المحتوى والتحديات"، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألسكو)، وتناقش منظموه لثلاثة أيام أعقبت ختامه في توصياته قبل إصدارها رسمياً.
وأوصى المشاركون في المؤتمر، في بيان صدر أمس، بالعمل من أجل إنشاء منصة عربية عالمية موحدة، وحث المشرعون على تطوير قوانين النشر، ومنها قوانين المحتوى الإلكتروني، مع ضرورة المحافظة على حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والناشر، وإنشاء شركات توزيع بمساهمة مباشرة من الناشرين والعاملين في المشهد الثقافي، واعتماد آلية التوسع الأفقي لتوفير أكبر عدد ممكن من نقاط التوزيع والبيع المباشر في الدول العربية، سعياً لبناء منظومة متكاملة للتوزيع عربياً.
وتضمنت التوصيات مطالبة الحكومات العربية بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية التي تسمح للدول العربية بحجب المواقع المقرصنة التي تعرض الكتب بنظام (PDF)، والقيام بحملة واسعة تستهدف الجهات الرسمية والخاصة، لا سيما وزارات الثقافة العربية، من أجل دعم الكتاب ودور النشر العربية المتعثرة بسبب تداعيات الجائحة التي ألقت بثقل كبير على كاهل الناشرين، وأدت إلى تراجع مبيعات الكتب بشكل هائل، ودعوة تلك الجهات إلى تعزيز حملة دعم الناشرين بشكل متواصل للتخفيف من آثار الجائحة التي باتت تهدد مصير كثير من دور النشر، إما بالتوقف عن النشر المؤقت أو بالإغلاق النهائي.
وأوصى المؤتمر بالبحث في إطلاق مبادرة (الإدارة الجماعية) للاستفادة من الخبرات والمبادرات العربية والغربية على حد سواء، وإنشاء (مؤشر النشر في الوطن العربي)، ودعم موضوع الإحصائيات والبيانات، وتكليف مؤسسات حكومية أو شبه حكومية لرصد وجمع البيانات الإحصائية التي يمكن توظيفها في إعداد الدراسات حول صناعة النشر.
خمسة محاور
في الجلسة الافتتاحية تحدث وزير الثقافة التونسي الأسبق محمد زين العابدين، عن أهمية النشر ودوره في هذه المرحلة الفاصلة، وقدمت الشيخة بدور القاسمي نائب رئيس اتحاد الناشرين الدوليين التي وقع عليها الاختيار لتترأس الاتحاد نفسه بدءاً من عام 2021، رسالة طمأنت فيها المشاركين، بأن الواقع مبشر على الرغم من الصعاب، وأن صناعة النشر العربية تتطور، بينما تحدثت الدكتورة حياة القرمازي من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، حول واقع تطور صناعة النشر العربية ورؤيتها الساعية لتطوير هذا القطاع.
وتضمن المؤتمر، بعد جلسته الافتتاحية، خمس جلسات، تناولت خمسة محاور، ركز أولها، على تعريف المحتوى وأهميته وفوائده وأنواعه، ومنها الرقمي والورقي والصوتي، بينما ركز المحور الثاني، على أثر القرصنة في صناعة المحتوى، واستعرض المحور الثالث، مجموعة من التجارب العربية، وناقش المحور الرابع، موضوع تسويق المحتوى في ظل الأزمات الحالية، وتناول المحور الخامس، التحديات التي يواجهها المحتوى.
وفي هذا السياق، بينت المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لمنصة "أبجد" المتخصصة في المحتوى الرقمي إيمان حيلوز، أن الاتجاه للنشر الرقمي يحارب القرصنة، ويمكن من الوصول لغالبية الفئات، وخصوصاً الشباب، وما يستتبع ذلك من زيادة في المبيعات وتحقيق عائدات مالية تساعد دور النشر على التطوير.
ودعت حيلوز لإطلاق منصات عربية للنشر الرقمي، في ضوء أن جمهور الكتاب العربي واسع، مشيرة في هذا الصدد إلى أن هناك أكثر من 180 مليون عربي، يستخدمون الأجهزة الوسيطة للوصول لمثل هذه المنصات.
من جانبه أكد المدير التجاري لـ"كتاب صوتي" ومدير النشر في "ستوريتيل" المنطقة العربية حسام القماطي، زيادة الإقبال على المحتوى الصوتي في الفترة الأخيرة ليتجاوز 6 في المئة عن السابق، وهي نسبة عالية، في تقديره.
