ما إن سمع أبو منجل دوي الرصاصة الأولى في القرب من مستوطنته، في البحيرة المالحة، حتى هاجر هارباً بريشه. هذا الطائر ذو الساقين النحيلتين، العابر تاريخ الفراعنة والمحبب للأوربيين، مهدد بالانقراض.
البادية والجبول
تُمثل البادية السورية في تدمر، وبحيرةُ الجبول الواقعة على بعد 40 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة حلب، في شمال سوريا، الموطنين الرئيسين لطائر أبي منجل، ويتميز مظهره بمنقار طويل ورفيع منحنٍ إلى الأسفل، يشبه المنجل.
بحيرة الجبول إحدى أهم المحميات الطبيعية في سوريا. وهي ليست ملجأ لكثير من الطيور المهاجرة والنادرة فحسب، بل كذلك تمثّل مصدراً اقتصادياً، إذ يُستفاد منها لجمع مادة (الملح) لضحالة الأرض فيها بعد أن تجفّ مياهها في آخر فصل الصيف. ويعتبر جمع الملح من أطراف السبخة في فصل الصيف مورداً مهماً للسكان القاطنين في جوار البحيرة أو ما يطلق عليه "سبخة"، حيث تنتشر حولها 27 قرية تضم قرابة 50 ألف نسمة.
السياحة البيئية الغائبة
الطائر أبو منجل (اللامع) أو ما يسمى بالملون، مهددٌ بالانقراض في بحيرة الجبول، ومع توافر معلومات تشي بوجوده بأعدادٍ قليلةٍ جداً، لكنه في أسوأ أحواله أفضل حالاً مقارنة بأبي منجل (الأصلع) الذي بات نادراً في البادية السورية، لكنه ما زال موجوداً في الجبول، التي تنبض بحياة عددٍ من أنواع الطيور.
يجزم سامر النقيب المدير التنفيذي السابق لمشروع السياحة البيئية في بحيرة الجبول بوجود دور سلبي للحرب على الطيور المهاجرة ومنها أبو منجل كونه من الطيور النادرة. يضيف النقيب "سعينا لاستقدام خبراء من الأردن لدرس واقع طائر أبي منجل، وعددٍ من الطيور، لكن المشروع توقف بسبب اندلاع الحرب". وهذا ما ترك تأثيراً في الطيور وهدد أبا منجل بالانقراض، إذ اختفى من تلك المنطقة خلال سنوات المعارك.
التنوع الحيوي
تشكلت محمية الجبول في 1982 من الجهة الشرقية من مياه معمل السكر في مسكنة. وقبل ذلك كانت جرداء. وعلى الرغم من فقدان الطائر إبان الحرب، فإن أفراد المراقبة البيئية التي تشرف على البحيرة تفاءلوا بعودة أبي منجل. ويلفت الطبيب فراس أبو نقرة، وهو من المهتمين بالحياة البرية والطيور في البحيرة إلى أهمية التنوع الحيوي فيها لاحتوائها على أنواعٍ كثيرةٍ من طيور وحيوانات وعدد كبيرٍ من الأنواع المهددة بالانقراض، بالإضافة إلى أبي منجل.
طيور مهددة بالانقراض
يضيف "لا شك أن البحيرة على الرغم مما قاسته في الفترة الماضية، بقيت تنبض بحياة أنواع متعددة من الطيور أغلبها تأتي للسبخة من أجل التفريخ ثم تهاجر وتعود في موسم التكاثر، ومنها طيور (الفلامينكو والواق واق والنكات والسحنون ولقلق ودجاج الماء والثرثارة العراقية والبط والنورس وطائر صائد السمك) وغيرها".
ويشير مهتمون بيئيون إلى وجود نحو 145 نوعاً من الطيور، منها 17 من الطيور النادرة المعرضة للانقراض. وتكثر هذه الطيور ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) ويناير (كانون الثاني). وهي مهددة بالانقراض إذا لم تتوافر لها عوامل الأمان والتكاثر.
الأصلع والأنثى زنوبيا
اختفاء أبي منجل الأصلع قبل أربع سنوات دعم فكرة انقراضه. يقول الطبيب أبو نقرة "أبو منجل اللامع الموجود بشكل محدود في سبخة الجبول هو أصغر حجماً من أبي منجل الأصلع المسمى الشمالي ويقتصر وجوده على بادية تدمر".
وتربط مصادر مهتمة بالتنوع الحيواني بين استعار الحرب ودخول داعش وغياب أبي منجل الشمالي. ويبلغ طول هذا الطائر بين 70 و80 سنتيمتراً، وحجمه أكبر من حجم أبي منجل اللامع، وشوهد آخر فردٍ من هذه المجموعة السورية قبل سنوات ولم يظهر بعدها.
قبل سنوات، فقد 3 من طيور أبي منجل، كانت محتجزة فى مدينة تدمر التي سيطر عليها تنظيم داعش. ودقّت جمعيّات بيئية ناقوس الخطر بسبب فقدان أنثى أبي منجل، زنوبيا، كونها هي الأنثى الوحيدة التي تعرف مسارات الهجرة إلى المناطق الشتوية في إثيوبيا، ولولاها لا يمكن إطلاق سراح بقية الطيور من قيودها.