يقول الخبراء إن التأخير في تنفيذ حظر بيع العاج في المملكة المتحدة يكلف الفيلة حياتها، مع استمرار الاتّجار الشرعي بالمنتجات المصنوعة من أنيابها.
فعلى الرغم من إصدار البرلمان قراراً بتعليق عمليات بيع العاج وشرائه قبل عامين، لا يزال التجار ودور المزادات إلى اليوم يستفيدون منها ويجنون الكثير بعدما باءت كل محاولات الحكومة إدخال القانون حيز التنفيذ بالفشل وتعرقلت بطعون قانونية، بالإضافة إلى بريكست والانتخابات العامة وجائحة فيروس كورونا.
ولا يخفى على أحد أن تجارة العاج هي أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض أعداد الفيلة البرية، لكن تحليل مبيعاتها في بعض دور المزادات الرائدة في بريطانيا – الذي اطلعت عليه "اندبندنت" – يكشف عن بيع أكثر من 6600 قطعة، بما فيها العاج في المزاد بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) من هذا العام.
وهذا مناف تماماً لقانون العاج الشهير الصادر عام 2018 الذي يحرم تداول هذه المادة لحماية فصيلة الثدييات المستخرجة منها من مغبة الصيد غير الشرعي الذي يعرضها لخطر الانقراض.
في حين رجحت تقديرات بيتر ماتيوز، وهو ناشط يتتبع أرقام المبيعات الصادرة على موقع متخصّص في المزادات، أن 229 دار مزادات حققت حوالى 850 ألفاً و550 جنيهاً إسترلينياً (أي حوالي 1.166 مليون دولار أميركي) في الأشهر الأربعة، أكدت تحقيقات أخرى أجرتها "اندبندنت" أن العاج لا يزال يباع بشكل شرعي، من تجار الأثريات عبر الإنترنت أو أفراد عاديين عبر "فيسبوك"، في بعض الحالات مقابل آلاف الجنيهات الإسترلينية.
تعليقاً على هذه الأرقام، أفاد هيو فيرنلي-ويتينغستول الذي أعد فيلماً وثائقياً عن تجارة العاج في 2016 "اندبندنت" بأن "التأخير في تفعيل القانون يعني أن الفيلة لا تزال تقتل ولا يزال هناك التباس حول ما هو قانوني وما هو غير قانوني بخصوص هذه التجارة، وهذا الأمر من شأنه أن يديم الفكرة القائلة إن العاج "ثمين" ويستحق أن نقدره ونزايد عليه، في المملكة المتحدة والعالم".
"وهذا من شأنه أن يشجع الصيادين غير الشرعيين على قتل الفيلة. وللتذكير فإن هناك وعداً انتخابياً لحزب المحافظين بحماية الحياة البرية، لكن لم يحدد بعد تاريخ تفعيل قانون الحظر".
"أعتقد أنه قد آن الأوان للتصعيد وتطبيق قرار الحظر ووضع حد نهائي لهذه التجارة المدمرة".
فإبان الشهر الماضي، طرح في المزاد العلني، عكاز يحتوي على تمثال نصفي أفقي من العاج، كان في ملكية قيصر بروسيا، وليام الثاني، بقيمة تقديرية تتراوح ما بين 18 ألفاً و22 ألف جنيه إسترليني (بين 24000 و30000 دولار أميركي تقريبا)، فيما وضع مجسم فيل ذات أنياب عاجية بقيمة تقديرية تتراوح ما بين 50 ألفاً و60 ألف يورو (أي حوالي 61000 و73000 دولار أميركي).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي يوليو (تموز)، بيع سكين أثري لقبيلة أفريقية مقابل 6 آلاف و400 جنيه إسترليني (حوالي 8700 دولار أميركي) في حين أن القيمة المقدرة له هي 80 جنيهاً إسترلينياً (أي حوالي 108 دولارات) فقط لا غير.
بين كل 10 قطع عرضت في أكثر من ألف جلسة بيع نظمتها دور المزادات خلال الصيف، كان هناك أكثر من سبع قطع من نوع العلب والحلى والتماثيل (المصنوعة من العاج). وبحسب التحليل، فقد بيعت كل المنحوتات اليابانية بأسعار عالية تفوق قيمتها التقديرية بأشواط.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) وحده، قدر السيد ماتيوز أن 100 دار مزادات حققت أرباحاً إجمالية بنحو 34 ألف جنيه إسترليني (حوالي 46000 دولار أميركي) ِ[من تجارة العاج] وقد بنى تقديراته على النشاط التجاري والعمولات.
وفي تحليله، أشار ماتيوز إلى أن 41 في المئة من المزادات شملت منتجات مصنوعة من العاج، 60 في المئة منها كانت غير شرعية بموجب قانون الحظر، على غرار حلى القرن السابع عشر التي بيعت لقاء 4 آلاف و200 جنيه إسترليني (5600 دولار أميركي تقريبا) في أكتوبر.
الشهر الفائت، باع أحد متاجر بيع الأثريات في هامبشاير تابوتاً مرصعاً بالعاج من القرن الثامن عشر ومجسماً من المادة نفسها لعربة يجرها حصان مقابل 3500 جنيه إسترليني (حوالي 4700 دولار) و2950 جنيهاً إسترلينياً (4000 دولار) على التوالي.
