عاصفة من الجدل وموجة من التكهنات، خلفتها زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الأركان ياشار غولر وقائد القوات البرية أوميت دوندار وقائد القوات البحرية عدنان أوزبال، إلى العاصمة الليبية طرابلس، بسبب طبيعة الوفد العسكري والهدف والتوقيت والتداعيات المحتملة للزيارة على الهدنة العسكرية، المتفق عليها بين لجان الحوار العسكري الليبي في جنيف، قبل أشهر عدة.
وأدت تصريح لوزير الدفاع التركي، أثناء زيارة طرابلس، اليوم الأحد، إلى ارتفاع منسوب التوتر، إذ قال، إن بلاده ستعتبر قوات القائد العسكري الليبي خليفة حفتر وأنصاره المتمركزين في شرق ليبيا "أهدافا مشروعة" إذا ما حاولوا مهاجمة القوات التركية في المنطقة.
وأضاف أكار، أن قوات حفتر وأنصاره "لن يكون أمامهم مكان يفرون إليه" إذا هاجموا القوات التركية، وقال إن تركيا ستستهدفهم "في كل مكان".
واعتبرت الزيارة رداً على تصريحات قائد الجيش الوطني الليبي في الشرق خليفة حفتر، قبل يومين، التي قال فيها إن تمديد الوجود العسكري لأنقرة في غرب البلاد يهدد بإفشال مشروع السلام والتسوية السياسية، داعياً إلى إخراج القوات التركية بالسلم أو بالحرب.
وحملت الزيارة رسائل صريحة عدة تضمنتها تصريحات الزوار والمستقبلين في طرابلس، تشير إلى أنه لا نية بالتراجع عن الاتفاق العسكري والأمني، الموقع بين الطرفين قبل عام.
حرب على الأبواب
خلال الزيارة، التقى أكار والوفد المرافق عدداً من المسؤولين الليبيين في حكومة الوفاق، يتقدمهم وزير الداخلية فتحي باشاغا ووزير الدفاع صلاح النمروش، بعد اجتماع صباح السبت 26 ديسمبر (كانون الأول) مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري لمناقشة عدد من الملفات السياسية والعسكرية، بعد تمديد البرلمان التركي المهمات العسكرية لقوات بلاده في ليبيا عاماً ونصف العام.
زيارة الوفد رفعت حجم التكهنات بشأن احتمال تجدد الصدام العسكري بين طرفي النزاع الليبي، التي بدأت منذ أيام، وعززتها خطوة البرلمان التركي وردّ حفتر عليها بخطاب حاد وإعلان رفع حالة التأهب العسكري لقواته.
ووفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، فإن لقاء الوفد التركي والمشري "بحث آخر مستجدات الحوار السياسي الليبي، وما توصلت إليه أطرافه من اتفاقات أخيراً".
وأكد الجانبان وفق البيان، "استمرار التنسيق المشترك لصدّ أي محاولة لتحرك مُعادٍ من قبل الجيش وتعزيز التعاون العسكري بينهما".
وبعد اللقاء، أطلق المشري تصريحات شديدة اللهجة تجاه الجيش، مهدداً بحرب لا هوادة فيها إذا تجددت المعارك العسكرية معه، قائلاً إنه "إذا فرضت الحرب مرة أخرى على قوات حكومة الوفاق، فلن نكتفي بصدّ العدوان فقط، بل سننهي مصدره".
وأشار إلى أن "هدف الزيارة الاطمئنان على استعدادات قواتنا لمواجهة أي محاولة من حفتر للتشويش على السلام العادل الذي نريده، وأيضاً التنسيق مع حليفنا الاستراتيجي حول تناغم الحوار السياسي مع تطلعاتنا المشتركة".
باشاغا يغازل أنقرة
اللقاء الثاني للوفد التركي كان مع باشاغا، الرجل الذي تصفه مصادر ليبية بأنه الأقوى بين الشخصيات السياسية في طرابلس، في الآونة الأخيرة، والذي يسيطر على دفة القرار في حكومة الوفاق.
