من الممكن إلى حدّ ما، توقّع مسار سياسات الحكومة البريطانية، من خلال النظر إلى الولايات المتّحدة. فعلى غرار ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ المهاجرون يتحمّلون وطأة سياسة الحكومة في المملكة المتّحدة، بعد حوالى شهرين من حصول بوريس جونسون على "ولايته الجديدة القوية" في صناديق الاقتراع.
قد لا تكون هذه الملاحظات هي الأكثر عمقاً، فالمقارنات بين الشعبين كانت واضحة لبعض الوقت. لكن كلّما كانت أوجه التشابه أكثر وضوحاً، كلّما كان الاهتمام بها أكبر.
مواطنو منطقة الكاريبي هم أهداف، ولم يتوقّفوا عن أن يكونوا كذلك. وفي الأسبوع المقبل ستحمل طائرة متوجّهة إلى جمايكا حوالى 50 شخصاً منهم. وزارة الداخلية تقول إن جميع المرحّلين كانوا مدانين جنائياً وإنهم قضَوا مدّة عقوباتهم في سجون المملكة المتّحدة، والآن يواجه كثير منهم مسألة العودة إلى بلاد غادروها عندما كانوا يافعين. الطائرة هي الثانية التي تغادر المملكة المتّحدة منذ اندلاع "فضيحة ويندروش". وكان قد حصل ترحيل آخر في فبراير (شباط) من العام الماضي، على الرغم من أن عدد هؤلاء كان 29 شخصاً فقط، بعدما تمكّن البعض من الحصول على إذن بإرجاء السفر في اللحظة الأخيرة.
وتستمر صدمة إبعاد هؤلاء الأشخاص عن أسرهم ومنازلهم وطرق حياتهم، مع عدم تعلّم الحكومة البريطانية شيئاً من المحاولة الأخيرة لاستخدام الإدانات الجنائية مبرّراً لتجريد مواطنين من حقّهم في البقاء في المملكة المتّحدة. وواصلت الحكومة، التي لا تشعر بقلقٍ من أن يُنظر إليها على أنها تميل إلى اليمين، ببساطة نهجها العدائي، على الرغم من الغضب الذي برز من جانب أعضاء البرلمان.
يوجد طبعاً عدد من المجموعات التي اعتُبرت أنها لا تستحق الاحتفاظ بالجنسية البريطانية. لكن وقاحة القرار الذي اتّخذته وزارة الداخلية البريطانية بالسماح لهؤلاء المبعدين بأن يقبعوا من دون دعم في "بلدانهم الأصلية" أو بقليل من هذا الدعم، لا يمكن تقبّله.
وكما ذكرت ماي بولمان، مراسلة الشؤون الاجتماعية في "اندبندنت"، فإن كثيرين من الذين يُتوقّع إبعادهم هم آباء وأمّهات لأطفال صغار. إنهم، في كثير من الحالات، أبناء أو أنسباء جيل "ويندروش" الذي كانت المملكة المتّحدة قد أخفقت حياله. ومع ذلك، يبدو أن إدانتهم قُدّمت على أنها تفسير كافٍ لإدارة الظهر لهم وتدمير أسرهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت كارين دويل، المنظِّمة الوطنية لـ"حركة العدالة" قد قالت في حديث أجرته معها "اندبندنت" العام الماضي عندما حدث موقف مماثل: إن "محاولة إعادة الترحيل الجماعي إلى جمايكا في وقتٍ لم يتلقّ جيل ويندروش حقوقه، وفيما لا يزال كثيرون ينتظرون قراراتٍ بعد أشهر، تشكّل صفعةً على وجه مجتمع الشتات الجمايكي في المملكة المتّحدة".
وكجزءٍ من الشتات الجمايكي، ومن الذين يعرفون أفراد الأسر ويتحدّثون بانتظام مع الأشخاص الذين تم ترحيلهم بصورة غير عادلة من المملكة المتّحدة، فإن "الصفعة على الوجه" ليست مجرّد غضب مبرّر، إنها أكثر من ذلك بكثير. فيجب أن تقول وداعاً لأطفالك لفترة غير محدّدة من الزمن، وأن تشرع في محاولةٍ يائسة لإعادة بناء حياتك في مكان يُعدّ الآن منزلك الحقيقي، غالباً من دون وثائق قانونية أو ما يثبت الهوية، ويُتوقّع منك أن تصمت في وقتٍ تعيش فيه أسوأ كابوس.
إننا عند تغطية هذه القصص لا نتكلّم بما فيه الكفاية عن الصدمة العاطفية لواقعي الاعتقال ومن ثم الترحيل لاحقاً. ويبدو ذلك واضحاً من الاقتباسات التي نسمعها عن أشخاص فقدوا أطفالهم أو أزواجهم أو مجتمعاتهم، لكن الحجم الهائل لهذه القصص يجعل من الأسهل إلى حدّ ما تجاوزها بسرعة. لا يمكننا القيام بذلك. ففي اللحظة التي نغفل فيها عن الأهوال التي ترتكبها هذه الحكومة في حقّ هؤلاء الناس، سيكون من الأسهل عليها أن تمضي إلى الأمام في سياسة الهجرة هذه.
وتحدّث مقال نشرته مجلة BMC Psychiatry في العام 2018 عن الآثار التي تتركها هذه الأعمال عند الأطفال، فرأى أن "لدى مقارنة أبناء الأهالي المحتجزين أو المرحّلين مع أقرانهم من الذين كان والداهم إما مقيمين بصفةٍ دائمة أو بصفةٍ غير شرعية... من دون اتصال مسبق بدوائر الهجرة... فإن التقارير تشير إلى وجود مستويات أعلى من "أعراض اضطراب ما بعد الصدمة" وكذلك الصدمات النفسية لدى الأطفال من أبوين محتجزين أو مرحّلين، منه لدى المجموعتين الأخريين".
وتتوزّع التداعيات على كلا الاتّجاهين. فعندما يتم احتجاز أو تهديد الوالدين بالترحيل، غالباً ما تُسجّل تبليغات عن "زيادة كبيرة في التفكير بالانتحار" أو بأفكار انتحارية.
هذه القضايا التي نتحدث عنها هي عابرة للأجيال، إنهم لا يضعون حدّاً للحظة التي يكون فيها هؤلاء الناس بعيدين عن الأنظار بحيث يسهل نسيانهم. وتقوم مجموعات الحملات مثل Barac UK وSociety of Black Lawyers، وLesbians and Gays Support the Migrants بدورها من خلال تنظيم تظاهرات ضد الترحيل في السادس من فبراير (شباط). يجب أن ندعمهم. تذكّروا أن لدينا رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية يفضّلان اتّخاذ تدابير رجعية بدلاً من بذل أي جهد حقيقي لفهم نظام العدالة الجنائية وإصلاحه. وإذا بقينا صامتين، فستواصل الأمور دورانها الانحداري.
سنظلّ بعد عقود من الآن نتحدّث عن هذا الموضوع. فقد كان لدينا لأكثر من قرن النقاش نفسه عن الهجرة في ما يتعلّق بعددٍ من المجموعات. سيكون من غير الواضح كيف ستتظهّر بالضبط هذه الإخفاقات الحكومية في المستقبل، لكن ما نعرفه الآن يجب أن يكون دليلاً كافياً على أن هذا النظام شديد التطرّف هو في حاجة ماسّة إلى إصلاح شامل.
© The Independent