في الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد الأوروبي كسر هيمنة الدولار الأميركي على غالبية الأسواق، تظل هناك 4 عملات تمكنت خلال الفترة الماضية من سحب جزء من حصة الورقة الأميركية الخضراء في الاحتياطيات الموجودة لدى البنوك المركزية.
اليورو، والرينمبي الصيني إضافة إلى نظام حقوق السحب الخاصة المتعلق بصندوق النقد الدولي، وأخيراً العملات المشفرة التي تمكنت خلال السنوات الماضية من لفت انتباه العالم إلى هذه السوق التي تنمو بقوة مطردة، تعد من أقوى المنافسين للعملة الأميركية في الوقت الحالي.
وفي تقرير حديث، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز"، أن الاتحاد الأوروبي يخطط لمحاربة "هيمنة الدولار" في الأسواق العالمية، وأشارت إلى أن "إحدى الوثائق التي اطلع عليها الصحافيون، تؤكد أن الأسواق المالية العالمية تعتمد بشكل كبير على الدولار الأميركي".
ومن المقرر طرح مسألة الاعتماد على الدولار قبل وقت قصير من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. وأكدت الصحيفة أن "الوثيقة تتعلق بالتغلب على الصعوبات على غرار تلك التي واجهها الاتحاد الأوروبي، بعد أن أعاد ترمب العقوبات ضد إيران، وكذلك الحاجة إلى حماية البلدان من عواقب الاستخدام غير القانوني خارج الحدود الإقليمية لمثل هذه التدابير". وتطرقت الصحيفة إلى "حاجة الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد طرق لتعزيز دور اليورو على الساحة العالمية، من خلال الدروس المستفادة من جائحة كورونا".
اليورو يسيطر على 20 في المئة من احتياطيات البنوك
يتصدر اليورو الأوروبي قائمة العملات المنافسة للدولار الأميركي، بخاصة أنه يسيطر على نحو 20 في المئة من الاحتياطيات العالمية باليورو، مسجلاً بهذه النسبة ثاني أكبر حصة من الاحتياطيات على مستوى العالم. لكن وفق دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، ومقره الإمارات، فإن قدرة اليورو على الهيمنة تقوضها عدة مشاكل، تتمثل في أن اليورو عملة شاملة يتم تداولها عبر اقتصادات (19) دولة لا تشترك في سوق أصول مشتركة. ولكي تتطور عملة احتياطي عالمي يحتاج المستثمرون إلى أن يكونوا قادرين على وضع أموالهم في أسواق عميقة وسائلة، ولا يوجد سوى قليل من هذه الأسواق في منطقة اليورو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، يواجه اليورو أيضاً نمواً ضعيفاً، وفي ظل ضعف التوقعات في السنوات القادمة، فإن المستثمرين قد يتراجعون عن وضع أموالهم في أسواق قد تواجه حالة من التدهور. أما المشكلة الأخيرة في منطقة اليورو فتكمن في سياستها. فبصفتها اتحاداً نقدياً من دون اتحاد مالي، كافحت منطقة اليورو لتعويض فترات الازدهار والانهيار الائتمانية المدمرة. وقد أدى ذلك إلى تباعد واسع في النتائج الاقتصادية، ما أدى إلى تأجيج الاستياء السياسي بين الدول.
وفي حين أدت الاستجابة الأوروبية لجائحة كوفيد-19 إلى تشكيل ما يمكن تسميته بالاتحادات المالية بين الدول الأوروبية، لإنقاذ اقتصادات الدول المحيطة في أوقات الأزمات، حيث وافق الاتحاد الأوروبي في يوليو (تموز) على إصدار 750 مليار يورو (907.5 مليار دولار) من الديون المشتركة، لتمويل التحويلات المالية إلى الدول التي تكافح من أجل التعافي من الجائحة.
