علمت صحيفة "الاندبندنت" أن وزارة الداخلية البريطانية أنفقت ملايين الجنيهات الإسترلينية من أموال دافعي الضرائب، على عمليات ترحيل "رتبت على عجل" لإبعاد طالبي اللجوء إلى المملكة المتحدة، قبل خروجها النهائي من الاتحاد الأوروبي في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، من خلال تنظيم رحلات جوية مستأجرة كانت تنقل عدداً قليلاً فقط من هؤلاء على متنها.
وتظهر البيانات الجديدة التي تمكنت الصحيفة من الوصول إليها مستعينة بقوانين حرية الحصول على المعلومات، أنه أُنفق نحو مليونين و300 ألف جنيه إسترليني (3 ملايين دولار أميركي)، على ترحيل 225 شخصاً بطريقة قسرية إلى دول أوروبية في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) من هذه السنة، وهو ضعف المبلغ الذي أُنفق على رحلات ترحيل في الربع السابق من السنة، عندما أُبعد 285 شخصاً.
كلفة ترحيل كل مبعد - كثير منهم من طالبي اللجوء - بمتوسط مادي يربو قليلاً عن 10,100 جنيه إسترليني (13,534 دولار)، مقارنة بـ 3900 جنيه إسترليني (5,225 دولار) في الربع الثاني من السنة. ومن خلال المقارنة، بلغت كلفة تذكرة السفر التجارية من المملكة المتحدة إلى أستراليا، ما يزيد قليلاً على 900 جنيه إسترليني (1,200 دولار).
كانت بعض رحلات الطيران المستأجرة (تشارتر) التي غادرت المملكة المتحدة منذ يوليو 2020 بعدد قليل من الأفراد على متنها، إلى فنلندا والسويد، تنقل ستة وخمسة أشخاص على التوالي، وفي إحدى الرحلات إلى فرنسا كان يوجد مرحل واحد فقط على متنها.
تأتي هذه الإجراءات وسط مخاوف من أن وزارة الداخلية البريطانية تستعجل عمليات ترحيل طالبي اللجوء بموجب قواعد "دبلن 3" - تتيح للمملكة المتحدة إعادة لاجئين على أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي التي كانوا قد وصلوا إليها وعبروا من خلالها - التي لن تعود نافذة مع انتهاء الفترة الانتقالية للمغادرة البريطانية للاتحاد الأوروبي في الحادي والثلاثين من ديسمبر الجاري.
توضح وزارة الداخلية أنه بمجرد انتهاء العمل بقوانين "دبلن 3"، فإنها ستعمد إلى تطبيق سياسة جديدة تقضي باعتبار طلبات اللجوء التي تقدم من أفراد سافروا عبر دولة آمنة أخرى "غير مقبولة"، وعقد اتفاقات مع دول الاتحاد الأوروبي لإعادة هؤلاء إليها. غير أنه لا يوجد دليل على التوصل إلى أي من هذه الاتفاقات حتى الآن.
في عدد من محاولات الإبعاد الأخيرة، أُلغيت أوامر ترحيل بعض طالبي اللجوء قبل ساعات من موعد الرحلة، نتيجة تدخل المحامين وتحديدهم نقاط ضعف لم تعترف بها السلطات البريطانية في وقت سابق، مثل وجود أدلة تشير إلى تعرضهم للاتجار بهم، أو قلق لجهة عدم تمتعهم بصحة كافية للسفر بالطائرة، الأمر الذي يجعل عملية ترحيلهم غير سليمة من الناحية القانونية.
وتبين بحسب تقرير صادر عن "مفتشية السجون" في المملكة المتحدة نشر في وقت سابق من هذا الشهر، أن إلغاء أوامر الإبعاد في وقت متأخر لم يكن "غير عادي"، إذ أُلغي في الأشهر الأخيرة سفر مبعدين على رحلات طيران مستأجرة قبل ساعات قليلة من موعد إقلاعها.
بلغ الأمر بإحدى الحالات التي ورد ذكرها في تقرير "مفتشية السجون"، أن انتهت رحلة "تشارتر" إلى فرنسا في أكتوبر (نشرين الأول) كان من المفترض أن تنقل 30 مرحلاً - معظمهم أو جميعهم من طالبي اللجوء - بسفر شخص واحد فقط على متنها، وإخلائها من تسعة آخرين، في اليوم نفسه للرحلة.
يقول تشارلي تايلور كبير مفتشي السجون البريطانية إن "عمليات الإلغاء هذه كانت شائعة، والسبب في ذلك اكتشاف حالات مستضعفة بين المعتقلين لم تُحدد في وقت مبكر، وغالباً ما كانت تفضي إلى إلغاء الترحيل".
في المقابل، لفت تقرير منفصل صادر عن هيئة تراقب السجون، نشر في أكتوبر، إلى أن طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر قوارب صغيرة لا يحصلون في كثير من الأحيان على حقهم في الاستشارة القانونية، ولا يُدقّق في وضعهم لتحديد المستضعفين منهم، حتى بعد إرسالهم إلى مراكز الترحيل إثر تلقيهم أوامر بالإبعاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد اعتمدت وزارة الداخلية هذه السنة مبدأ إجراء مقابلات "مختصرة" مع طالبي اللجوء، ما يعني منحهم وقتاً أقل وطرح أسئلة أقل عليهم. وقد أثار ذلك قلقاً لدى الخبراء، من أن الأفراد لم تُتح لهم الفرصة الكافية للتعبير عن حاجتهم للحماية أو الكشف عن تجارب تعرضوا لها تتعلق بالاتّجار بهم.
