حذر محللون اقتصاديون من أن الاهتمام المتزايد من المستثمرين المؤسسيين بجذب المزيد من المتعاملين في التجزئة إلى "بيتكوين" سيضخم سعر العملة الرقمية المبالغ فيه بالأساس بشكل كبير، على حد وصفهم. لكن داعمي العملة الرقمية يقولون إن ارتفاعات أسعارها أمامه الكثير ليواصله، في الوقت ذاته تعرض المؤيدون لهذا الاستثمار لصدمة كبيرة بعد أن انحدرت العملة الرقمية لتسجل خسائر كارثية، فقد تراجعت العملة المشفرة الأعلى من حيث القيمة السوقية إلى 32400 دولار في وقت مبكر من أمس الاثنين، بعد أن سجلت ارتفاعات قياسية فوق 41800 دولار يوم الجمعة.
وشهدت عملة "بيتكوين" أكبر انخفاض لها منذ مارس (آذار) حيث أدى الدولار القوي وتوتر المستثمرين إلى انخفاض ما يقرب من 140 مليار دولار من القيمة السوقية للعملات الرقمية. ويراقب المستثمرون عن كثب إمكانية عزل الرئيس دونالد ترمب وزيادة حالات الإصابة بفيرس كورونا في آسيا، التي قد تكون لها تداعيات على أسعار العملات الرقمية، حيث أدى تصاعد حالة عدم اليقين السياسي إلى إضعاف شهية المستثمرين للمخاطرة في الأصول مثل الأسهم والسلع بحسب "بيزنس إنسايدر"، في وقت كان الديمقراطيون قد دعموا في مجلس النواب عزل الرئيس المنتهية ولايته بعد أن شجع حشوداً يمينية اقتحمت مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي.
ومنذ انهيار الأسواق الرئيسة في مارس اتجهت عملة "بيتكوين" والمؤشر في اتجاهين متعاكسين، حيث شهدت العملة الرقمية توطيداً أو تصحيحاً أثناء انتعاش ارتداد مؤشر الدولار المؤقت. وارتفعت قيمة "بيتكوين" مع نمو المعروض النقدي وتوقعات التضخم. في الوقت نفسه انخفضت قيمة الدولار إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، ما أدى إلى وجود علاقة عكسية بين الأصول الرقمية اللامركزية المدعومة من الحكومة، بحسب كايكو للأبحاث (مزود بيانات السوق في الأصول الرقمية) في تقرير السوق لشهر ديسمبر (كانون الأول).
هوس المضاربة وطفرة بيتكوين
وبينما يجادل المضاربون في أن الارتفاع المذهل لـ"بيتكوين" في الأشهر الماضية كان له ما يبرره، يحذر البعض في "وول ستريت" من أن هذا لن ينتهي بشكل جيد. فقد يكون الارتفاع الأخير حالة أخرى من هوس المضاربة. ويبدو أن عملة "بيتكوين" ستصبح "أم كل الفقاعات" وفقاً لحديث مايكل هارتنيت، كبير محللي الاستثمار في "بنك أوف أميركا سيكيوريتيز" لشبكة "سي أن أن" الأميركية.
ويشير هارتنيت، في تقرير حديث، إلى أن الارتفاع الدراماتيكي في عملة "بيتكوين" خلال العامين الماضيين شهد زيادة بنسبة 1000 في المئة تقريباً منذ بداية عام 2019، أكبر بكثير من مكاسب الأصول الأخرى التي تمتعت بزيادات هائلة في عقود قليلة.
ويتضمن ذلك ارتفاعاً في أسعار الذهب بأكثر من 400 في المئة أواخر السبعينيات، فضلاً عن هوس استثماري ملحوظ آخر بالأسهم اليابانية أواخر الثمانينيات، وسوق الأوراق المالية في تايلاند منتصف التسعينيات، والدوت كوم أواخر التسعينيات، والإسكان في منتصف عام 2000. وتمتعت جميع هذه القطاعات بمكاسب بنسبة ثلاثية الأرقام قبل أن تنهار على الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هارتنيت ليس الوحيد الذي دق ناقوس الخطر من "بيتكوين". فبالنظر إلى أن الدولار الأميركي قد استقر أخيراً إلى حد ما، يحذر البعض من أن إحدى القضايا الكبيرة للمضاربين على الارتفاع لامتلاك "بيتكوين"، كتحوط ضد انخفاضات العملة، لم تعد موجودة.
