رأى باحثون وعلماء تابعون لكلية لندن للصحة والطب المداري London School of Hygiene and Tropical Medicine في دراسة قاموا بها حديثاً نشرت مؤخراً، أنه قد ينبغي إغلاق المدارس لتلافي انتشار سلالة فيروس كورونا الجديدة.
وقد حذر الباحثون فيها، أيضاً، من أن سلالة الفيروس الجديدة، التي يعتقد أنها سببت طفرة كبرى في العدوى بمدينة لندن ومناطق جنوب شرقي انجلترا، ربما تقود إلى مزيد من الوفيات خلال 2021. والأمر هذا، بحسبهم، لا يعود إلى أن السلالة الطارئة أكثر فتكاً، بل لأنها قد تصيب المزيد من الناس، وبالتالي سوف يتعرض الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى لمعاناة أكبر جراء الفيروس، وسيحتاجون إلى دخول المستشفى بغية تلقي العلاج.
وفي الإطار ذاته، أعلنت هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS في بريطانيا أنها رصدت حالياً أعداداً كبيرة من مصابي كوفيد-19 في المستشفيات، حيث أفادت الفروع العاملة للهيئة في إنجلترا بأن العدد المسجل حالياً يقل فقط عن 1000 إصابة، مقارنة بالذروة خلال أبريل (نيسان) الماضي، والتي ناهزت آنذاك 18974 مصاباً.
كما استنتج الباحثون في دراستهم، التي نشروها تمهيداً لتقييمها من قبل خبراء استشاريين مستقلين، ما يلي: "ترى تقديراتنا أن التدابير الوقائية، مماثلة للإجراءات المشددة التي طبقت إبان الإغلاق الشامل في البلاد خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لن تقلص الانتشار الواسع لسلالة الفيروس الجديدة إلى ما دون الـ 1(أي أنه لكل 100 مصاب، هناك أكثر من 100 آخر ستنتقل إليهم العدو) إلا إذا أغلقت المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات. إذ إننا نتوقع عودة مرجحة وكبيرة للفيروس بعد تخفيف تدابير الوقاية والسيطرة. وقد يكون من الضروري، إلى حد كبير، تسريع عمليات التطعيم كي نحظى بتأثير ملموس في جهود كبح الأعباء المرضية الناتجة من الفيروس".
في سياق متصل، كانت الحكومة البريطانية تحرص على إبقاء المدارس مفتوحة إبان الإغلاق الوطني، إذ بدا الأطفال آنذاك أنهم أقل عرضة للإصابة بالفيروس، كما أظهر بعض الدراسات أن العدوى في المدارس عكست معدلات العدوى ذاتها في الأوساط السكانية المحيطة أو المجاورة. بيد أن السلالة الجديدة من الفيروس اليوم قد تفرض تغييراً في هذه الحسابات، بعد ما أظهرت البيانات تسجيل معدل أكثر ارتفاعاً للإصابات بأوساط من هم تحت سن الـ 15. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع حذر نيل فيرغيسون من أن يكون الفيروس بسلالته الجديدة قد حظي بـ"فكرة" تمكنه من تحسين أدائه وعدواه تجاه الأطفال، بفضل التغييرات الجينية التي تعني أنه بات أكثر قدرة على التشبث بالخلايا البشرية.
وبالنسبة إلى الدراسة الجديدة، اعتمدت نموذجاً حسابياً رياضياً لتقصي انتشار فيروس كوفيد-19 ورصد تواتر ظهور سلالته الجديدة في أنحاء لندن ومناطق شرق وجنوب شرقي إنجلترا. وقد وجدتْ أن الفيروس بسلالته الجديدة بدا أكثر قدرة على الانتقال، بمعدل بلغ 56 في المئة. وهذا الرقم الأخير يمثل معدلاً وسطياً لتقدير أدنى حُدد بـ 50 في المئة، وتقدير أعلى حُدد بـ 74. وذكر الباحثون في دراستهم "لم نتمكن من العثور على دليل واضح بأن السلالة الجديدة تؤدي إلى مرض أشد تفاقماً أو أقل وطأة، مقارنة بما تؤدي إليه أنواعه الموجودة أصلاً. إلا أن التزايد في قابلية الانتشار وإمكان الانتقال، من شأنه، على الأرجح، أن يقود إلى زيادة كبيرة في التفشي، إذ يُتوقع بلوغ معدلات الدخول إلى المستشفى والوفيات نِسباً أعلى في سنة 2021، مقارنة بما شهدناه 2020. وهذا قد يحصل حتى لو حُوفظ على التدابير والقيود المتدرجة التي طبقت قبل 19 ديسمبر (كانون الأول)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحددت الدراسة، في الإطار عينه، عدداً لسيناريوهات تدابير "الدرجة 4" في أنحاء إنجلترا تدوم حتى 31 يناير (كانون الثاني)، ويفرض أحدها إبقاء المدارس والجامعات مغلقة لغاية 31 يناير. وكتب الباحثون في الدراسة: "وجدنا أنه بغض النظر عن محاكاة تدابير السيطرة التي كانت معتمدة، فإن جميع المناطق التي تعمل فيها "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS تبقى معرضة لموجة لاحقة من إصابات كوفيد-19 وحالات الوفيات الناتجة منها، على أن تبلغ ذروتها في ربيع 2021 بالنسبة للندن وشرق وجنوب شرقي إنجلترا، وفي صيف 2021 بالنسبة لبقية أنحاء البلاد".