وكانت "المحكمة العليا" قد أصدرت قراراً في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، قضت بموجبه أن وزارة الداخلية ربما تتصرف بشكل غير قانوني لجهة "اختصار" مقابلات التحقق من طلب اللجوء، عبر طرح مجموعة أسئلة "أقل" من تلك التي حُددت في التوجيهات المنشورة للسياسة المتبعة، ورأى قاضي المحكمة أن هذا الأمر أدى إلى حدوث "خطر جسيم من ناحية الظلم وإلحاق ضرر لا يمكن تعويضه".
توضح سارة تيذر مديرة جمعية Jesuit Refugee Service UK (منظمة كاثوليكية دولية تناصر حقوق اللاجئين والنازحين قسراً)، أن مؤسستها الخيرية عملت على دعم الأفراد الذين يواجهون إبعاداً على متن رحلات جوية هذا الأسبوع، والذين لديهم مؤشرات "واضحة" إلى تعرضهم للاتّجار والعبودية، وكانوا قد "مروا بعملية تدقيق عشوائية ما أتاح للحكومة تجنب معاملتهم بطريقة إنسانية".
تعليقاً على الأرقام الجديدة، رأت تيذر أن "هذه التكاليف الباهظة تشير إلى أن التعجيل في وضع طالبي اللجوء والناجين من الاتّجار بالبشر على متن طائرات، قبيل الخروج من الاتحاد الأوروبي، كان طوال الوقت عرضاً دعائياً، اعتمدته (الحكومة) في مختلف تدابيرها لفضّ قضايا اللاجئين".
واعتبرت ذلك بمثابة "حلقة مخزية لأن الأفراد الأكثر ضعفاً الذين يتوجب أن يكون لدينا التزام أخلاقي بحمايتهم، يستخدمون رهائنَ في جلبة إعلامية كبيرة، بكلفة باهظة على حياتهم، وكبيرة في المقابل على دافعي الضرائب".
أما سيليا كلارك، مديرة مؤسسة Bail for Immigration Detainees (منظمة خيرية مستقلة تقدم استشارات قانونية وتمثيلاً للمهاجرين في المملكة المتحدة)، فترى أن الخطأ في إجراءات إلغاء الترحيل في اللحظة الأخيرة يقع "بشكل مباشر على عاتق الحكومة لعدم قيامها بأي استفسار عن تاريخ الفرد في ما يتعلق بالصدمات النفسية التي مر بها، أو لجهة تعرضه للاتّجار بالبشر، أو لناحية الحرمان المنهجي حتى اللحظة الأخيرة من الوصول إلى الاستشارة القانونية".
ورأت كلارك أنه "لا مجال للشك في صحة الأدلة المتوفرة، وقد أكد ذلك مفتش الحكومة نفسه. لهذا السبب يضطر كثير من الناس المدفوعين باليأس، إلى تقديم طلبات التماس في اللحظة الأخيرة. وإضافة إلى الكلفة البشرية التي لا يمكن قياسها، فإن ما يحصل يشكل إهداراً هائلاً للمال".
بيلا سانكي مديرة منظمةDetention Action (تقدم الدعم للأشخاص المحتجزين في مراكز الهجرة)، أشارت إلى أنه "في الوقت الذي ينكمش الاقتصاد، تقوم وزارة الداخلية بإفراغ جيوبنا، وتدفع بضحايا الاتّجار بالبشر نحو فقر مدقع في أنحاء أوروبا".
أضافت، إن "رحلات الطيران المستأجرة هي عملية خداع على المستوى الوطني، واعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان وعلى إمكان الوصول إلى العدالة. والسؤال المطروح هو معرفة مدى مساهمة هذه الملايين التي اُنفقت في زيادة حالات الاستغلال؟ كل ذلك من أجل بعض العناوين الرئيسية العابرة (في الصحافة)".
تعليقاً على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الداخلية إنه "تُستخدم رحلات الطيران المستأجرة لمجموعة مختلفة من الأسباب، بما في ذلك إبعاد الأفراد المشاغبين الذين لا يمكن نقلهم على متن رحلات تجارية منتظمة".
وأوضح، أنه "تُعوقد على عمليات حجز رحلات جوية متعددة الاتجاهات من جانب الوزراة، بحيث أن العائدين لوجهة واحدة لا يعكسون عدد الركاب المتواجدين في الرحلة الكاملة (أي المبعدين الآخرين المتجهين نحو بلدان أخرى)، لكن الطلبات القانونية المتأخرة يمكن أن تقلل من قيمة الأموال التي نُؤمّنها في كل عملية".
وختم بالقول: "إننا لا نقدم أي اعتذار عن إبعاد مجرمين أجانب خطرين أو أفراد لا يحق لهم البقاء في المملكة المتحدة".
© The Independent