بعدما اقترح مستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين، على ترمب فرض الأحكام العرفية لإلغاء الانتخابات، وسؤال ترمب له عن إمكان القيام بذلك خلال لقاء جمعهما قبل أيام، وبّخ كبار القادة العسكريين فلين، وأصدروا بياناً مشتركاً مؤكدين أنهم لن يشاركوا فيه، في حين رد عضو سابق في مجلس الأمن القومي، والجنرال المتقاعد من فئة الأربع نجوم، باري ماكافري على ما تناقلته الأخبار، مؤكداً أنه "مرتعب" من سماع اقتراح فلين.
ودعا ماكافري الجمهوريين في مجلس الشيوخ للتصعيد علناً ضد الفكرة، ولكن الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترمب لا يزال يدين بولاء للرئيس النتهية ولايته، وقد رأينا كيف تحامل العضو الأبرز في الحزب، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على نفسه، مهنئاً جو بايدن بالفوز في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي.
السيناتور ماكونيل اضطر لتهنئة الرئيس المنتخب بعد صمت طويل وتصريحات علنية مشككة في نتائج الانتخابات، بعد أن أكد المجمع الانتخابي رسمياً فوز بايدن بالانتخابات على خصمه ترمب.
ولا يزال السيناتور ماكونيل وغالبية الجمهوريين صامتين حول الاقتراح، على الرغم من تصريحات فلين التي هي على درجة عالية جداً من الخطورة على أمن البلاد ومستقبلها ووحدة الشعب، فالقيام بعمل عسكري من شأنه أن يضع أكبر قوة عسكرية في العالم في مصاف دول القارة السمراء، والتي تتصدر العالم في أعداد الانقلابات العسكرية.
تصريحات فلين وسؤال ترمب عن إمكان فرضه للأحكام العرفية، التي تعرف تاريخياً بأنها الخطوة الأولى لتنفيذ انقلاب عسكري، مع استمرار صمت الجمهوريين، ونجاح ترمب في حصد أصوات داعمة لا يستهان بها في الانتخابات الأخيرة (74 مليون أميركي)، ووجود مدة زمنية كافية للقيام بعمل من هذا النوع، يجعلنا نتساءل إن كان ترمب بالفعل يعدّ لانقلاب عسكري، بخاصة أن هناك عدداً من الشواهد على الأرض، والتي قد تدعم ما يطلق عليه اليوم الأعضاء البارزون في الحزب الديمقراطي، وكذلك رؤساء أحزاب الأقليات في الكونغرس بـ "نظرية المؤامرة الترمبية القادمة"، فهم يشعرون برعب كبير من تحضير ترمب مفاجأة كبيرة لهم ولكن من نوع آخر.
إعفاء ترمب الجنرال فلين مخطط له
أعدت شبكة "سي أن بي سي" تقريرا، كان مثيراً جداً ومقلقاً على الأقل لصناع القرار في البلاد، وشارك فيه مجموعة من كبار المحللين والساسة الأميركيين وجنرالات سابقين في الجيش، أجمعوا على أن ترمب لن يغادر سدة الحكم صامتاً، بعد فشل فريقه الانتخابي في المسار القضائي، ولم توافق محكمة أميركية واحدة في أي من الولايات الأميركية على مطالب ترمب وفريقه، المتمثلة في إبطال نتائج الانتخابات في الولايات التي أحرز بايدن الفوز فيها على الرئيس المنتهية ولايته.
ثم جاء قرار المجمع الانتخابي لكي يفرغ جهود ترمب في المسار القضائي، وقد لا يكون أمامه سوى الخيار الديكتاتوري والمتمثل في انتزاع السلطة بالقوة، مما جعله يصغي لصوت فلين، على الرغم من أن المقربين منه يعلمون جيداً أن الرجل لا يستمع إلا لصوته مع وجود عشرات المستشارين السياسيين والعسكريين المحيطين به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن فكرة الانقلاب العسكري مخطط لها منذ سنوات في حال خسر الرئيس، كما قال بعض المحللين الذين استضافتهم القناة، فهم أوضحوا أن إصدار الرئيس الأميركي عفواً عن مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، والذي أثارت أكاذيبه حول اتصالاته مع روسيا التحقيق في تواطؤ حملة علاقة ترمب مع موسكو، وكذلك توقيت العفو الذي أتى في الأسابيع الأخيرة لرئاسة ترمب، لم يأتِ من فراغ.
