على وقع ارتفاعات حادة في أعداد الإصابات بوباء كورونا في بريطانيا، تكافح مستشفيات المملكة المتحدة جاهدة لمواكبة تطورات الجائحة، وسط مخاوف من عدم قدرة بعضها في مناطق متفرقة من البلاد، على استيعاب تلك الزيادة.
وفي أحدث إحصاءاتها الرسمية، سجّلت بريطانيا رقماً قياسياً جديداً للإصابات اليومية تجاوز الـ 40 ألفاً، في ظل انتشار سلالة جديدة من الفيروس. وقالت بوابة إحصاءات كورونا الحكومية البريطانية، أمس الإثنين، إنها سجلت 41385 إصابة جديدة، و357 وفاة، وهو ما اعتبرته المديرة الطبية في الصحة العامة بإنجلترا، إيفون دويل، "مستوى مرتفعاً من الإصابات، يثير قلقاً متزايداً في وقت تشهد فيه المستشفيات أضعف حالاتها".
قدرة المستشفيات على المحك
على الرغم من تأكيد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ومستشاريه العلميين، أن سلالة كورونا الجديدة المتحورة تنتشر بوتيرة سريعة داخل البلاد، مستبعدين أن تكون أشد فتكاً من السلالة المعروفة، فإن عبء الانتشار السريع للوباء في البلاد يمثل تحدياً أمام المستشفيات الإنجليزية، وسط ترجيحات بأن تكون الأرقام الحقيقية أعلى، لأن بعض المناطق في بريطانيا لا تبلغ عن بيانات خلال عيد الميلاد.
وبحسب ما نقلت صحيفة "اندبندنت" البريطانية، فإن مستشفيات بريطانيا تهرع بحثاً عن مساحة مع تزايد مرضى كورونا، موضحة، أن المستشفيات البريطانية باتت تلغي التدابير غير العاجلة، وتسعى جاهدة إلى إيجاد مساحة شاغرة لمرضى الوباء، في حين تستمر حالات الإصابة بفيروس كورونا في التزايد على الرغم من القيود الجديدة الصارمة المفروضة للحد من انتشاره بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الرئيس السابق لجمعية الطب، نيك سكريفن، أمس الإثنين، إن العدد المتزايد من المرضى في المستشفيات "مقلق للغاية". مضيفاً، "مع اقتراب الأرقام من الذروة المسجلة في أبريل (نيسان) الماضي، ستعمل الأنظمة بالطاقة القصوى مرة أخرى".
وتُلقي السلطات البريطانية باللوم على سلالة جديدة من فيروس كورونا في تزايد معدلات الإصابة بلندن وجنوب شرق إنجلترا. واستجابة لذلك، وضعت السلطات رقعة من إنجلترا تضم 24 مليون شخص تحت قيود، تتطلب إغلاق المتاجر غير الضرورية، وسمحت للمطاعم والحانات بالعمل في الخارج فقط. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحالات الوافدة الى المستشفيات لمرضى كورونا في جنوب شرق إنجلترا تقترب أو تتجاوز المستويات التي شوهدت في الذروة الأولى لتفشي المرض.
وتظهر الأرقام الحكومية أن 21286 شخصاً أودعوا المستشفيات بسبب فيروس كورونا في جميع أنحاء المملكة المتحدة في 22 ديسمبر (كانون الأول)، آخر يوم تتوفر عنه البيانات، وهذا الرقم يقل بقليل عن نظيره المرتفع البالغ 21683 من مرضى كورونا الذين جرى تسجيلهم في مستشفيات المملكة المتحدة في 12 أبريل (نيسان).
من جانبها، قالت رئيسة الكلية الملكية لطب الطوارئ، الطبيبة كاثرين هندرسون، "من المحتمل أن نتأقلم، لكننا نتحمل كلفة ليست بقدر ما كنا نأمل به، وهو القدرة على استمرار الأنشطة غير المتعلقة بكورونا".
بدوره، قال وزير الدولة مايكل غوف، إنه قد يتعين وضع مزيد من مناطق إنجلترا في أشد مستويات القيود صرامة، إذا لم تنخفض أعداد حالات الإصابة. كما نفذت اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية تدابير إغلاق قوية. وسجلت بريطانيا بالفعل أكثر من 70 ألف حالة وفاة بين المصابين بالفيروس، وما يربو على 2.3 مليون حالة إصابة، وهي من أعلى الخسائر في أوروبا.