وأشار اقتصاديون لـ"اندبندنت عربية" إلى خطورة الاستثمار المتقلب في الأسواق، إذ يؤكد محمد علي الأنصاري، المدير التنفيذي لـ "الأنصاري للصرافة" في دبي "من هوس المضاربة في العملات الرقمية"، ويرى أنها تتحول بالفعل إلى "أم الفقاعات"، قائلاً، إنها عملة غير معترف بها في العديد من بلدان العالم بما فيها أبو ظبي، كما أن مصرف الإمارات المركزي لم يمنح حتى الآن أي تصريح للتعامل بها بشكل رسمي. ويرى أن عدم اعتراف المصارف المركزية في العالم بتعاملاتها وعدم تحديد مصدر العملات الرقمية هذه يجعل التداول فيها كأنه نوع من اللعب في الأسواق. وأضاف، يوم الجمعة سجلت "بيتكوين" ارتفاعاً قياسياً فوق 41800 دولار، وحتى لو وصل هذا الارتفاع إلى الـ100 ألف دولار فلن يؤثر في وضعية أسواق المال.
ويعتقد الأنصاري أن هناك فئة تبحث عن المغامرة في السوق وتحقيق أرباح سريعة وهو ما يتحقق عبر التداول في "بيتكوين" وغيرها من العملات المشفرة، ويقول إن الارتفاعات التي شهدتها الأولى غير مبررة، فعلى سبيل المثال حدوث تذبذب في أسواق المال يمكن أن يُبرر باجتياح المناصرين للرئيس ترمب الكابيتول، بالتالي كان هناك اضطراب سياسي يبرر هذا التذبذب، ولكن تحقيق "بيتكوين" لارتفاعات قياسية من 5 آلاف دولار قبل نحو 8 أشهر إلى نحو 42 ألف دولار لا يمكن تبريره من دون سبب مقنع. يضيف، نحن هنا لا نتحدث عن ارتفاعات بنحو 5 أو 10 في المئة وإنما بنسبة 300 أو 400 في المئة، بالتالي أنا أتفق مع "بنك أوف أميركا" في وصف ما يحدث في طفرة "بيتكوين" بأنه "فقاعة".
رغم مخاطرها فهي جاذبة للمستثمرين
من جانبه قال محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، أن هناك إجماعاً على أن "بيتكوين" كأداة استثمار تعتبر الأعلى تذبذباً في التاريخ، بالتالي مع ارتفاع التذبذبات ترتفع المخاطر، ودعنا نستذكر وصول سعرها إلى مستوى 20 ألف دولار قبل عامين تقريباً، ومن ثمّ هبط السعر إلى 2000 دولار، وظلت تسير في تحرك أفقي وصولاً إلى النصف الثاني من عام 2020 حيث شهدت عملية ارتفاعات متسارعة وصلت إلى مستوى الـ40 ألف دولار قبل حصول عملية التصحيح الأخيرة في حدود 25 إلى 26 في المئة خلال اليومين الأخيرين.
وعن إن كنا سنشهد فقاعة "بيتكوين" أم لا، قال ياسين، برأيي ستكون هناك فقاعة، مع الإشارة إلى أنه عادة ما تحصل عدة فقاعات في العالم وليس فقاعة واحدة، فقد شهدناها في أسهم التكنولوجيا وأخرى في نظيرتها المحلية والسوق العقارية وما إلى ذلك.
وأضاف الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، أن "بيتكوين" كأداة استثمارية يدرك كل من يستثمر فيها بأنها مضاربية من الدرجة الأولى، فيمكن للمستثمر أن يحقق ربحاً 50 في المئة في يوم ويخسر 50 في المئة في يوم آخر، ومن لا يدرك مضاربة هذا الاستثمار فهو يدخل فيه عن جهل، بالتالي لا يمكن اعتباره مستثمراً واعياً.