وكان فلين أقرّ العام 2017 بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي في الأيام الأولى للتحقيق، وأُجبر على الاستقالة من منصبه في البيت الابيض في فبراير (شباط) من العام ذاته، بعد أقل من أربعة أسابيع على تعيينه في إدارة ترمب.
ومن المؤشرات الأخرى المقلقة لبعض جنرالات الجيش السابقين، السمعة التي يحظى بها فلين في أوساط الجيش الأميركي. فبحسب تقرير لصحيفة "أوبزيرفر" نشر في أغسطس (آب) الماضي، يعد سقوط اللواء المتقاعد مايك فلين من أغرب القصص في حوليات أجهزة المخابرات والجيش الأميركية، فقبل عام واحد فقط لم يكن من الممكن أن يكون نجمه أكثر صعوداً.
وأضافت الصحيفة أن ما يجعل السقوط الوظيفي الأخير لفلين صادماً بشكل خاص، هو أنه الثاني خلال خمس سنوات، بعدما تهاوى في أغسطس (آب) 2014، عندما عيّنه الرئيس باراك أوباما كرئيس لوكالة استخبارات الدفاع.
وعلى الرغم من أن فلين، بأسلوبه المعتاد المخفي، صوّر فصله من العمل على أنه عمل سياسي، فقد تعرض الرئيس أوباما الضعيف، غير الجاد في شأن التهديد الإرهابي، للتشكيك من جانب فلين بحديثه عن الإرهاب، إلا أن الحقيقة تقول إنه تم التخلص من فلين من جانب وكالة الاستخبارات الأميركية، بسبب عدم كفاءته.
وتشير الصحيفة الى أنه من نادراً ما يحدث ذلك في واشنطن، ولم يُسمع به تقريباً في المستويات العليا من مجتمع الاستخبارات الأميركية.
وعلى الرغم من التصريحات المقلقة لفلين، والتي دعا فيها لفرض الأحكام العرفية في البلاد، قلّلت "أوبزيرفر" من نفوذ الرجل، قائلة إن تكليفه بالجيش جاء عام 1981، ولم يكن فلين في معظم حياته المهنية لاعباً رئيساً في الجيش أو اللجنة الدولية، بل كان رجل استخبارات تكتيكي، ووجد نفسه أقرب إلى ستانلي ماكريستال، أحد الجنرالات الأسرع صعوداً في الجيش بعد 11 سبتمبر.
ومع تصاعد مسيرة فلين المهنية بين عامي 2004 و2007، شغل منصب رئيس الاستخبارات في قيادة العمليات الخاصة المشتركة في البنتاغون، وهم أكلة الثعابين المخيفين الذين كانوا في ذلك الوقت يقتلون الإرهابيين في جميع أنحاء العراق وأفغانستان. وتحت قيادة الجنرال ماكريستال، تحولت قيادة العمليات الخاصة المشتركة إلى جماعة سرية مميتة للغاية، ولعب فلين دوراً رئيساً هناك.
إقالة وزير الدفاع الأميركي وطابور قادم
لم يتوقف ترمب عند إصداره عفواً رئاسياً عن فلين، لكنه أيضاً اتخذ قرارات مثيرة للجدل، عندما أقال في نوفمبر (تشرين الماضي) الماضي وزير الدفاع مارك إسبر، مما أدى إلى قلب قيادة الجيش، في وقت رفض ترمب الاعتراف بالانتخابات. وما زاد الطين بلة، أن قرار الإقالة جاء عبر "تويتر"، حيث غرد الرئيس قائلاً إن إسبر "تم إنهاؤه". وكتب أنه عيّن كريستوفر سي ميللر، الذي وصفه بأنه "يحظى باحترام كبير"، وهو مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، ليكون وزير الدفاع بالوكالة.
