أمضت العائلة المقدسة في مصر ما يزيد على ثلاث سنوات باركت فيها أكثر من 25 بقعة في ربوعها المختلفة من سيناء شرقاً إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى أقاصي صعيد مصر، لتتحوّل الأماكن التي أقامت فيها إلى مزارات دينية وسياحية للمصريين والأجانب على حد سواء، لما لها من أهمية كبيرة كتراث ثقافي للإنسانية.
وبالتزامن مع أعياد الميلاد وفي إطار مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة الذي يحظى باهتمام كبير في مصر، افتتح خالد العناني، وزير السياحة والآثار واللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية أولى نقاط المسار التي أُنجز تطويرها في المحافظات الثماني، حيث مرت العائلة المقدسة، كما انتهت أعمال تطوير مشروع هذا المسار في مدينة سمنود بمحافظة الغربية (شمال القاهرة)، إضافة إلى زيارة كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب، التي تعتبر أحد المواقع التي أقامت فيها العائلة المقدسة والتي كانت قد افتُتحت سابقاً بعد الانتهاء من مشروع ترميم شامل ومتكامل لها.
أعمال التطوير
وشملت أعمال التطوير تنظيفاً ميكانيكياً لواجهة الكنيسة ومداخلها، إضافة إلى القباب وبرجي الأجراس لإزالة آثار الأتربة والأمطار، وذلك تحت إشراف إدارة ترميم الغربية ومنطقة آثار الغربية، كما أُزيلت الإشغالات الموجودة أمام الكنيسة وجرى تبليط الأرضيات ودهن جميع واجهات المحال الواقعة على جانبي الشارع بلون موحد، ووضع لافتات بأسماء هذه المحال بتصميم ولون موحد يتناسبان مع الطراز المعماري للكنيسة، وتوسيع الميدان الذي تطل عليه الكنيسة وتزيينه من خلال بناء نافورة وتخصيص ساحة لركن السيارات في نهايته ووضع لوحات إرشادية على جانبي الشارع للتعريف بآثار مدينة سمنود.
الاهتمام بإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة
وأكد وزير السياحة والآثار اهتمام الدولة بإحياء مسار العائلة المقدسة، إذ تولي الوزارة له اهتماماً أثرياً وسياحياً كبيرين، فيرمّم المجلس الأعلى للآثار المواقع الأثرية الواقعة على هذا المسار، إضافة إلى قيام هيئة التنمية السياحية بتطوير الخدمات السياحية فيها وتحسين الطرق المؤدية لها بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية وجهاز التنسيق الحضاري لتأهيل نقاط مسار العائلة المقدسة كافة وتكوين بنية تحتية وإنشاء طرق جديدة لتمهيد دخول السيارات والباصات السياحية، وتوفير الخدمات كافة واللوحات الإرشادية وإنشاء فنادق محيطة، بخاصة أن هناك خطة تطوير شاملة جارية حالياً وأوشكت على الانتهاء لعدد من المواقع في ثماني محافظات.
وقد تضمن التطوير المنطقة المحيطة بكنيسة السيدة العذراء مريم والشهيد أبانوب لتحقيق جمال الرؤية البصرية للمسار، انطلاقاً مما سبق ذكره وصولاً إلى تجديد واجهات مسجد البدراوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كنيسة العذراء والشهيد أبانوب
وتعدّ كنيسة "السيدة العذراء والشهيد أبانوب" إحدى محطات رحلة العائلة المقدسة، حيث مكثت حوالى 17 يوماً، ولقيت ترحيباً كبيراً من أهالي سمنود عند قدومها، فاحتفوا بالعائلة وأهدوا للسيدة العذراء ماجوراً حجرياً استخدمته في العجين، ولا تزال الكنيسة تحتفظ به حتى الآن، كما توجد أيضاً داخل الكنيسة البئر التي كانت تستخدمها العائلة المقدسة أثناء الإقامة في المنطقة.
وبعد مكوثها في سمنود، استكملت رحلتها حتى وصلت إلى جبل قسقام في أسيوط (جنوب القاهرة) وهناك بقيت داخل مغارة في الجبل ستة أشهر، وهي الفترة الأطول في هذه الرحلة، ثم انتقلت بعدها إلى قرية درنكة ومنها عادت إلى القدس، وقد سُجّلت الكنيسة كأثر عام 2000م نظراً، إلى أهميتها التاريخية محلياً وعالمياً.
