بعد صدور قرار جديد يقضي بإدراج الأولاد الذين لا تتوفَّر لديهم أجهزة كمبيوتر محمولة أو اتصال كافٍ بشبكة الإنترنت ضمن التلاميذ الذين يتوجّب عليهم الذهاب إلى المدرسة خلال فترة الإغلاق العام (الحجر) الجديد المفروض في بريطانيا، حذَّر مديرو مدارس ونقابات تربوية وعلماء أوبئة من أنّ هذه الخطوة قد تهدِّد بانتشار فيروس "كورونا" بين المجتمعات الأكثر حرماناً.
ووفق التقديرات، 1.8 مليون تلميذ تقريباً موزّعون على أنحاء المملكة المتحدة لا تتوفّر لديهم مستلزمات التعلّم عن بعد، من كمبيوترات أو خدمات النطاق العريض التي تتيح وصولاً عالي السرعة إلى الإنترنت.
وبموجب الإرشادات الجديدة التي أكّدتها الحكومة البريطانية حديثاً، يُعتبر هؤلاء التلاميذ من الفئات العرضة للخطر، وفي مقدورهم العودة لمتابعة دراستهم في صفوفهم الدراسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنّ هذا القرار أثار مخاوف من أنّ عودة عدد كبير جداً منهم إلى المدارس، علماً أنّ كثيراً منهم أبناء لأسر فقيرة، سيقوِّض الجهود المبذولة للحدّ من انتقال عدوى فيروس "كوفيد - 19" في البلاد، ويقود مباشرة إلى ارتفاع في الإصابات بين فئات الناس الأسوأ حالاً.
"سنرى عشرات الآلاف من التلاميذ في المدرسة هذه المرة مقارنة بالربيع الماضي"، بحسب ما تقول لورين تونكس، مديرة "معهد شيتويند الابتدائي في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، مضيفة "حتى مع اتخاذ المدارس التدابير كافة لتكون آمنة من "كورونا"، تطرح (عودة أولئك التلاميذ إلى المدارس) لا محالة خطراً أكبر يجعل المعلِّمين وعائلات هؤلاء التلاميذ عرضة للعدوى. لا يعدّ ذلك إغلاقاً".
قدَّرت تونكس أنّ نصف الأولاد تقريباً وأبناء الموظفين الأساسيين أيضاً سيرتادون صفوفهم في المدرسة التي تديرها، وتضمّ 420 تلميذاً، في بداية الأسبوع المقبل، "وبأيّ حال، لا ننفرد بهذه النسب" من التلاميذ، على ما قالت.
يقضي الحل الذي تقترحه وزارة التعليم في بريطانيا، علماً أنّه لم يتغيَّر منذ الإغلاق الأول الذي دخلت فيه البلاد خلال الربيع الماضي، بتزويد جميع التلاميذ المعوزين بالتكنولوجيا اللازمة.
لكن، الهدف المتمثِّل بتقديم 1.5 مليون جهاز لم يتحقّق. بعد مرور سنة تقريباً، وزّعت الجهات المعنية 600 ألف حاسوب فقط، فيما لم تحصل المدارس في أنحاء البلاد على حصتها الموعودة.
في برادفورد أيضاً، التي تحتل المرتبة 13 بين المناطق الأكثر حرماناً في إنجلترا، تقول جين غيرت، مديرة "كلية كارلتون بولينغ" في المدينة، إنّها تتوقَّع حضور 200 تلميذ ضافيّ إلى الصفوف نتيجة الإخفاق في توفير أجهزة الكمبيوتر. وجاء في تصريح أدلت به إلى "بي بي سي" (هيئة الإذاعة البريطانية)، "ذلك في نظري، يبطل الغرض من [الإغلاق] برمته".
في الوقت نفسه، يعترض بيتر كلارك، عضو المجلس البلدي لمدينة هال شرق إنجلترا الذي يتابع ملف التعلّم والمهارات، على المخالفة الواضحة للدعوة إلى ملازمة البيت، إذ استمرّ كثير من التلاميذ في ارتياد مرافق التعليم كما العادة.