وبذلك يكون ميللر رابع مسؤول يقود البنتاغون في عهد ترمب. وفي وقت لاحق من إقالة ميللر، صرّح اثنان من مسؤولي البيت الأبيض لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن ترمب لم ينته من الإقالات بعد، وأن كريستوفر وجينا هاسبيل من وكالة المخابرات المركزية، يمكن أن يكونا التاليين في طابور الطرد.
ووصفت الصحيفة في ذلك الوقت إبعاد هذين المسؤولين الكبيرين بأنه في الواقع قطع رأس بيروقراطية الأمن القومي في البلاد.
وأشار الديمقراطيون والمحاربون القدامى في مجال الأمن القومي إلى أن ما فعله ترمب كان خطوة غير متزنةفي وقت غير ضبابي على مستوى الإدارات، بخاصة من قبل الرئيس الذي أوضح أنه لا يريد التخلي عن السلطة، وأنه سيعيد تأكيد سلطته المتضائلة على أقوى وكالات الحكومة، وهو ما قد يكون بحسب "أس أن بي سي" مؤشراً آخر على توجه نحو انقلاب عسكري.
المؤسسة العسكرية لن تدعم أية توجهات انقلابية
في المقابل، وصف مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)، رياض قهوجي، دونالد ترمب بأنه دخيل على السياسة الأميركية، وأن طريقة تفكيره مختلفة جداً.
وقال في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، إن الجيش الأميركي لن يدعم أبداً أي انقلاب عسكري في البلاد، بخاصة في دولة مثل الولايات المتحدة، والتي لا يوجد فيها تقاسم واضح في السلطات العسكرية والسياسة. وأضاف قهوجي أن "العلاقة بين المؤسسات السياسة والعسكرية في البلاد واضحة جداً، وحكم القانون يسود فيها".
وأوضح أن هناك تقاسماً واضحاً للسلطات، بما فيها القضائية والجزائية والتشريعية والتنفيذية، وبالتالي ففي دولة مثل الولايات المتحدة ثمة حرية إعلام، وبإمكان كل فرد أن يدلي بأي تصريح يشاء، كما يصرح ترمب برفضه نتائج الانتخابات.
وأضاف قهوجي أن الواقع يقول إن المؤسسات الأميركية تسير بحسب القوانين والأصول المتعارف عليها، بغض النظر عما يصرح به ترمب، والدليل لجوءه وفريقه الانتخابي إلى المحاكم الأميركية للطعن في نتائج تصويت بعض الولايات، ورفض كل المحاكم الأميركية الدعاوى التي دفع بها فريقه للتشكيك في نزاهة القتراع، ليأتي قرار المجمع الانتخابي معلناً فوز بادين، ومنهياً بذلك الجدل الدائر حول الانتخابات، مما دفع رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيلن لتهنئة بايدن بالفوز.
ترمب قد يتعرض للسجن
وعن تصريحات فلين، قال رياض قهوجي، إن فلين في القانون الأميركي يعتبر شخصاً خائناً، وقد سُجن على خيانته لتعامله مع خصم البلاد، كونه خطط ضد بلاده، ومع ذلك حصل على عفو رئاسي من ترمب، وبالتالي فتصريحاته تأتي كنوع من رد الجميل للرئيس المنتهية ولايته، على قرار الإعفاء.
وأضاف أن الإعلام الأميركي بغالبيته لم يكترث لدعوات فلين بفرض الأحكام العرفية في البلاد كرد على نتائج الانتخابات. وتابع، "برأيي أن القلق الوحيد السائد لدى الجهات الأميركية يتمثل في تشكيك رئيس أميركي بنتائج الانتخابات ونزاهتها، والتي تتماشى مع الحملة التي تشنها بعض وسائل الإعلام الأميركية الداعمة لترمب، والتي من شأنها أن تؤثر على المدى البعيد في الوحدة الداخلية والنظام الديمقراطي للبلاد".