الاهتمام بالتراث القبطي
ويشير إبراهيم ساويرس، مدرس القبطيات في إحدى الجامعات إلى أن "الاعتناء بالتراث القبطي يظهر في محاور عدة، منها الجانب الأثري بإحياء أماكن لم يكن هناك اهتمام كافٍ بها من قبل، والسعي لوضعها على الخريطة السياحية في مصر، وبالطبع المواقع الأثرية المرتبطة برحلة العائلة المقدسة لها أهمية وقيمة كبيرتين عند جموع المصريين".
ويضيف "من جانب آخر، فإن الكنيسة القبطية المصرية لها علاقات طيبة مع الخارج، وتحظى باحترام كبير، ومن هنا فإن بابا الفاتيكان دعم في الفترة الأخيرة التوجه إلى مصر وزيارة الآثار المسيحية المتعددة، وأهمها التي ترتبط برحلة العائلة المقدسة".
السياحة الدينية في مصر
وعلى الرغم من أن السياحة الثقافية المتمثلة في زيارة الآثار القديمة أو السياحة الشاطئية تعدّ الأشهر وتستحوذ على الاهتمام الأكبر في مصر، إلا أن مجال السياحة الدينية يمكن أن يكون له وجود كبير بصور متعددة، فما هي الوسائل المحتملة لجعل هذا النوع من السياحة يحظى بالاهتمام الكافي، خصوصاً مع وجود كل مقوماته؟ في هذا الشأن، يقول ساويرس "مفهوم السياحة الدينية في مصر لا بد من النظر إليه بصورة شاملة والعمل للتركيز عليه وإحيائه في ما يتعلق بالآثار القبطية والإسلامية على حد سواء. فهناك أماكن كثيرة تستحق الزيارة لا بد من الإضاءة عليها والدعاية والترويج لها، مع توفير المقومات كافة التي يحتاج إليها الزائر لتصبح المنطقة مناسبة للجذب السياحي".
ويضيف "رحلة العائلة المقدسة من أهم المحاور التي ينبغي التركيز عليها ولكنها تمثل جزءًا من الحكاية التي يمكن استكمالها بتسليط الضوء على الأديرة المصرية التي ربما تصبح مزارات مهمة والفنون القبطية والتعريف بها وهكذا، مع العمل على تطوير الأماكن الأثرية في المنطقة، فالسائح الذي سيتوجّه إلى سمنود في دلتا مصر لزيارة كنيسة العذراء والشهيد أبانوب، سيقصد في طريقه الآثار الأخرى في المنطقة أياً كان العصر الذي تنتمي إليه، وسيشكّل هذا إضافة إلى السياحة بشكل عام في مصر وليس فقط الدينية منها".
إدراج الرحلة على قائمة التراث العالمي لـ"يونيسكو"
وتسعى وزارة السياحة والآثار جاهدة في الفترة الماضية إلى العمل على إدراج رحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث العالمي لـ"يونيسكو، لما لها من قيمة كبيرة ليس لمصر وحدها وإنما للعالم كله. ويوضح ساويرس "بالفعل، تبذل الوزارة جهداً كبيراً في الفترة الأخيرة، في ما يتعلق بإعداد الملف الذي سيقدّم إلى يونيسكو، مستعينةً بالخبراء والمتخصصين في هذا المجال، وهو أمر شديد الأهمية لأن المؤسسات الدولية الكبرى مثل يونيسكو تكون لها اشتراطات دقيقة ومحددة في هذا الأمر، تحتاج إلى أن تُستوفى بدقة كبيرة حتى يتم قبول الملف".
ويضيف "لو نجحت مصر في هذا الأمر وأُدرجت رحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث العالمي ليونيسكو، فلا شك أنه سيمثل إضافة كبيرة في ما يتعلق بمجال السياحة الدينية في مصر، لأن المواقع المدرجة على القائمة تحظى باهتمام كبير من السياحة العالمية، فإضافة إلى ما لذلك من أهمية، يُعدّ نوعاً من الترويج لها وإلقاء الضوء عليها باعتبارها أماكن أثرية ذات قيمة كبيرة ليس لمصر فقط وإنما للإنسانية كلها".