وقال، إن المحتوى الصوتي يمكن الاستفادة منه، لأن الطلب عليه كبير لوجود مستهلكين له يتزايدون باستمرار، ولفت إلى ارتفاع الطلب في الفترة الأخيرة على الكتب الصوتية في الوطن العربي، مبيناً أن منتجي النشر الصوتي يسعون لإقناع الناشرين بهذه التجربة، عبر التعاقد مع شركات معنية وإيجاد القارئ المناسب استعداداً للتغيير، خصوصاً وأن عام 2020 شكل أكبر دليل على ضرورة التغيير و"الأرقام في تزايد، ولا بد من التركيز عليها على المدى الطويل، والإبلاغ عن قنوات القرصنة عبر الناشرين".
قلب الصناعات الثقافية
وشدد رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين السابق فتحي البس، على أهمية صناعة النشر باعتبارها قلب الصناعات الثقافية ورافعتها ومادتها الخام، وأنها أحد أعمدة التنمية البشرية المستدامة.
وكشف رئيس اتحاد الناشرين السوريين، رئيس لجنة التطوير المهني في الاتحاد، هيثم الحافظ أنه "في القرن الماضي كنا نقول إننا نعيش في عصر السرعة، لكن هذه السرعة تضاعفت بشكل مذهل، وبتنا جميعاً في سباق مستمر مع الزمن، لذا علينا أن ننطلق نحو تطوير صناعة النشر في الوطن العربي، ورؤيتنا تكمن في تطوير التسويق لا سيما وأننا اليوم أمام عالم افتراضي في حاجة إلى رؤية جديدة".
وقال رئيس "الملتقى الإعلامي العربي"، الصحافي الكويتي ماضي الخميسي، إن من أسباب تعثر دور النشر، ضعف التسويق الذي "بات هماً يطارد الناشر منذ زمن، وإن كان الكتاب الجيد يسوق نفسه، لكن الابتكار في التسويق واستغلال التكنولوجيا بات مطلوباً".
وتحدث الخبير الإعلامي في التسويق الإلكتروني وتسويق المحتوى عمار محمد مبيناً "أن دور النشر عليها أن تعمل لتحقيق الانتشار من خلال الخبراء"، مشيراً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تؤثر على عملية نشر الكتب، وهناك اليوم أكثر من 1000 منصة نشر حول العالم، ولا بد من أن نحسن اختيار المنصات، خصوصاً أن نحو 80 في المئة من الأفراد باتوا يتواجدون على المنصات المختلفة"، داعياً دور النشر لاحتضان الجيل الجديد.
مدير النشر في شركة "العبيكان" محمد الفريح رأى أن الأزمة تمثل نمطاً معيناً من المشكلات والمواقف التي يتعرض لها الفرد أو الجماعة، معتبراً أن الأزمات تصنع الفرص.
وأشار إلى أن الأزمات التي يعانيها الناشرون حالياً، ليست فقط وليدة الجائحة، فهناك كوارث وحروب وغلق أسواق وارتفاع أسعار، و"المحتوى الرديء غير المطلوب، أو الذي تكون كلفته عالية، أو لا يمكن تطويره، لذا لا بد للمحتوى أن يكون في متناول الجميع وفي الوقت المناسب، وأن يكون مفيداً وذا صلة بالمجتمع". واعتبر أن التسويق في الأزمات يستهدف جمهوراً أكبر، ويؤمن دخلاً جديداً ويوفر الوقت والمال عبر اكتشاف فرص جديدة.
مكانة الكتاب الورقي
الجلسة الأخيرة، أدارها مدير معرض الكويت الدولي للكتاب سعد العنزي، وتحدث خلالها أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية السفير محمد ربيع، عن أن الكتاب الورقي ما يزال محافظاً على مكانته على الرغم من التحديات، "لكننا أمام تحديات تفرضها الجائحة، إضافة إلى التحديات الرقمية، مما يتطلب منا التعاون والتعاضد لإيجاد الحلول".
وبيّن أنه من الأفضل إيجاد وسيلة مشتركة بين الأساليب التقليدية والتقنيات الحديثة، ووضع إستراتيجيات واضحة وتطوير الإدارة، باعتبارها الأداة المهمة للأعمال الناجحة.
وفي كلمة ختامية أشار مدير "المحتوى العربي" في "فيسبوك"، محمد عمر إلى أهمية المنصات الإلكترونية، على الرغم من انتشار كمية كبيرة من الأخبار الكاذبة فيها، مبيناً أن الأولويات يجب أن تصب في التركيز على المعلومات الموثقة، وتطوير آليات كشف المعلومات المغلوطة والحد منها، وإطلاق مركز معلومات خاص بفيروس كورونا للأخبار والنصائح من مصدر موثوق، وهو منظمة الصحة العالمية، وإرشاد نحو ملياري إنسان بالتنسيق مع المنظمة نفسها.
