يبدو أن التوتر بين الجزائر والمغرب يزداد شدة، بعد أن تحول خطاب وزارة الدفاع إلى تسمية الأمور بمسمياتها، إذ أشارت إلى ضبط أكثر من 27 قنطاراً من المخدرات عبر الحدود مع المغرب، ما يؤكد أن الأحداث الجارية في المنطقة كان لها انعكاس كبير على علاقات البلدين "المتجمدة" أصلاً.
وبعدما كانت تذكر "الحدود الغربية" أو أسماء المناطق والمدن الجزائرية عند حجز كميات من المخدرات والمهلوسات، تجاوزت وزارة الدفاع الجزائرية التحفّظ وذكرت في آخر بيان لها، أنه "في إطار محاربة الجريمة المنظمة، ومواصلة الجهود الحثيثة الهادفة إلى التصدي لظاهرة الاتجار بالمخدرات ببلادنا، ضبطت مفارز مشتركة للجيش خلال عمليات متفرقة نوعية، كميات ضخمة من الكيف المعالج تقدر بـ 27 قنطاراً و286 كيلوغرام تم حجزها عبر الحدود مع المغرب".
وأبرز البيان أن "هذه النتائج النوعية تأتي لتضاف إلى العمليات التي تخوضها يومياً مفارز الجيش ومختلف المصالح المعنية، والتي مكنت من إحباط إدخال هذه السموم التي تحاول عصابات التهريب القادمة من الحدود المغربية ترويجها في بلادنا".
هل هي سابقة؟
يمكن وصف بيان وزارة الدفاع بأنه سابقة تكشف حقيقة التوتر الذي بلغته العلاقات بين الجزائر والمغرب، والذي قضى على أي طمع في ترميمها، بعد اتفاق التطبيع بين الرباط وتل أبيب، وقبله خرق إطلاق النار في الصحراء الغربية بين الجيش الملكي وجبهة "البوليساريو"، وبعد تأمين المغرب منطقة "الكراكرات" على الحدود الموريتانية، حيث كانت الجزائر تلتزم التحفّظ عندما يتعلق الأمر بالمغرب، في محاولة لمنح مزيد من الفرص لإعادة الدفء للعلاقات الثنائية بما يخدم الشعبين، وفق تصريحات رؤساء وملوك ومسؤولي البلدين في مناسبات عدة.
رد سابق
وعلى الرغم من أن الرباط لم تصدر أي بيان، غير أن الرد على الاتهامات سيحصل كما في السابق، حين أدت تصريحات لوزير الخارجية الجزائري الأسبق عبد القادر مساهل، أشار فيها إلى أن "المغرب يقوم بتبييض الأموال الناجمة عن الإتجار بالمخدرات، وهذا الكلام مؤسس، وأن العديد من القادة والزعماء الأفارقة يعرفون هذا الأمر ويقرون به"، إلى استدعاء وزارة الخارجية والتعاون المغربية، القائم بالأعمال في سفارة الجزائر بالرباط إلى مقرها ووصفت التصريحات بالطابع "غير المسؤول" بل و"الصبياني"، وأكدت أن الأجهزة الأمنية المغربية تعمل على مراقبة الحدود لمنع تهريب المخدرات والإتجار بها، وتقليص المساحات المخصصة لزراعة القنب الهندي.
كما دعا المغرب من قبل، السلطات الجزائرية إلى الانخراط في محاربة "الجرائم العابرة للحدود"، خصوصاً الإتجار في المخدرات وإيقاف الحملة الاستفزازية ضد الرباط. وقال بيان الحكومة على خلفية الاتهامات الجزائرية بإغراق البلاد بالمخدرات، إن الحملة العدائية التي تقودها بعض المنابر الجزائرية تندرج في إطار المزايدات وتعكس محاولة لإخفاء الأدوار السلبية والاستفزازية التي تقوم بها الحكومة والتي تأخذ في بعض الأحيان "طابعاً عدائياً صرفاً".
التخلي عن التحفظ
ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، أن ما حدث بخصوص بيان الدفاع، هو توضيح الجهة بالاسم بعدما كانت سابقاً تسمى الحدود الغربية، مما يؤكد "التخلي عن التحفظ"، مشيراً إلى أنه سبق للجزائر تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة ضد الأطنان من المخدرات التي تعبر الحدود، مشدداً أن ذكر المغرب صراحة يعني أن الجزائر ستتعامل بحزم مع هذه الظاهرة، لمنع تحويل أراضيها إلى ممرّ دولي لهذه التجارة الممنوعة، أو سوق استهلاكية تقضي على الشباب الجزائري.
ويستبعد كاهي تضاعف عمليات إدخال المخدرات من المغرب إلى الجزائر بعد تصاعد التوتر بين البلدين، "لأن جاهزية الجيش الجزائري أقوى من أي وقت مضى، خصوصاً بعد أن تم تحييد العناصر الداخلية المتعاونة التي انتعش نشاطها خلال سطوة العصابة على مقاليد القرار"، موضحاً أن تغيّر التعاطي مع الظاهرة له علاقة مباشرة بما يحدث في الصحراء الغربية أولاً، ثم التطبيع مع إسرائيل ثانية، داعياً إلى تقوية الجبهة الداخلية لأنه لا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تتحمل كل هذه الأعباء وحدها.
تحذيرات أممية
وحذّر تقرير للأمم المتحدة صدر في أغسطس (آب) الماضي، من أن تواصل إنتاج وتدفق القنب والحشيش بصورة منظمة ومستقرة من المغرب نحو دول الجوار والساحل، يسهم في تمويل الجماعات المسلحة النشطة ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة، كما كشف تقرير للمرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان في يونيو (حزيران) الماضي، أن المغرب يعتبر أول ممون لأوروبا بالقنب الهندي والحشيش، بحوالى 72 في المئة من مجموع المخدرات المحجوزة عبر إسبانيا، بينما أوضح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن المغرب يظل منطقة مفضلة لإنتاج وتصدير القنب، وذلك في سياق تخصيص جزء من تقريره العالمي لسنة 2020، للحديث عن تأثير جائحة "كورونا" على سوق المخدرات في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توتر غير مسبوق
وفي السياق، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، في تصريح صحافي، أن علاقة المغرب بالجزائر تعرف في الوقت الراهن توتراً غير مسبوق، بسبب إقحام الجزائر في النزاع القائم بالصحراء الغربية، وقال "إن المقصود بالحدود الغربية واسع وشامل، ولكن ما يدور في فلك الأحداث الجارية الآن ينبئ وبصورة واضحة عن التوتر القائم بين جبهة "البوليساريو" والمغرب، الأمر الذي يستدعي من الجزائر وضع النقاط على الحروف، وتمتين الجبهة الموالية للحدود".
من جهتها، تتهم المغرب الجزائر بأنها تهدف من وراء دعم حركة البوليساريو الانفصالية إلى زعزعة استقرارها من دون وجه وحق، إذ تقر الجزائر أنه ليست لديها أطماع في الصحراء الغربية.
وتستضيف الجزائر جنوب غربي البلاد في مدينة "تندوف" مخيمات الصحراويين المنشقين عن المغرب، بمن فيهم قيادات الجبهة وجهازها العسكري والمدني.