لم تبدأ هذه السنة من عمر السوريين كما يشتهون بعد ما أطل شبح أكثر التنظيمات المتشددة برأسه مستهدفاً حافلة ركاب هي الثانية في أقل من أسبوع أودت بحياة تسعة بينهم طفلة، وأربعة جرحى بهجوم لتنظيم "داعش" على ثلاث حافلات واحتراق صهريج بالقرب من وادي العذيب على طريق أثريا – الرقة.
الاستهداف الجديد يعيد إلى الذاكرة الأساليب القتالية في بداية الحرب حتى قبل زوال ما يسمى دولة الخلافة، ومؤشراً جديداً على عودةٍ أكثر زخماً له عقب خسارته القاصمة في آخر معاقله (الباغوز) بريف دير الزور، شمال شرقي البلاد 2018، فيما فضلت فلوله الاحتماء بالبادية خلال السنتين الماضيتين، ويجافي حقيقة سقوطه نهائياً.
من جهته، أعلن محافظ حماة محمد طارق كريشاتي حصيلة الاعتداء، منوهاً إلى "نقل بقية الركاب نحو منطقة آمنة، مساء أمس، مع إسعاف المصابين في مستشفى سلمية القريب من الحادثة"، في حين لم يعلن بعد "داعش" الذي ينشط على امتداد هذه البقعة مسؤوليته عن الاعتداء، بينما تبنى استهدافاً قبل انصرام العام الماضي بيوم واحد لحافلة.
الصحراء ولعبة التخفي
في غضون ذلك، يستغل داعش البادية السورية، مستفيداً من العامل الجغرافي والتضاريس وامتداد الصحراء (80 ألف كيلومتر)، بصفتها تربط بين سبع محافظات وتصلها ببعضها، وهي دير الزور وحماة والرقة وحمص وحلب وريف دمشق والسويداء.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية رصدت حركة حسابات تمول التنظيم بما يقارب 300 مليون دولار، كما أن اعتماده على الخلايا النائمة يؤمن له تشكيلاً جديداً لصفوفه القتالية، مما يمده بالعتاد والغذاء.
في هذ السياق تحدث مصدر ميداني لـ "اندبندنت عربية"، عن استخدام "داعش" لحرب العصابات، وهي الضربات الموزعة والمتفرقة، مستخدمين أسلحة خفيفة ومتوسطة، عدا عن المتفجرات، كما يستغلون في الوقت ذاته عناصر تتبع لهم على دراية بمداخل وطرق البادية ومخارجها، كما يلعب عامل الطقس والرياح الرملية قدرة على التحرك والتخفي، مما يشكل له الملاذ الآمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حيال ذلك تنتظر الأوساط الشعبية رداً روسياً قاسياً للتنظيم، وسط ترجيحات واسعة من استخدام أحدث الطائرات لتعقب فلوله في البادية والإجهاز على الكوادر التي بدأت برص صفوفها من جديد، علاوة على استهداف التنظيم المتشدد أو ما يطلق عليه حراس الدين لقاعدة روسية في الشمال الشرقي، بسيارة مفخخة.
ولعل اشتعال الموقف يدفع موسكو بالتفكير جدياً بالدفع نحو عملية عسكرية جديدة تشبه عملية "الصحراء البيضاء" في أغسطس (آب) الماضي لمكافحة ما تبقى من أفراد التنظيم.
ويرى مراقبون أن عودة داعش مرتبط بانشغال الخصوم بحروب ومعارك في الشمال والشمال الشرقي، لكن في المقابل يجدون من المبالغة الحديث عن عودة تشبه فترة ما قبل أفوله لأسباب تتعلق بضعف التنظيم، المتوقع زواله ضمن أقرب تسوية أو حل سياسي ينهي الصراع.
البيادق المنتهية الصلاحية
من جهته، يرى الباحث السوري في مجال الجماعات المسلحة، عمر رحمون، أن الأحداث المتلاحقة منذ نهاية العام إلى اليوم تشي بتطورات جديدة، فنحن "على اعتاب مرحلة جديدة قد يتم استرجاع كل البيادق منتهية الصلاحية للواجهة لإعادة استثمارها من جديد".
ويرجح الباحث رحمون، الذي عمل لمدة طويلة في مجال المصالحات الوطنية، أنه قد يُطلق داعش لتحقيق ما لم يتم تحقيقه سابقاً، في حين "أعلنت تركيا عزمها إنهاء قسد والذي يشكل خطراً على أمنها القومي، ونحن أمام خطر تركي حقيقي على عين عيسى وعين العرب ومنبج".
وأضاف "استهداف الحافلات وكذلك القاعدة الروسية في الرقة هو إشعار بعودة داعش، ومقدمات لظهوره من جديد، وهي رسالة أميركية واضحة أنها غير راضية عن الوجود السوري- الروسي شرقاً، وقد تعيد داعش لتنفيذ مهمة إخلاء القوات الروسية والسورية من شرق الفرات".
من جانبها، قطعت قوات سوريا الديمقراطية الطريق أمام أفراد التنظيم المتشدد عن تنفيذ عمليات كانت تحضر لها خلايا نائمة، ونفذت القوات الخاصة التابعة لـ "قسد" في 31 ديسمبر (كانون الأول) في منطقة دير الزور عمليات ضد مخابئه، وتحديداً ببلدتي (الصور وكسرة) وعدة قرى تابعة لهما.
إلى جانب ذلك، اعتقلت القوات الكردية 14 عنصراً من الخلايا نتيجة لهذه العمليات، وبحسب بيان لقوات سوريا الديمقراطية فإن تلك الخلايا كانت تخطط لتنفيذ عمليات في رأس السنة"، كما أجهزت على ثلاثة عراقيين من تنظيم داعش في عملية قرب قرية أبو نتل في مدينة الصور.
ويبدو من الجهود الدولية المبذولة لإيجاد حل سياسي ينهي الصراع المشتعل منذ أكثر من عقد من الزمن، أن الأطراف جميعها ترغب في إنهاء ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، بعد ظهوره بشكل قوي في عام 2015 مستغلاً حالة الفوضى التي عاشتها البلاد.