في أول نشاط له بعد عودته من ألمانيا، حيث مكث شهرين للعلاج، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قانون المالية 2021، في خطوة تؤكد أهمية الوثيقة التي أوشكت على تجاوز أجل توقيعها المقرر في 31 ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة، ليبدأ تطبيقها بحلول العام الجديد، بعد أن صادق البرلمان بغرفتيه على القانون منذ نحو 45 يوماً.
ووقعت الميزانية في ظل انخفاض مداخيل النفط، وعجز قياسي بمقدار 22 مليار دولار، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وتهاوي قيمة العملة المحلية (الدينار).
وتوقعت الحكومة إيرادات بنحو 43.31 مليار دولار في 2021، ونفقات بقيمة 65.95 مليار، ما يدفع العجز للوصول إلى 22.6 مليار، أي ما يعادل 13.57 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وانخفاض في احتياطي النقد الأجنبي إلى أقل من 47 ملياراً.
واعتمدت الموازنة الجديدة على توقعات باستقرار سعر برميل النفط عند 40 دولاراً، والسوق عند 45 دولاراً، وسط مؤشرات بنسبة نمو 3.98 في المئة خلال 2021، مع ارتفاع حجم الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات 2.42 في المئة، و3.37 في المئة خلال 2022، ليصل إلى 3.81 في المئة عام 2023. وحول صدى الموازنة وعجزها ومستقبل الاقتصاد الجزائري نرصده في التقرير التالي.
مواجهة الأمر الواقع
يقول المحلل الاقتصادي مراد ملاح، إن الرئيس والحكومة اختاروا "مواجهة الأمر الواقع"، وتصوير الوضع الاقتصادي والمالي في البلد على حقيقته، من حيث عجز الموازنة التاريخي. متوقعاً أن تشدد الحكومة إجراءات التحصيل الجبائي ومحاربة التهرب الضريبي. مشيراً إلى تصريح وسيط الجمهورية حول تفشي الرشوة في الإدارة الجزائرية، وهو ما يضع الحكومة أمام حتمية "محاربة الفساد وتبديد الأموال العمومية".
ويتساءل ملاح، هل ستحقق هذه المقاربة التي يعول عليها كثيراً الرئيس تبون في خلق الثروة، ومناصب الشغل وتحقيق الاكتفاء على الأقل مناطقياً، والوصول إلى موارد مالية إضافية؟ لافتاً إلى أن 2021 سيكون "عام الحقيقة". وموضحاً أن الحكومة التي أبانت عن عجز وبطء في تطبيق الإجراءات والتدابير لمواجهة تداعيات كورونا ستكون مهمتها أصعب في تسيير موازنة 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحذر المحلل الاقتصادي، "إذا استمرت البيروقراطية وتدهور الخدمات وتفشي الرشوة والمحسوبية، فإن مخاوف الغليان الاجتماعي تتوسع". لافتاً إلى حادثة رش البنزين على رئيس إحدى بلديات محافظة باتنة وحرقه بعد ذلك.
وعلى الرغم من المشهدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يبدوان معقدين في رأي ملاح، فإنه يعتقد أن "الواقعية" التي يتبناها الرئيس تمثل بارقة أمل للنجاة من الأوضاع الحالية.
وتوقع وزير المالية الأسبق عبد الرحمن بن خالفة، أن تُحصل 20 مليار دولار على الأقل من الكتل النقدية الموجودة خارج التداول الرسمية. مشيراً إلى أنه أمام الحكومة عدة بدائل لمواجهة عجز الموازنة مع مرافقتها بإصلاحات جذرية تمتد في الزمن، وليس بحلول نقدية ظرفية.
وأوضح بن خالفة، إن للحكومة هامشاً للتحرك يمتد لـ 14 أو 15 شهراً بالنظر إلى مستويات احتياطيات النقد الحالية، التي تقارب 50 ملياراً، وعليه فإن 2021 ستكون صعبة، لكنها ليست سوداء.
38 حساباً خاصاً
ووصف أستاذ الاقتصاد عبد القادر بريش، عجز الموازنة بـ"الكبير". مرجعاً الأمر إلى الظرف الاقتصادي والمالي العالمي، وتأثيراته في الاقتصاد الجزائري، وتراجع الجباية البترولية نتيجة انخفاض أسعار النفط 50 في المئة، إضافة إلى زيادة مستوى النفقات العمومية.
وقال بريش، إن مستوى العجز يمكن تغطيته من خلال عملية تطهير وإغلاق 38 حساباً خاصاً، وكذا الفارق بين سعر البترول المحدد بـ40 دولاراً، والسعر الحقيقي الذي يتجاوز حالياً 51 دولاراً للبرميل، ويمكن ارتفاعه إلى 55 دولاراً كمتوسط لسنة 2021، في ظل مؤشرات تعافي الاقتصاد العالمي مع إيجاد لقاح كورونا.
وأضاف، في ما يتعلق بالحسابات الثمانية والثلاثين، فهي مفتوحة على مستوى الخزانة، إذ تجمعت فيها مبالغ كبيرة ولم تُصرف، ويمكن استرجاعها وتغطية جزء كبير من عجز الميزانية لعام 2021. موضحاً أن هذه الحسابات "لم تكن تخضع لضوابط الشفافية والرقابة"، وكان للوزراء صلاحيات واسعة للتصرف فيها.
ويتوقع بريش أن تكون 2021 مثقلة بتبعات الصعوبات التي شهدتها 2020، لكنه يستدرك، "ستكون هناك انفراجة بعد التعافي من كورونا، وعودة النشاط الاقتصادي".