منذ سقوط الحكم العسكري في الصومال، والإطاحة بالجنرال محمد سياد بري سنة 1991، بقي الهاجس لدى الشعب الصومالي تحقيق عملية ديمقراطية، تضمن تصحيح العمل السياسي في البلاد تدريجاً، على الرغم ممّا مرّت به البلاد من صراعات دامية أشعلتها طموحات قادة عسكريين، وغذّتها النعرات القبلية والتوجهات الفكرية المتطرفة، التي كانت وليدة فترة الحكم الدكتاتوري والتبدلات السياسية التي حملها انهيار الاتحاد السوفياتي، وإيجاد بعض التيارات الفكرية موضع قدم لها في الصومال.
في ذلك السياق، يقول المعلّق السياسي الصومالي سعيد طيب "السياسة ومنطق الدولة تطوّرا في الصومال بشكل كبير خلال العشرين سنة الماضية منذ إنشاء ما يشبه هيكل دولة صومالية جديدة في مؤتمر عرتا، إذ يمكننا أن نقارن مستوى النقاشات السياسية خلال السنوات الثماني الأخيرة، فقد كانت الحكومة الفيدرالية دائماً الحلقة الأضعف في النقاشات، وتطورت مؤسساتها وقدراتها لتصبح الطرف الأقوى إلى حد ما، في الوقت ذاته لم تكن هنالك معارضة للحكومة الفيدرالية بمعناه الحالي، المتمثل بما يقوم به تحالف أحزاب المعارضة، وبروز ظاهرة المعارضة القوية، استدعاها أن الحكومة الاتحادية كانت الأضعف سابقاً وهي الأقوى حالياً، هذه فقط أمثلة ترجّح التفاؤل بأن هذا التدافع السياسي قد يثمر نتائج تعكس استقراراً ونضجاً في الحالة السياسية في البلاد بشكل عام".
العملية الانتخابية
إصرار الرئيس محمد عبدالله فرماجو على التمسك بتعهده السابق بإجراء انتخابات، تعتمد على الصوت الواحد للناخب الواحد، أثارت استغراب الكثير من المطلّعين على الشأن الصومالي، بل شاعَ في أروقة المؤسسة السياسية الصومالية، وجود أمر مريب عبر الإصرار الرئاسي فترة طويلة، على أمر غير ممكن الحدوث في ضوء الواقع، يفسّر لدى البعض عبر شكوكهم في الصحة العقلية للرئيس، أو أنه تجاوز حدود المعقول في تضليل خصومه بغرض المناورة السياسية.
ويقول الباحث زكريا آدم يوسف حول الصورة العامة للعملية الانتخابية "كان ملفتاً تمسّك الرئيس فرماجو بمبدأ الصوت الواحد للناخب الواحد، وقد ثبتت عدم منطقية هذا المطلب، وانكشف كونه مجرّد مقولة سياسية بهدف إلهاب مشاعر الجماهير، لقد كانت حركة سياسية ذكية، لكن ممارستها بتلك الصورة كانت ذات نتائج عكسية، من حيث الثقة بالرئيس من جهة، وإتاحة فرصة ذهبية لقيادات المعارضة على رأسها الرئيس الأسبق الشيخ شريف شيخ أحمد والرئيس السابق حسن شيخ محمود، وقياديون آخرون كالوزير السابق عبدالرحمن عبدالشكور، إلى حدّ كبير في حشد تأييد سياسي كبير لهم، أضيف إلى الثقل القبلي الذي يشكّله العديد منهم في العاصمة مقديشو ومحيطها، كما أدّت إلى تسليط الضوء على فشل حكومة في فرماجو في الالتزام بالجدول الزمني المحدد لإجراء الانتخابات من جهة، ومن جهة أخرى أفسدت محاولات الحكومة في إسباغ الشرعية على اللجنة المستقلة للانتخابات التي نشأت تحت رعايتها".