واستعان عدد من التجار الخاصين بمنصة "فايسبوك ماركت بليس" لبيع بعض القطع الفنية، بينها: تمثال منحوت بالكامل من العاج بقيمة 950 جنيهاً إسترلينياً (1300 دولار أميركي) في برمنغهام وقطعتان من خشب الورد والعاج بقيمة ألف جنيه إسترليني (2700 دولار) في سانت البانز في هرتفوردشاير ومصباح من العاج والعظام بقيمة 245 جنيهاً إسترلينياً (332 دولاراً).
استناداً إلى "الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF)، لا تزال الفيلة الافريقية تتعرض للقتل على يد صيادين غير شرعيين بمعدل 55 فيلاً في اليوم الواحد لتحول أنيابها إلى حلى أو مجوهرات، على الرغم من الحظر العالمي المفروض عبر الحدود الدولية منذ عام 1990.
وإن كان القانون البريطاني يتيح بيع الأثريات المحفورة أو المزينة بالعاج والعائدة إلى ما قبل العام 1947، على أساس أن القطع القديمة لا علاقة لها بالصيد غير المشروع للفيلة لا من قريب ولا بعيد. فالخبراء يؤكدون أن هذا الأعفاء في غير محله وقد استعمل على نطاق كبير للتغطية على تجارة العاج المستخرج من فيلة قتلت حديثاً؛ وهنا يأتي قانون العام 2018 لسد هذه الثغرة.
وفقاً للناشطين المناهضين للصيد غير المشروع، فإنه لا يسع الخبراء أن يميزوا دائماً بين عاج ما قبل 1947 وما بعده، وبالتالي من المستحيل على القانون (كما هو عليه الآن) أن يتتبع كل قطعة مباعة.
هذا ما يحصل بالفعل، حيث أظهر تقرير صادر عن مجموعة "المليونَي ناب" (Two Million Tusks) التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها وتحقق في تجارة العاج البريطانية وتضم أعضاء على شاكلة السيد ماتيوز، أن تسع قطع من أصل 10 بيعت في دور المزادات البريطانية عام 2017 لم تستوفِ الشرط القانوني بوجوب إثبات انتمائها إلى ما قبل العام 1947.
لكن بموجب قانون العاج الذي أقر وسط ضجة كبيرة من الوزراء الذين وصفوه بأنه "أحد أشد قوانين الحظر في العالم"، من غير القانوني بيعه أو شراؤه أو إقراضه إلا لمتحف معترف به.
في استطلاع للرأي ذي صلة، تبين أن 88 في المئة من البريطانيين يدعمون الحظر. لكن تجار الأثريات يعترضون عليه؛ وقد طعنوا به أمام المحكمة، فأصدرت محكمة الاستئناف قراراً بتأييد القانون في مايو (أيار).
هذا القرار طمأن المحافظين على البيئة، لكنه لم يهدئ من روع تجار الأثريات الذين يعتبرون أن حظراً شبه تام مجحف بحقهم، قد يخفض سعر صندوق عاجي صغير من مئات الجنيهات في الصيف إلى 10 جنيهات فقط بعد الحظر، مع العلم أن إمكان بيع وشراء قطع لا تحتوي على أكثر من 10 في المئة من المادة ستظل متاحة بموجب القانون إياه.
بالنظر إلى أرقام الصادرات، يتضح أن المملكة المتحدة صدرت العام الفائت وبموجب تصريح، 1931 قطعة للاستعمال التجاري، 17 في المئة منها كانت ستتجه نحو الصين و31 نحو روسيا.
في هذا الصدد، علق السيد فرنلي-ويتينغستول بالقول: "حين فتحنا تحقيقاً بتجارة العاج لبرنامج "أنقذوا فيلة أفريقيا" Saving Africa’s Elephants على قناة "بي بي سي"، اكتشفنا أن العاج "الأثري" القانوني يستخدم للتغطية على تجارة العاج المصطاد بطريقة غير شرعية وتأكدنا أن سوق الأثريات البريطاني – الذي يصدر ويستورد آلاف القطع كل عام – هو جزء لا يتجزأ من المشكلة".
وأضاف: لقد أقر قانون العاج ولكنه لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وهذا يعني بأن التجارة مستمرة من دون هوادة، مع انكباب الناس على الاستفادة مادياً من تحفهم قبل تفعيل الحظر".
أبان متحدث باسم "المليونَي ناب" أنه "من غير الأخلاقي أن تستمر دور المزادات في كسب المال. والظاهر من البيانات أن أياً منها لم يتخذ بعد أي سياسات أو إجراءات جديدة، ولم يخفض حتى عدد قطع التي يعرضها للبيع استعداداً لمرحلة تطبيق القانون".
إلى ذلك، لفت جايمس سوير، المدير الإقليمي لـ"الصندوق الدولي للعناية بالحيوان" IFAW في المملكة المتحدة قائلاً: "لقد رحبنا بقوة بإصدار قرار الحظر. لكن اليوم وبعد مرور عامين لا يزال أحد أقوى قرارات حظر العاج في العالم، غير نافذ. ومن ناحية أخرى، لا تزال الفيلة تتعرض للذبح – لأجل حلى ومنحوتات وقطع أخرى لا يحتاجها أحد".
"من الضروري أن نقيم اعتبارا للعاج على الفيلة الحية فحسب؛ وقد أظهر الزخم الهائل إزاء الحظر أن الغالبية الساحقة للرأي العام البريطاني توافق على ذلك. وفيما تتواصل تجارته على نحو قانوني، تستمر تجمعات الفيلة في الهلاك بطريقة غير شرعية"، أردف سوير.
© The Independent