يقضي الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، نهاية العام في عزلة وغضب، فيما تخيم المرارة على أواخر عهده الوحيد.
ففي آخر عطلة يقضيها في منتجعه في مارالاغو بولاية فلوريدا كرئيس للولايات المتحدة، يبدو ترمب منطوياً على نفسه وغاضباً، وكأنه تخلى عن أية محاولة لممارسة الحكم في آخر ثلاثة أسابيع متبقية له، غير أنه يرفض في الوقت نفسه التخلي عن موقعه تحت الأضواء.
ويقضي الرئيس الذي لا يزال يرفض تقبل هزيمته أمام الديمقراطي جو بايدن بعد نحو شهرين على الانتخابات الرئاسية، أيامه في شمس فلوريدا بين لعب الغولف وصب غضبه في رشقات من التغريدات، فيوزع الضربات ويمطر الشتائم على دائرة واسعة من الخصوم، تخطت أهدافه التقليدية كالإعلام والديمقراطيين.
فالمحكمة العليا التي عين بنفسه ثلاثة من قضاتها التسعة، هي بنظره "عديمة الكفاءة وضعيفة"، فيما أقطاب حزبه الجمهوري "يثيرون الشفقة"، وحاكم جورجيا الجمهوري مجرد "كارثة حقيقية". أما مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل، فـ "لم يقوما بعملهما"، في حين أن مقالات صحيفة "وول ستريت جورنال" ببساطة "مملة وغير متماسكة".
مشهد لا يشبه ما سبقه
واللافت أن ترمب لم يتبادل أي كلام مع مجموعة الصحافيين العشرة تقريباً، التي ترافقه في كل تنقلاته.
وهذا يناقض كثيراً الوضع الذي كان سائداً خلال السنوات الأربع الماضية، التي أبدى خلالها رغبة كبيرة في التواصل مع الإعلام.
فغالباً ما بادر الصحافيين بنفسه عند أسفل أدراج الطائرة الرئاسية أو على بساط أحمر أو خلال مراسم، مستدرجاً الأسئلة وطالباً الحديث، في تباين تام مع عزلته بنهاية العام 2020.
فالذي درج على الجلوس أمام عدسات المصورين رافعاً مرسوماً أو قانوناً وقّع عليه، امتنع الأحد عن الظهور للإعلام حين وضع توقيعه على خطة دعم الاقتصاد.
ويبدو هذا الموقف لافتاً، لا سيما وأن الخطة البالغة قيمتها 900 مليار دولار وتتضمن مساعدات للأسر والشركات الصغرى، حظيت بأصوات الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، في بادرة نادرة في الكونغرس، وكانت تنتظر بترقب شديد في البلاد.
غير أن التوقيع الرئاسي طال انتظاره كثيراً، إذ تمنّع ترمب وندد بالنص، قبل أن يرضخ أخيراً ويوقعه من دون الحصول على أي تنازل من الكونغرس.
والذكرى الوحيدة التي ستبقى عن هذه العطلة الرئاسية الأخيرة هي صور التقطت له من بعيد، يظهر فيها يلعب الغولف مرتدياً قميصاً أبيض وعلى رأسه قبعة حملته الانتخابية الحمراء، وعليها شعاره "لنجعل أميركا عظيمة من جديد".
العمل "بلا كلل"
وعلى الرغم من ذلك، أكد البيت الأبيض في برنامجه الرسمي الذي لم يتضمّن أي حدث عام، أن الرئيس سيواصل العمل "بلا كلل" من أجل الأميركيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحرصت الإدارة الأميركية على التوضيح في صيغة غير معهودة أن "جدول أعماله سيتضمن عدداً من اللقاءات وكثيراً من الاتصالات الهاتفية".
وفي وقت تواجه الولايات المتحدة على غرار عدد من الدول الأخرى فورة من الإصابات بوباء "كوفيد-19"، لم يتفوّه ترمب بكلمة واحدة عن الأزمة الصحية ووطأتها الاجتماعية والاقتصادية، مكتفياً بالتنديد بالولايات وتحميلها مسؤولية تأخير توزيع اللقاحات.
وفي الأثناء، تتزايد أعداد الوفيات، حيث سجلت الولايات المتحدة الأربعاء في اليوم ما قبل الأخير من عطلة ترمب في فلوريدا، 3927 وفاة خلال 24 ساعة، في حصيلة غير مسبوقة حتى الآن.
وبعدما تخلى ترمب في اللحظة الأخيرة عن قضاء ليلة رأس السنة في مارالاغو، ينتظر وصوله إلى واشنطن بعد ظهر الخميس.
الفترة المتبقية
وتبقى للرئيس 20 يوماً في البيت الأبيض، تثار خلالها تساؤلات عدة، مثل ماذا سيفعل؟ وهل يبدل أخيراً موقفه في الشوط الأخير من ولايته ويحضر مراسم تنصيب جو بايدن في 20 يناير (كانون الثاني)؟
لا أحد يجازف بإطلاق التكهنات، ولكن بوادر الدعم للرئيس المنتهية ولايته تتراجع يوماً بعد يوم، فزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أحد الرجال الأكثر نفوذاً في واشنطن، أقرّ بفوز بايدن. ثم أفاد بوضوح خلال الأيام الأخيرة في سياق مناقشة خطة المساعدات للأسر، بأن طلبات الرئيس لم تعد من ضمن أولوياته.
لكن الضربة القاضية جاءت من صحيفة "نيويورك بوست" التي قدمت دعماً ثابتاً لترمب على مدى أربع سنوات، كافأها عليه بالمديح والثناء، إذ دعته أخيراً إلى تخطي "غضبه جراء هزيمته" في الانتخابات.
وصدرت الصحيفة بصفحة أولى لا تقبل اللبس، إذ عنونتها "سيّدي الرئيس... أوقف هذا الجنون".