يقول في هذا الشأن، "من ناحية، قيل لنا إنّ الأولاد قادرون على نقل الشكل المتحوِّر الجديد من الفيروس. ومن ناحية أخرى، نحن في حال إغلاق في ما يبدو أنّ أعداداً كبيرة من التلاميذ سيذهبون إلى المدارس لأنّ الحكومة لم توفِّر لهم الأدوات التكنولوجية المطلوبة. وفي هذا تناقض".
وأضاف أنّ العائلات التي ستعاني أشدّ المعاناة ستكون من المجتمعات التي سبق أن "واجهت الأسوأ، وهي الأكثر فقراً".
كذلك انتقدت نقابات تربوية عدة القرار الجديد، وحثَّت الحكومة البريطانية على تأمين أجهزة الكمبيوتر للأولاد الذين يحتاجون إليها بسرعة أكبر.
مثلاً، قال الدكتور باتريك روتش، الأمين العام لـ"الرابطة البريطانيّة لاتحاد المعلّمين "ناسوت" NASUWT إنّ الغرض من الإغلاق الشامل الحدّ من التفاعل الاجتماعي بين الناس بغية المساعدة في الضغط باتجاه خفض المعدلات المتصاعدة لانتقال الفيروس".
وأردف قائلاً، "سيذهب الإغلاق العام سدى إذا لم يتمخّض عن إصابات أقل بأشواط، ولن يتحقّق ذلك إلا في حال بقيت الغالبية العظمى من الناس في المنزل".
"على الحكومة أن تضع الموارد في مكانها الصحيح بغية التأكّد من أنّ كل ولد قادر على متابعة دروسه بأمان من منزله. لا بدّ من اتخاذ إجراءات تضمن ألا تكون الاستفادة من التعلّم عن بعد وتدابير حماية الأرواح رهناً بظروف الأسر ودخلها"، ذكر روتش.
في رأيه، "تحتاج العائلات ذات الدخل المتدني أيضاً إلى الدعم الكامل كي تتمكَّن من ملازمة بيوتها من دون مواجهة مزيد من المصاعب المالية".
قرار عودة التلاميذ الذين لا تتوفّر لديهم التكنولوجيا اللازمة إلى المدارس، لقي اعتراض علماء في الأوبئة أيضاً.
من بين هؤلاء، الدكتورة ناتالي ماكديرموت، وهي محاضِرة في الأمراض المعدية في "كينغز كوليدج لندن" King’s College London التي تقول "كلما قلّصت نسبة الاحتكاك بين الناس، تضاعفت قدرتك على خفض انتقال الفيروس من شخص إلى آخر وكبح جماح العدوى. وعليه، وفق هذا المعيار وحده، كلما خفّ عدد الأشخاص في الصف الدراسي، تعزّزت قدرتنا على التحكّم في الفيروس".
وأضافت، "عليك أن تحقِّق التوازن بين ذلك من جهة وبين حاجة الأولاد إلى الحصول على التعليم، الذي يكفل لهم رفاههم ومستقبلهم، من جهة أخرى.
في المقابل، في محاولة لتحقيق هذا التوازن، قال بعض مديري المدارس إنّ الحكومة محقّة في فتح أبواب المدارس مجدداً للتلاميذ الذين يفتقرون إلى أجهزة كمبيوتر محمولة.
مثلاً، أكد كريس باركنسون، المدير التنفيذي في "لايف مالتي أكاديمي ترست" LiFE Multi-Academy Trust الذي يدير خمسة مراكز في مقاطعة ليسترشاير وسط إنجلترا، أنّ كثيراً ممن لا يملكون كمبيوترات محمولة سيكونون ضمناً مصنَّفين بين الفئات العرضة للخطر، وبالتالي، سيكونون في المدرسة فعلاً، على أيّ حال.
لذا، "لا يسعني أن أتصوَّر أن كثيراً من مديري المدارس لا يبالون ولا يريدون لهؤلاء التلاميذ الذهاب إلى المدارس. ثمة توازن لا بدّ من تحقيقه، ولكن التلاميذ الذين لا يملكون التكنولوجيا المطلوبة هم بالتحديد الأكثر عرضة للتأخّر في الدراسة أثناء فترات التعلّم عن بعد. من أجل خيرهم، أعتقد أنّ من الصواب وجودهم في المدارس"، على ما قال باركنسون.
يُشار إلى أنّ "اندبندنت" اتصلت بوزارة التعليم في المملكة المتحدة للحصول منها على تعليق في هذا الشأن.
© The Independent