ويوضح، "لا توجد مخاوف من قيام ترمب بانقلاب عسكري، ولو حاول القيام بخطوة من هذا النوع فلن يجاريه البنتاغون ولا وزارة العدل، وقد رأينا في اليومين الماضيين كيف رفض وزير العدل والمدعي العام وليام بار، السماح بمصادرة الآلة الانتخابية لأربع ولايات أميركية، قال ترمب إنها شهدت عمليات تزوير. وصرح بار بأنه لا يوجد أي داع للقيام بأية خطوة من هذا النوع، وأنه حتى لو كانت هناك بعض الشوائب الانتخابية فستبقى نتائج الانتخابات حاسمة، وغير قابلة للتغيير".
ويرى قهوجي أنه "لو حاول ترمب القيام بانقلاب عسكري فسيفاجأ من رد فعل المؤسسة العسكرية، وقد ينتهي به الأمر للسجن، لأنه سيقوم بعمل غير مبرر دستورياً، باعتبار أن نتائج الانتخابات حسمت من المجمع الانتخابي، وأعلنت فوز بادين كرئيس منتخب للبلاد، في وقت فشلت جميع القضايا التي رفعها الفريق الانتخابي لترمب في المحاكم الأميركية، كما أن المحكمة العليا الأميركية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، أغلقت الجدل الذي كان قائماً في شأن الانتخابات، ولم يعد هناك أي مجال لترمب للقيام بشيء آخر. التصديق على نتائج الانتخابات تم عبر كل القنوات الدستورية في البلاد، وبالتالي فأي تحرك من جانب ترمب لمحاولة قلب نتائج الانتخابات يعد انقلاباً ومخالفة صريحة للدستور الأميركي، وعندها سيجد ترمب نفسه في مواجهة مشكلات قضائية".
الملايين وصندوق الدفاع عن الانتخابات
من الشواهد الأخرى لاحتمالات التحضير لعمل عسكري، ما كشفته التقارير الجديدة الصادرة عن "بزنس إنسايدر"، التي تحدثت عن أن صهر ترمب ومستشاره جاريد كوشنير، ساعد في إنشاء شركة وهمية لحملة ترمب، دفعت سراً لأفراد عائلة الرئيس، وأنفقت 617 مليون دولار نقداً لإعادة انتخابه.
هذه الأخبار جاءت في وقت كان يلتمس فيه ترمب من مؤيديه تبرعات تحت ستار الأموال التي ستذهب إلى صندوق الدفاع عن الانتخابات الرسمية، إذ أقنع مؤيديه بأن عمليات فرز صناديق الاقتراع سرقت أصواتهم، ورجّحت كفة فوز بايدن، في حين أن هذه الأموال كانت تتجه وجهة أخرى، فالقيام بعمل عسكري يتطلب سيولة كافية لكسب الولاءات، ومؤيدو ترمب الذين لم يترددوا في الخروج إلى الشوارع مدججين بالسلاح لحماية مستقبل زعيمهم الفعلي والروحي، لن يترددوا في صبّ الأموال من أجل عمل نبيل، وهو استرجاع السلطة المسروقة التي اختطفها الزعيم الديمقراطي بايدن، كما يزعم ترمب الجمهوري.
ورأينا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كيف تجمّع مئات المحتجين، وبعضهم مسلح، أمام إدارة انتخابات مقاطعة ماريكوبا في فينيكس، حيث كان المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن يتقدم بفارق ضئيل في الولاية الحاسمة التي كانت ساحة المعركة، مما دفع مسؤولين في المقاطعة، أحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري، إلى إصدار بيان مشترك، أعربا فيه عن قلقهما في شأن المعلومات المضللة التي انتشرت حول نزاهة العملية الانتخابية.