وتابع الباحثون: "وقد يساهم إغلاق المدارس خلال يناير 2021 في تأجيل الذروة وتقليص المعاناة العامة على المدى القريب. لكن تطبيق تدابير أكثر صرامة اليوم، والتخلي عنها لاحقاً في فبراير (شباط) 2021، من شأنه أن يقود إلى طفرة أكبر في الإصابات، خصوصاً في المناطق التي بقيت حتى الآن أقل عرضة وتأثراً من غيرها. غير أن تلك التدابير المساهِمة في التأجيل، يمكنها منحنا بعض الوقت لتحقيق المزيد من المناعة في المجتمع عن طريق التطعيم. إذ إن انتشار اللقاح قد يؤدي إلى تخفيف العدوى والحد من انتقال الفيروس، على الرغم من أن تأثير تطعيم 200 ألف شخص في الأسبوع – المقدار المماثل للمعدلات التي وُصل إليها في ديسمبر (كانون الأول) 2020 – قد يمثل معدلاً ضئيلاً نسبياً".
ورأت الدراسة في هذا السياق أن تطعيم 2 مليون شخص في الأسبوع مثل السيناريو الوحيد الذي قلص من عبء المستشفيات وغرف الانعاش، وجعل مستويات إشغالها دون المستويات التي سجلت خلال الموجة الأولى من الجائحة.
كما قدرت الدراسة أن غرف الإنعاش في المستشفيات وفي ظل تدابير بين الدرجتين 1 و3 فقط، سوف تبلغ ذروة 4750 مريضاً، أي أكثر بـنسبة 162 في المئة منها إبان موجة الفيروس الأولى. وبالتالي سيكون هناك 118 ألف وفاة و426 ألف حالة دخول إلى المستشفى مع حلول 30 يونيو (حزيران). وفي ظل تدابير الدرجة 4 وإبقاء المدارس مفتوحة، سيكون هناك 107 آلاف وفاة و394 ألف حالة دخول إلى المستشفى، وسيبلغ عدد المرضى في غرف الإنعاش في مرحلة الذروة أكثر من 3310 أشخاص. أما في ظل تدابير الدرجة 4 والمدارس مغلقة، فإن المعادلة الحسابية المعتمدة تقدر بلوغ عدد الوفيات 102 ألف وفاة في 30 يونيو. لكن مع تحقيق 2 مليون طعم في الأسبوع فإن عدد الوفيات قد يهبط إلى 35700 شخص.
ويضيف الباحثون في دراستهم الجديدة "نلاحظ أنه حتى الدرجة 4 من التدابير، المترافقة مع إغلاق المؤسسات التعليمية، هي أقل صرامة من التدابير التي فرضت في مارس (آذار) 2020. لذا من المحتمل أن نكون بحاجة إلى تدابير وقيود تتخطى الدرجة 4". بيد أن العلماء الذين أجروا الدراسة أقرّوا بوجود أوجه عدم يقين تجاه توقعاتهم، كونهم لم يحدّدوا معدلات العدوى ضمن المستشفيات أو دور الرعاية، والتغييرات في معدل الوفيات الناتجة من الفيروس، التي انخفضت خلال سنة 2020 وقد تنخفض أكثر، أو قد تزيد، إن تعرّضت هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS للاستنزاف. وأشار الباحثون في الختام إلى أن النموذج الذي اتّبعوه تضمن خيارات يمكنها تبديل النتائج، وأن بعض المسائل، مثل قابلية الأطفال على الإصابة بالسلالة الجديدة من الفيروس، ما زالت قيد البحث والتدقيق.
© The Independent