وعقب انتهاء الجلسات ألقى أمين عام اتحاد الناشرين العرب بشار شبارو، كلمة شكر فيها جميع المشاركين والمحاضرين على جهودهم لإنجاح المؤتمر، مستذكراً فضل المؤسسين الأوائل للاتحاد، وأعلن أن أكثر من 500 شخص سجل في هذا المؤتمر.
ثم تحدث رئيس الاتحاد الناشر محمد رشاد مثمناً جهود اللجنة المنظمة التي عملت أكثر من أربعة أشهر متواصلة، واصلت فيها الليل بالنهار للوصول إلى هذه المرحلة، مما أدى لنجاح المؤتمر بشهادة من حضر، مؤكداً حرص الاتحاد على تطوير عمله دائماً، وتحقيق توصياته، بما يعود بالفائدة على عالم النشر.
سوق النشر الإلكتروني
وبحسب كلمة محمد رشاد في الجلسة الافتتاحية، فإن هذا المؤتمر الذي عقد افتراضياً بسبب انتشار فيروس كورونا، يعد امتداداً للمؤتمرات الأربعة التي سبقته وعقدت في ظروف طبيعية، وكان أولها بعنوان "مستقبل صناعة النشر في العالم العربي"، وعُقِد في الرياض في خريف 2009، واستضافت الإسكندرية المؤتمر الثاني بعنوان "تمكين المعرفة وتحديات النشر العربي" في مارس (آذار) 2013، فيما عُقِد المؤتمر الثالث في الشارقة في نوفمبر (تشرين ثاني) 2015 بعنوان "صناعة النشر: آفاق وتحديات العصر الرقمي"، والمؤتمر الرابع أقيم في تونس تحت عنوان "الكتب والنشر في الوطن العربي: الواقع والآفاق" في بداية عام 2018.
وأكد أن جائحة كورونا تسببت في إلحاق ضرر بالغ باقتصاديات عدد كبير من الدول، وأثرت سلباً على صناعة النشر، وإن كانت أثرت إيجابياً على توزيع الكتاب عبر المنصات التسويقية الرقمية، لكن جاء إلغاء معظم معارض الكتب العربية لكي يلحق ضرراً فادحاً بصناعة النشر، التي ارتبكت جراء ذلك بشدة حتى كادت تتوقف مقارنة بدول مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا؛ التي تراجعت فيها مبيعات الكتب بنسبة 30 في المئة، بينما بلغت النسبة نفسها في عالمنا العربي 75 في المئة؛ وهذا يعود إلى أن الدول الأوربية لديها صناعة نشر ذات أسس اقتصادية متينة ولها أسواق ثابتة. وأما الولايات المتحدة الأميركية- يقول رشاد- فشبكة المكتبات العامة فيها تمثل حصناً يحدد الحد الأدنى لتوزيع الكتاب، فضلاً عن أن معدلات القراءة في المنازل كانت حامية لهذه الصناعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشملت توصيات المؤتمر الدعوة إلى إعداد برنامج خاص لدعم وبناء القدرات الخاصة بالناشرين، وذلك من خلال برامج تدريب "on line" في موضوعات التعامل مع المحتوى بأشكاله الحديثة، والاتفاق مع عدد من الخبراء والمستشارين في هذه المجالات لتقديم دعم مباشر لكل دار نشر على حدة.
كما أوصى المؤتمر بأن يكون للاتحاد استشاريون في المجال الرقمي، على اطلاع ومعرفة واسعين بسوق النشر الرقمي وتطوراته، وكيفية ضمان وصول هذه التقنية لأعضاء الاتحاد كافة، ولتبيان الطريقة المثلى للاستفادة الناجحة منها.
وشددت التوصيات على ضرورة التصدي لعمليات التزوير والقرصنة، وتفعيل أنظمة وقوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية، وتطوير التشريع الخاص بقوانين الملكية الفكرية.
وأوصى المؤتمر كذلك بتعزيز دور اتحاد الناشرين العرب، والعمل على وجود تمثيل له في مختلف المبادرات العربية والمحلية الهادفة إلى تشجيع القراءة ودعم الكتاب، والدعوة لعقد ندوات متخصصة، وحث الخبراء في مختلف مجالات النشر للعمل على زيادة وعي وكفاءة الناشرين، وتوجيههم نحو أساليب حديثة في الإدارة المرنة، وترشيد النفقات، لدعم صمودهم واستمرارهم.
وورد في التوصيات ضرورة بناء علاقات متقدمة مع الشركات التقنية والمنصات الرقمية، محلياً وعربياً ودولياً، لتعزيز فرص التعاون المشترك على ضوء الواقع الذي فرضته الظروف الحالية.