التحديات الأمنية
لايزال الهاجس الأمني، سمة الحياة في العاصمة مقديشو، ومع استمرار العمليات العسكرية ضد حركة الشباب المجاهدين الإرهابية في مناطق من وسط جنوب البلاد وشرقها وغربها. فعلى الرغم من التراجع الملموس في عدد التفجيرات والهجمات الانتحارية، إلّا أن ثمن التدابير الأمنية المشدّدة في العاصمة، كان ولايزال باهظاً يسدده سكانها، عبر تعاملهم اليومي مع قطع مسافات طويلة بغرض تجنب الطرق الرئيسية المغلقة، وما تسببه من الإضرار بالأعمال التجارية، وتضييعهم ساعات ثمينة نتيجة الاختناقات المرورية، ومع كل تلك التدابير والمعاناة، لا يكاد يمرّ شهر حتى تعج مواقع التواصل الاجتماعي، بصور ضحايا الإرهاب. على جانب آخر تبرز إلى السطح قلة التنسيق بين القوات الحكومية الفيدرالية، وقوى الأمن التابعة للولايات. ولدى سؤال الباحث عبدالله شيخ عبدالقادر قال: "قد تتدهور العلاقات بين القوات الفيدرالية وفصائل في قوى أمن الولايات إلى حد المواجهة العسكرية المسلحة، بصورة تهدد باتساع رقعة التدهور الأمني إلى دول الجوار، وقد تكون وقائع مواجهات محافظة "غيدو" التابعة لولاية "جوبالاند"، بين القوات الفيدراية وقوات ولاية جوبالاند، وانسحاب فصائل من القوى الأمنية التابعة للولاية، إلى ما وراء الحدود الدولية الكينية، وامتداد الاشتباكات إلى داخل المناطق الشمالية الشرقية داخل الأخيرة، وتكرار نداءات سكان مدينة "منديرا" للحكومة الكينية بضرورة وضع حد لوجود العناصر المسلحين التابعين للقائد الجوبالاندي "جَنَنَ" داخل المدينة وباتجاه الحدود، تدلل على مشكلة أمنية عميقة، قابلة للتجدد والتكرار في ولايات صومالية أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحديات السياسية
تستمر العقبات السياسية التي تواجه الحكومة الفديرالية لتحول دون تنفيذ انتخابات ذات قبول عام تشمل مناطق البلاد، فمع انعدام الأفق في الوصول إلى اتفاق ما، مع "جمهورية صوماليلاند" المستقلة من طرف واحد، وظهور أصوات في العاصمة مقديشو تدعو إلى تهميش شاغلي المقاعد التشريعية من أبناء تلك الجمهورية، و تكرار التصعيد والتهدئة بين الحكومة الفيدرالية وولايتي "بونتلاند" و"جوبلاند"، فإنّ إجراء انتخابات ذات شرعية مقبولة لدى مختلف القوى السياسية النافذة في العاصمة والولايات يبقى أمراً خاضعاً للكثير من التكهنات المتضاربة.
وتقول الناشطة هبة شوكري إن "قرار الحكومة الفيدرالية بالمضي قدماً في الانتخابات من دون مشاركة ولايتَي بونتلاند وجوبالاند، سابقه تاريخية خطيرة، فإقصاؤهما ليس قرارا حكيماً البتة، مهما حاول البعض تبريره عبر إلقاء التهم يمنة ويسرة، إذ تتحمل الحكومة وزر هذا القرار مناصفة مع من يريدون أن يختطفوا الولايات لصالح حسابات سياسية ضيقة غير عادلة، في استغلال لاعتبار عام بأن تمثيل شعب الولايات بيدهم. في خضم ذلك يصبح شعب الولايتين مسلوبي الإرادة في استحقاق مصيري، وكما أسلفت تأسيس خطير لسابقة، يمكن أن تصبح عرفاً سياسياً ينتهجه آخرون في المستقبل لإخراج منافسيهم أو مناوئيهم من العملية السياسية، وهو بذلك مخالف لتطلعات الشعب بالاستقرار السياسي والانتقال السلمي للسلطة.