طوت بريطانيا نحو نصف قرن من التكامل الأوروبي ودخلت، الجمعة، مع حلول عام 2021 مرحلة جديدة بعد إنجاز خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبي من دون أن تظهر عراقيل بشكل فوري في انتظار ما ستحمله الأسابيع المقبلة.
ووعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المهندس الرئيس لـ"بريكست" في مقابلة مع "ديلي تلغراف"، "بعام حافل بالتغيير والأمل" بعد أربع سنوات ونصف سنة على استفتاء 2016 الذي أحدث انقسامات في بريطانيا، مشيداً باتفاق التبادل الحر الذي أبرم عشية عيد الميلاد مع بروكسل.
وقال جونسون، إن "فرصاً لتحويل" البلاد سيوفرها "بريكست" مع التوقف عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي بانسحابها من السوق الموحدة الأوروبية والاتحاد الجمركي.
وعند الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش (منتصف ليل الخميس الجمعة في بروكسل) وعلى وقع ساعة بيغ بن، أصبح "بريكست" واقعاً بمفعول كامل بعد ما خرجت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، لكنها اعتمدت مرحلة انتقالية لتخفيف تبعات هذا القرار.
وصباح الجمعة، ومع إبحار أولى العبارات باتجاه فرنسا بقي الهدوء مسيطراً على مرفأ دوفر الإنجليزي من دون أن يشهد اختناقات كان يُخشى حصولها بعد خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي واعتماد معاملات جديدة على جانبي بحر المانش.
وسلكت نحو 200 شاحنة النفق تحت المانش ليلاً "من دون أي مشكلة" رغم إعادة فرض المعاملات الجمركية، وفق ما أكدت شركة "غتلينك" المشغلة للنفق. وقام سائق الشاحنة الروماني ألكسندرو ماريسي بالرحلة من فرنسا ووصل إلى دوفر، فجراً، مع شاحنة محملة 23 طناً من الطماطم المغربية.
وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية "الوضع طبيعي بالكامل. في أي حال كم شخص تعرفونه يعمل في عيد رأس السنة؟ لا نعرف كيف ستتم الأمور في المستقبل"، مشيراً إلى أنه ليس على بينة بالمعاملات الجديدة التي اعتمدتها السلطات البريطانية للعبور إلى جنوب إنجلترا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع أن الاتفاق التجاري الذي أبرم مع بروكسل لا ينص على نظام حصص أو رسوم جمركية ويتجنب العواقب المدمرة التي كانت ستحصل في حال عدم التوصل إليه، إلا أن التغير فعلي. فحرية التنقل التي تشمل حركة السلع والأشخاص من دون عراقيل عند الحدود توقفت باستثناء التنقل بين إسبانيا ومنطقة جبل طارق البريطانية، وكذلك بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.
وبات من الآن فصاعداً يتعين ملء بيانات جمركية والخضوع لعمليات تفتيش صحية للتصدير عبر المانش، والحصول على بطاقة إقامة من أجل الاستقرار على الضفة المقابلة وشهادة صحية للكلاب والقطط التي تنقل مع أصحابها إلى دول الاتحاد الاوروبي.
وعلى الرغم من هذه القيود الجديدة، وعد جونسون مواطنيه بمرحلة جديدة زاخرة بالوعود وبمكانة أقوى في العالم لبريطانيا بصفتها رائدة في التبادل الحر.
وكتب في تغريدة أنه مع ترؤس بريطانيا مجموعة السبع وتنظيم مؤتمر الأطراف السادس والعشرين حول المناخ سيكون عام 2021 "سنة مهمة جداً" لإشعاع المملكة المتحدة.
وأبرمت لندن اتفاقات تجارية مع نحو ستين دولة بينها اليابان لكن التسوية التي كانت ترغب بها مع الولايات المتحدة قد تتعثر مع مغادرة دونالد ترمب السلطة ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
غير أن البلاد تواجه تحديات كبرى وخصوصاً الانتشار المتسارع للوباء الذي تسبب في وفاة أكثر من 73,500 شخص، وهي حصيلة بين الأسوأ في أوروبا، إضافة إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثة عقود.
وينبغي على جونسون أيضاً طي صفحة فصل عاصف قاده إلى أعلى منصب سياسي في البلاد، لكنه أدى إلى انقسامات في صفوف البريطانيين. وتصدعت وحدة البلاد، إذ إن إيرلندا الشمالية واسكتلندا صوتتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.
وإذا كان الهدوء عم البلاد، الجمعة، فإن العراقيل المحيطة بالموانئ متوقعة مع استئناف النشاط الكامل الأسبوع المقبل، وخصوصاً إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ حركة المرور وتؤدي إلى تشكل طوابير شاحنات.
وقد يشهد ميناء هوليهيد الرئيس في ويلز بالقرب من إيرلندا "عمليات تأخير في الأسابيع المقبلة"، كما حذر مركز الإعلام لحركة النقل البري في ويلز على "تويتر". ورفض دخول ست شحنات، الجمعة، لأنها لا تستوفي الشروط.
وقال وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفني في حديث مع هيئة "بي بي سي"، "سيتعرض التبادل التجاري البالغة قيمته 80 مليار يورو من الآن فصاعداً لعراقيل عبر بحر إيرلندا بين بريطانيا وإيرلندا بسبب الضوابط والتصاريح والبيروقراطية والكلفة والتأخر".
وأعربت جمعية لشركات النقل في إيرلندا عن قلقها من تسجيل "فوضى" في الأسابيع المقبلة في المرافئ.
وخلافاً للاتحاد الأوروبي قررت الحكومة البريطانية اعتماد عمليات تدقيق جمركي تدريجية لن تشمل كل السلع إلا اعتباراً من يوليو (تموز).
ويوفر الاتفاق لبريطانيا إمكان الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضم 450 مليون مستهلك، من دون رسوم جمركية أو نظام حصص. لكن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنب أي منافسة غير عادلة في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.