وقال أكار بعد اللقاء إن بلاده "بذلت وستبذل كل ما في وسعها من أجل أن ينعم الليبيون بالديمقراطية، تحت راية واحدة وحكومة واحدة".
وأضاف "هذه الزيارة من شأنها أن تسهم في توحيد العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، بخاصة الأمنية منها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "الملف الليبي من أول اهتمامات الحكومة التركية، التي تملك الكثير لفعله، من أجل أن يحل الأمن والسلام في ربوع البلاد".
من جانبه، ثمّن باشاغا دور أنقرة بـ"دحر العدوان على العاصمة طرابلس، ومساهمتها في بناء ليبيا الجديدة، بعيداً من الجهوية والقبلية وحكم الفرد الواحد".
وقال، موجهاً حديثه لأكار، "نحن نملك العزيمة على العمل معكم، وفق ثوابت تعتمد على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة للبلدين الصديقين".
وتابع "سنحبط معاً كل المؤامرات، التي يحاول كثيرون تنفيذها من أجل ضرب النسيج الاجتماعي في ليبيا".
لا رجوع عن الاتفاق العسكري
من جانبه، حرص وزير الدفاع المفوض في حكومة الوفاق صلاح النمروش على تأكيد استمرار الاتفاقية العسكرية بين حكومته ونظيرتها التركية، التي شدد الجيش الوطني الليبي أكثر من مرة على مخالفتها للاتفاق العسكري الموقع في جنيف، مهدداً بالانسحاب منه، إذا أصرت أنقرة وحليفتها في طرابلس على التمسك بها وعدم إلغائها.
وقال النمروش، الذي عرف بموقفه المتشدد من الجيش الليبي في الشرق، إنه "بحث مع نظيره التركي استمرار الاتفاقية العسكرية من خلال تكثيف برامج التدريب لقوات الوفاق والارتقاء بالمنظومة العسكرية التابعة لها إلى مستويات مهنية متقدمة"، وفق المكتب الإعلامي لعملية "بركان الغضب".
وأضاف "الهدف هو إعادة ترتيب قوات الوفاق وضخ دماء جديدة فيها، وفقاً لعقيدة عسكرية قوامها الدفاع عن الشعب وحمايته، ومدنية الدولة والحفاظ على مؤسساتها ومقدراتها".
انتقادات متوقعة
كما هو متوقع، قوبلت زيارة الوفد العسكري التركي بانتقادات واسعة في شرق البلاد، حيث استنكرت الحكومة المؤقتة التابعة للبرلمان في طبرق، الزيارة في بيان رسمي، السبت، واصفةً إياها بأنها "تأجيج للحرب ومحاولة لعرقلة أي تقارب ليبي".
واعتبرها مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش خالد المحجوب، "محاولةً تركية لتعطيل مسار التسوية العسكرية والأمنية".
أما المستشار السياسي للجيش أحمد العبود، فوصفها بأنها "محاولة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيادة السخونة في ليبيا، والدفع نحو تسارع الأحداث، قبل تنصيب جو بايدن في يناير (كانون الثاني) المقبل، رئيساً لأميركا بشكل رسمي".
وأوضح العبود أن "أنقرة المنخرطة في أزمات المنطقة، مُنيت بخسائر كبيرة في الملفات الإقليمية وتريد إشعال الجبهة الليبية"، مشيراً إلى أنها "تسعى إلى تحصين الاتفاقات التي وقعتها مع حكومة الوفاق وفرض شروطها في الحل السياسي على المجتمع الدولي".
وأضاف "شحنات الأسلحة تتدفق على مطارات طرابلس وميناء مصراتة منذ أشهر من دون توقف. كما أن البوارج التركية تقوم بتدريبات ومناورات حربية في ليبيا، ضاربةً بعرض الحائط القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن".