بعد ساعات قليلة على احتجاز بحرية الحرس الثوري الإيراني، الإثنين في الرابع من يناير (كانون الثاني)، ناقلة نفط تحمل علم كوريا الجنوبية مع طاقمها، أعلنت العاصمة سيول أنها تراجع زيارة دبلوماسي لطهران.
وقال مسؤول إن وزارة الخارجية الكورية الجنوبية تبحث ما إذا كان دبلوماسي كبير سيزور طهران يوم الأحد كما هو مقرر.
ويأتي احتجاز الناقلة في وقت تشهد العلاقات بين طهران وسيول توتراً بخصوص أرصدة إيرانية مجمدة في بنوك كورية جنوبية بسبب العقوبات الأميركية.
ونقل التلفزيون الإيراني عن مسؤول في حكومة طهران قوله إن تشوي جونغ-كون نائب وزيرة الخارجية الكورية الجنوبية من المقرر أن يناقش طلب إيران بأن تفرج سيول عن أرصدة تبلغ سبعة مليارات دولار مجمدة في بنوكها.
وقال أحد المسؤولين في الخارجية لوكالة "رويترز"، "الخطة غير واضحة حتى الآن" في ما يتعلق بزيارة تشوي.
مدمرة كورية في المنطقة
ولاحقا أعلنت سيول الثلاثاء أنها سترسل وفدا حكوميا إلى إيران "في أقرب وقت" للتفاوض بشأن الإفراج عن ناقلة نفط محتجزة وطاقمها المؤلف من 20 شخصا، في وقت وصلت وحدة لمكافحة القرصنة إلى مياه قريبة من مضيق هرمز.
وأعلنت وزارة الدفاع في سيول الثلاثاء أن مدمرة على متنها أفراد فرقة مكافحة القرصنة وصلت إلى مياه قريبة من مضيق هرمز وهي "بصدد تنفيذ مهمة لضمان سلامة مواطنينا".
وقالت سيول إن وحدة شيونغهاي المكونة من300 عنصر متواجدة في المنطقة منذ أواخر العام الماضي، ولن تنخرط في عملية هجومية، وفق ما ذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية نقلا عن مسؤول عسكري لم تسمه.
وأضافت "ينبغي التوصل لحل للمسألة من خلال الدبلوماسية. الوحدة تركز على سلامة مواطنينا الذين يستخدمون الممر المائي بعد حادثة الاحتجاز".
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية تشوي يونغ سام "سيتم إرسال وفد إلى إيران في أقرب وقت لمحاولة حل المسألة من خلال مفاوضات ثنائية".
وأفراد الطاقم الذين تم احتجازهم يحملون جنسيات كورية جنوبية واندونيسية وفيتنامية وبورمية، حسبما ذكر موقع سيباه نيوز التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقال المتحدث باسم الخارجية الكورية الجنوبية إن نائب وزير الخارجية تشوي يونغ كون سيمضي قدما في رحلة مخطط لها سابقا تستغرق ثلاثة أيام إلى طهران مطلع الأسبوع المقبل.
وتم الترتيب لهذه الزيارة قبل احتجاز ناقلة النفط، فيما تسعى طهران للإفراج عن مليارات الدولارات المحتجزة في سيول بموجب العقوبات الأميركية.
ولم تعلق وزيرة خارجية كوريا الجنوبية كانغ كيونغ وا على تكهنات تفيد بأن إيران احتجزت السفينة في محاولة للضغط على سيول للإفراج عن الأصول الإيرانية.
وقالت للصحافيين "نحتاج إلى التأكد من الحقائق أولا والتأكد من سلامة أفراد طاقمنا".
وأضافت "نبذل جهودا دبلوماسية من أجل الإفراج المبكر" عنهم.
إيران تنفي
ورفض المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي الثلاثاء الخامس من يناير، ما وصفه "مزاعم باحتجاز إيران ناقلة تابعة لكوريا الجنوبية"، وقال إن سيول هي من "ترتهن" سبعة مليارات دولار من الأموال الإيرانية.
وقال خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت "أصبحنا معتادين على مثل هذه المزاعم... لكن إذا كان هناك أي ارتهان، فإن الحكومة الكورية هي التي ترتهن سبعة مليارات دولار من أموالنا بلا أي سند".
عودة إلى إنتاج اليورانيوم المخصب
وعلى وقع هذا التصعيد الدبلوماسي، استأنفت إيران إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، مؤكدة أن هذه العملية باتت "مستقرة" اعتباراً من الساعات الأولى لفجر الثلاثاء، في أبرز خطوة من تراجعها عن التزامات بموجب الاتفاق النووي.
وكان ربيعي أعلن الإثنين أن بلاده بدأت إجراءات إنتاج يورانيوم مخصّب بنسبة 20 في المئة في منشأة فوردو المقامة تحت الأرض، والواقعة إلى الجنوب من طهران.
وأكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي في تصريحات إلى التلفزيون الرسمي بثت ليل الإثنين - الثلاثاء، أن الإنتاج عند هذا المستوى من التخصيب تحقق مساء أمس.
وقال "قرابة الساعة السابعة (الإثنين 15.30 ت.غ)، بلغنا مستوى 20 في المئة".
وأوضح انه اعتباراً من منتصف الليل بالتوقيت المحلي، من المفترض أن تصبح هذه العملية مستقرة تماماً، ما يعني "ضخ (اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى أربعة في المئة في أجهزة الطرد المركزي) والحصول على (يورانيوم مخصب بنسبة) 20 في المئة من الجهة الأخرى".
وبلغت إيران هذا المستوى من التخصيب قبل عام 2015، تاريخ إبرام الاتفاق حول برنامجها النووي مع القوى الست الكبرى. وسعت الأخيرة من خلال الاتفاق لضمان عدم حصول طهران على سلاح نووي، علماً أن الأخيرة تشدد دائماً على الطابع السلمي لبرنامجها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخزين 120 كلغ من اليورانيوم عند هذا المستوى
ويعد استئناف التخصيب عند 20 في المئة، الأبرز في سلسلة خطوات اتخذتها إيران، وتراجعت من خلالها عن معظم التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق النووي المبرم في فيينا، وذلك في أعقاب قرار الولايات المتحدة الانسحاب بشكل أحادي منه عام 2018.
وشدد كمالوندي على أن المنظمة تطبق ما أقره مجلس الشورى الإيراني الذي طلب رفع نسبة التخصيب وتخزين 120 كلغ من اليورانيوم عند هذا المستوى سنوياً.
وجاء قرار مجلس الشورى الذي يهيمن عليه المحافظون، بعد أيام من اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده في عملية اتهمت طهران إسرائيل بالوقوف خلفها.
وأبدت حكومة الرئيس حسن روحاني، عدم تأييدها القانون الذي حمل عنوان "المبادرة الإستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني"، لكنها أكدت التزامها به خصوصاً بعدما صادق عليه مجلس صيانة الدستور.
ورأت الحكومة في حينه أن هذا القانون قد يؤثر سلباً في الجهود الدبلوماسية لتأمين رفع العقوبات، لا سيما "الفرصة" التي يشكلها تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهامه في 20 يناير، خلفاً لدونالد ترمب.
وسبق لبايدن أن لمّح إلى نيته "تغيير المسار" الذي اتبعه الرئيس المنتهية ولايته مع إيران، وإمكانية عودة بلاده إلى الاتفاق النووي في حال عادت طهران إلى كامل التزاماتها.
إجراءات قابلة للعودة
وكرر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس تأكيد موقف بلاده بأن العودة إلى التزاماتها ممكنة وسريعة، شرط عودة الدول الأطراف في الاتفاق (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا) إلى التزاماتها.
وكتب ظريف عبر "تويتر"، "استأنفنا التخصيب بنسبة 20 في المئة بناء على قرار البرلمان. وتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحسب ما يقتضي الأمر. إجراءاتنا التعويضية تتطابق تماماً مع الفقرة 36 من الاتفاق النووي، وتم تنفيذها بعد سنوات من عدم التزام بعض الأعضاء الآخرين بالاتفاق".
وأضاف "إجراءاتنا قابلة للعودة تماماً في حال التزم الجميع بتعهداتهم".
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الإثنين أن إيران بدأت بالفعل بالتخصيب عند مستوى 20 في المئة، وهو أعلى بكثير من المستوى الذي أتاحه الاتفاق النووي (3.67 في المئة).
وكانت الوكالة أفادت في تقرير صدر في نوفمبر (تشرين الثاني)، بأن طهران تقوم بعمليات تخصيب تتخطى نسبتها المعدّل المنصوص عليه في الاتفاق النووي، والمُحدد بـ3.67 في المئة لكن لا تتعدى 4.5 في المئة، مع مواصلتها التقيّد بنظام التفتيش الصارم للوكالة.
وأثارت الخطوة الإيرانية انتقادات بعض الأطراف الدوليين، لا سيما واشنطن التي اعتبرتها "ابتزازاً نووياً".
"ابتزاز النووي"
وقال متحدّث باسم الخارجية الأميركية إن "قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة في منشأة فوردو هو محاولة واضحة لتعزيز حملتها للابتزاز النووي، وهي ستبوء بالفشل".
وحذر الاتحاد الأوروبي من "مخالفة كبيرة" لاتفاق فيينا لها "تبعات خطرة على حظر انتشار" الأسلحة النووية.
إلا أن المندوب الروسي إلى الوكالة الدولية ميخائيل أوليانوف حاول التقليل من أهمية الأمر، قائلاً "يبقى البرنامج النووي شفافاً وقابلاً للمعاينة. علينا أن نركز على وسائل العودة إلى التطبيق الشامل للاتفاق".
وأتت زيادة التخصيب في ظل توتر متزايد بين طهران وواشنطن وتحذيرات متبادلة من تطوره إلى تصعيد أمني خلال الأسابيع المتبقية لترمب في السلطة.
الصين تحث على الهدوء
وسط هذا التصعيد، حثت الصين الثلاثاء على الهدوء وضبط النفس، وقالت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم الخارجية إن المسألة النووية الإيرانية وصلت إلى مفترق طرق حرج وأصبحت "معقدة وحساسة للغاية".
وصرحت أمام الصحافيين في بكين "تحث الصين الأطراف كافة على الهدوء وضبط النفس والوفاء بالتزامات الاتفاق والامتناع عن اتخاذ إجراءات يمكن أن تصعّد التوتر لإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية وإحداث تغيير في الوضع القائم".
وتابعت "المهمة العاجلة الآن هي أن تدفع كل الأطراف الولايات المتحدة للعودة غير المشروطة للاتفاق ورفع كل العقوبات".
وأضافت إن هذه الخطوة قد تساعد على إعادة الاتفاق "إلى مساره الصحيح".
اليابان قلقة
كذلك عبّرت اليابان عن قلقها من خطوة إيران إزاء تخصيب اليورانيوم، وقال كبير أمناء مجلس الوزراء كاتسونوبو كاتو الثلاثاء "لدى الحكومة مخاوف شديدة إزاء هذه الخطوة التي تمثل خرقاً للاتفاق النووي".