ويرى ياسين، أن عملية الدخول في "بيتكوين" كأداة استثمارية طويلة الأجل غير موجودة ولا تزال المخاطر المرتبطة بها قائمة منذ زمن بعيد، بما فيها مخاطر التداول والشراء والبيع، واستخدامها وإن كانت طريقة للتهرب من رقابة المصارف المركزية أو حتى المنظمات والدول، ولكن ما هو أكيد بحسب قوله، هو أن هذه الأداة الاستثمارية موجودة ومستمرة، بخاصة أن الكل قد توقع نهايتها عام 2018 ولكنها لم تنته وبقيت، وبرأيي أن ارتفاع سعرها قد يكون مرتبطاً بثقة المستثمرين بالعملات الأخرى وبأن هذه العملات ستستمر في قوتها، خصوصاً الدولار الأميركي، كما أن الارتفاعات التي شهدناها في العملات الرقمية صاحبها انخفاض في الدولار الأميركي وعادة ما يدفع حصول أمر كهذا المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب، ولكن عوضاً عن توجههم للذهب فقد توجهوا إليها.
ظهور عملات مشفرة مدعومة بمصارف المركزية
وتوقع الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، ظهور عملات مشفرة مدعومة بمصارف المركزية خلال السنوات المقبلة، لأن ما يحصل في عملية "بيتكوين" اليوم يشير إلى أن هناك قبولاً من الاستثمار في هذه الأداة على الرغم من مخاطرها العالية، بالتالي إذا تم إيجاد أُسس علمية مالية وعملية ضمان وحفظ من قبل المؤسسات المالية العالمية فقد نجد أن مثل هذه الأداة كأداة استثمارية لها سوق. وأعتقد أن عملية التصحيح الحاصلة قوية، ولكن تأثيرها في أسواق الأسهم والسندات لن تكون قوية لأن عدد المضاربين ليس كبيراً، وصغار المضاربين يتجهون إليها للمقامرة أكثر من الاستثمار، بالتالي الخسارة واردة فيها، ولكني أستبعد هبوط سعرها لمستوى 2000 دولار كما حصل قبل عامين، ولكن أتوقع استمرار عملية التصحيح لبعض الوقت، ولكن على المدى الطويل هناك قابلية وقبول لها فمع كل ارتفاع وانخفاض تُخلق مجموعة جديدة من المستثمرين لديهم قبول للاستثمار في هذه الأداة لو وجدت جهات ضامنة لها كالمصارف المركزية لدول رئيسة.
وقال المحللون الاستراتيجيون في مصرف "رابو بانك" في مذكرة، إن ارتفاع عائدات الدولار والسندات أدى أيضاً إلى انخفاض في "بيتكوين" وأسعار الذهب صباح الاثنين. وجاء الانهيار في العملات الرقمية جنباً إلى جنب مع ارتداد مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس قيمة العملة الأميركية مقابل العملات الرئيسة.
وكان "بنك أوف أميركا سيكيوريتيز"، قد حذر مستثمري "بيتكوين" من أنهم قد يكونوا في قلب "فقاعة". وقال البنك إن "حركة الأسعار التضخمية العنيفة" للعملة على مدى الشهرين الماضيين "تسببت في إغلاق الأبواب" على الفقاعات السابقة، مثل طفرة الدوت كوم واندفاع الذهب أواخر السبعينيات.
مضاربات مبينة على قناعات العملة البديلة
وقال المحلل الاقتصادي والكاتب الكويتي محمد رمضان، "بيتكوين" والعملات الرقمية الأخرى غير معومة بأي أصول تبني عليها قيمتها، وهي عملات لا تصدرها حكومات، بالتالي موجة الارتفاعات والانخفاضات الكبيرة في تلك العملات ما هي إلا حزمة من المضاربات مبنية على اقتناع لدى متداوليها بأن العملات الرقمية ستكون بديلة عن العملات التقليدية المستخدمة بشكل يومي، والمشكلة أن هذا المُعتقد لا يزال قائماً لدى البعض، وهو ما يدفع الأسعار صعوداً وهبوطاً بمعنى أن من يتحكم في السوق هو اعتقادات الأفراد والمضاربين وهي مشكلة كبيرة بحد ذاتها، ومن هنا نرى ارتفاعات قياسية في سعر "بيتكوين" تتصدر أخبارها الصحف المحلية والعالمية وما تلبث أن تختفى فهي فقاعة، بينما العملة الرقمية لم ترتفع قيمتها ولكن اعتقادات الناس بسبب أزمة كورونا أنها ستكون بديلة للعملة النقدية الراهنة، ولنتذكر أنها ظهرت عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008.