خدمة الإسعاف في أزمة
على وقع تسارع انتشار الوباء في المملكة المتحدة، قالت خدمة الإسعاف في لندن إنها تعاملت مع أكثر من 400 مكالمة في الساعة، وحثت الناس على الاتصال بالرقم (999) فقط في حالات الطوارئ.
ووفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تلقت خدمات الإسعاف والطوارئ 8 آلاف مكالمة يوم 26 ديسمبر، ليتساوى مع المكالمات التي سجلت في 16 مارس (آذار)، مع ذروة انتشار الفيروس في الموجة الأولى، موضحة أن مدة انتظار فرق الإسعاف التي وصلت إلى أحد مستشفيات لندن بلغت نحو ست ساعات، قبل أن يتمكنوا من تسليم المرضى إلى طاقم المستشفى المجهد.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية نقلاً عن أحد المسعفين قوله إن بعض المرضى عولجوا في سيارات الإسعاف بسبب نقص الأسّرة، مشيرة إلى أن الطلب المتزايد يرجع إلى "الانتشار السريع للسلالة الجديدة للفيروس".
وقالت نائب الرئيس التنفيذي لمقدمي خدمات النظام الصحي، سافرون كودري، إن المستشفيات في لندن وجنوب إنجلترا تتعرض لـ "ضغط حقيقي" بسبب كورونا وظروف أخرى، فضلاً عن غياب الموظفين. وتابعت، "يجب أن يدرك الجمهور أن هذه واحدة من أكثر الأوقات تحدياً لهيئة الخدمات الصحية الوطنية".
ويوجد في العاصمة لندن أعلى معدل إصابة بفيروس كورونا في أي منطقة في بريطانيا، إذ بلغ 794.6 حالة لكل 100 ألف شخص خلال الأيام السبعة الماضية. كما شهدت تسع من كل 10 سلطات محلية في إنجلترا ارتفاعاً في حالات الإصابة بفيروس كورونا خلال الأيام السبعة حتى 23 ديسمبر.
نحو تطعيم مليوني شخص أسبوعياً
في الأثناء، خلصت دراسة أجرتها كلية لندن للصحة والطب الاستوائي إلى أنه ينبغي على بريطانيا تطعيم مليوني شخص أسبوعياً لتفادي حدوث موجة ثالثة من تفشي فيروس كورونا.
وقالت الدراسة، "السيناريو الوحيد الذي نراه لتخفيف العبء في وحدات العناية المركزة وقت الذروة إلى ما دون مستويات الموجة الأولى هو تطبيق قواعد المستوى الرابع في جميع أنحاء إنجلترا، وإغلاق المدارس خلال يناير (كانون الثاني)، وتطعيم مليوني شخص أسبوعياً".
وتابعت، "في ظل غياب طرح ملموس للقاح، فإن الإصابات وأعداد من يدخلون المستشفيات ووحدات العناية المركزة والوفيات في 2021 ستتجاوز مثيلاتها في 2020".
ورداً على الدراسة، قال متحدث وزارة الصحة، وفق ما نقلت عنه وكالة "رويترز"، إن "معدل التطعيم سيزيد خلال الأسابيع والشهور المقبلة، إذ ستصبح ملايين الجرعات متاحة، وسيستمر اتساع نطاق البرنامج". كما قالت الحكومة البريطانية إنها نجحت في تأمين 357 مليون جرعة لقاح عبر اتفاقات مع شركات مصنعة عدة.
وكانت تقارير إعلامية ذكرت مطلع الأسبوع أن بريطانيا ستبدأ توزيع اللقاح الذي ابتكرته جامعة "أكسفورد" بالتعاون مع شركة "أسترا زينيكا" بدءاً من الرابع من يناير (كانون الثاني)، إذ من المتوقع الحصول على موافقة الجهات التنظيمية في غضون أيام. وقالت الحكومة البريطانية الخميس الماضي، إن 600 ألف شخص في المملكة المتحدة تلقوا الجرعة الأولى من لقاح "فايزر-بيونتيك" منذ بدء التطعيم.