بعيداً من الخسائر الاقتصادية لحوادث السير في الأردن، التي تقارب 500 مليون دولار سنوياً، ثمة ممارسات اجتماعية مرهقة باتت تشكل عبئاً أكبر على المجتمع وتتجاوز القوانين في كثير من الأحيان.
وخلال السنوات الماضية، ارتفعت نسبة حوادث السير، فغاب الإيمان بـ"القضاء والقدر" وحلت محله فوضى "التعويضات الخيالية"، وتحول مرتكبوها إلى ضحايا لجشع عائلات بعض المتضررين.
ووفقاً لمديرية المرور، سجل عام 2019 أكثر من 161 ألف حادث مروري، نتج منها 600 حالة وفاة وأكثر من 17 ألف إصابة.
وسجلت فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً أكبر عدد وفيات نتيجة الحوادث بنسبة 35 في المئة.
جناة أم ضحايا؟
توضح إيمان العبادي كيف استُغلت بعد أن دهست طفلاً لا يتجاوز عمره أربع سنوات، لتفاجأ بعد تلقيه العلاج ومرور ثلاث سنوات، برفع ذويه قضية عليها في المحكمة من دون علمها.
طلب والد الطفل من العبادي تعويضاً مالياً يزيد على 53 ألف دولار، لإسقاط القضية التي عززها بتقارير طبية تفيد بأن ابنه يعاني من كسر في الجمجمة وارتجاج في الدماغ.
أما عبد الرحمن، فيشرح ما تعرض له من قبل ذوي شاب دهسه وقام بعلاجه بمبالغ مالية مرتفعة، فضلاً عن دفع ثمن علاج السمع لديه، ليتبين لاحقاً أن لا علاقة لهذا الأمر بالحادثة وأن مرضه قديم.
ويقول آخرون تعرضوا لمواقف مشابهة، إن الأمر يتحول في كثير من الأحيان إلى ابتزاز، يبدأ برفض الصلح، والمماطلة باستقبال جاهة من طرف الجاني، ثم بعد ذلك تنهال الطلبات المبالغ فيها.
وفي مقابل التسامح الذي تبديه كثير من العائلات تجاه المتسببين بحوادث الدهس، يقع آخرون في براثن عائلات همها الوحيد المال.
ويصر كثير من الأهل على تلقي أبنائهم العلاج في مستشفيات خاصة عوضاً عن الحكومية، ما يثقل كاهل البعض بفواتير باهظة قد يقضي حياته محاولاً تسديدها.
وعلى الطرف المقابل، يشكو البعض من آلية تقدير وتقييم الحالات الطبية للذين تعرضوا للدهس، ويطالبون بالشفافية منعاً للاستغلال والتحايل من قبل بعض الأهالي الذين يحضرون تقارير طبية مزورة.
فوضى وابتزاز
يقول متخصصون إن الحكومة لا تحاول تنظيم إشكالية العلاقة بين المتسببين بالحوادث وأهالي الضحايا، فتبقى القضايا عالقة أمام القضاء لسنوات طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فما بين لحظة وأخرى يتسبب القدر أو الغفلة أحياناً بتحويل حياة الجاني والضحية معاً إلى جحيم، لذلك يطالب كثيرون بمراجعة قانون المرور لإنهاء بعض المظاهر السلبية المتعلقة بحوادث الدهس كاحتجاز المتسبب بالحادث لفترة طويلة إلى حين قبول ذوي المتضرر الصلح.
لكن الحكومة الأردنية تؤكد، أنها أقرت تعليمات جديدة خاصة بالتأمين الإلزامي للمركبات ومسؤولية شركات التأمين في الحوادث، حددت بموجبها قيمة التعويض المالي لذوي المتوفين بمبلغ لا يزيد على 28 ألف دولار، بعد أن كانت لا تتجاوز 16 ألف دولار.
وقالت الحكومة، إن التعديلات تهدف إلى تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، ومكافأة السائقين الجيدين وتمييزهم عن الخطرين، بالإضافة إلى توفير الحماية لحقوق المواطن الأردني وضمان تعويضه في حال تسببت مركبة بأضرار جسدية أو مادية له.
السائق متهم دائماً
ينتقد مراقبون قانون المرور وقانون العقوبات اللذين يحملان سوية المسؤولية في حوادث الدهس للسائق، حتى لو كان الخطأ من قبل المشاة. إذ تنص المادة 344 من قانون العقوبات على معاقبة كل من كان سبباً في الإيذاء حتى ولو من دون قصد.
وتلعب القوانين العشائرية التي يلجأ إليها في حل هذه النزاعات دوراً كبيراً في ذلك.
لكن وزير الإعلام السابق سميح المعايطة يقول، إن لحوادث الدهس في الأردن جوانب مسؤولية كثيرة، بعضها يتعلق بالسائق وواجبه في الالتزام بقواعد السير، وأخرى تتعلق بالمشاة والشارع والبنية التحتية.
ويرفض المعايطة تحميل السائق المسؤولية عن كل حوادث الدهس، معتبراً ذلك أمراً مبالغ فيه، تترتب عليه تبعات اجتماعية ومالية مرهقة، داعياً إلى توازن في التشريعات والسلوكيات بما يحفظ حق الطرفين.