وفي حين يمكن أن تنافس تلك الاتحادات الوضع المالي للولايات المتحدة، إلا أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن الدفاعات المتحمسة عن السيادة الوطنية ستفشل الجهود المبذولة لتشكيل اتحاد مالي دائم بين الدول الأوروبية. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد يستتبعه خروج دول أخرى مثل إيطاليا. وفي هذه الحالة، لن يجد المستثمرون أماناً في ظل اقتصاديات يخيم عليها الشك.
الرينمبي الصيني وسياسة "الاختباء والمباشرة"
فيما يمثل الرينمبي الصيني عنصراً أساسياً في إستراتيجية الصين للخروج من سياسة "الاختباء والمباشرة" التي تهدف إلى إخفاء صعوده، علماً بأن التدويل سيقلل من اعتماد الصين على الولايات المتحدة، ويساعدها على تطوير أسواقها، ويؤسس لطرح شنغهاي كمركز مالي بديل.
وفي هذا السياق، دفعت الحكومة الصينية الشركات الخاصة إلى إصدار الفواتير وتسوية الصفقات بالرينمبي، وطلبت من الشركات الحكومية أن تحذو حذوها، وشجعت البنوك المركزية الأخرى على تبني الرينمبي. كما ستساعد مبادرة "الحزام والطريق"، التي تسعى من خلالها إلى استخدام مؤسساتها لتمويل وبناء البنية التحتية في ما يصل إلى 68 دولة، على تدويل الرينمبي من خلال إنشاء نظام تجاري يدور حول الشركات الصينية.
وفي ما يتعلق بالتحديات، فإن الصين تواجه بعض العقبات الكبيرة على المدى القصير. فمنذ عام 2015، أوضحت الإجراءات التي اتخذها بنك الشعب الصيني أن القادة السياسيين سيستمرون في السيطرة على قيمة العملة. وبدلاً من الاستمرار في تحرير حساب رأس المال الخاص بها، شددت الصين من ضوابط رأس المال.
ومن ثم فإنه للتنافس بشكل مباشر مع الدولار، يتعين على الصين إنهاء ضوابط رأس المال، وتحرير أسعار الفائدة، والسماح بتعويم اليوان (الوحدة الرئيسة للرينمبي). إلا أن تنفيذ ما سبق يستلزم تحولاً كبيراً في نموذج التنمية الصيني، والتقليل من سيطرة حزب الشعب الصيني. ومن ثم فإن الأهمية المتزايدة للصين في الأسواق العالمية تجعل اليوان الصيني منافساً طويل الأمد للدولار. ولكن على المدى القريب، ستقتصر رغبة بكين في التركيز على الأسواق المحلية كوسيلة لمتابعة أهدافها الاجتماعية والجيوسياسية الأوسع.
نظام حقوق السحب الخاصة
ويعد "نظام حقوق السحب الخاصة"، الخاص بصندوق النقد الدولي من ضمن المنافسين التقليديين لوضع الدولار، وهو أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق، حيث يخصص أصلاً احتياطياً يسمى "حق السحب الخاص" للدول الأعضاء، مع قيمة تستند إلى سلة من العملات، وقد حققت الصين نجاحاً رئيساً في تدويل عملتها عندما قام صندوق النقد الدولي بإدراج اليوان في هذه السلة في عام 2015.
وقد تمثل الهدف الأساسي من حقوق السحب الخاصة في أن تكون بمثابة شكل إضافي للسيولة في نظام بريتون وودز القائم على الدولار. وقد قام صندوق النقد الدولي بالصرف من ذلك الاحتياطي منذ إنشائه في أربع مناسبات منذ عام 1970، وذلك على الرغم من دعوات الصين المتكررة لتوسيع استخدام حقوق السحب الخاصة في الثمانينيات والتسعينيات.
العملات الرقمية المشفرة
وفي ظل رواج الاقتصاد الرقمي، اكتسبت العملات الافتراضية المشفرة مزيداً من الاهتمام من جانب المستثمرين عبر التعاملات الرقمية، فقد طرحت شركة "فيسبوك" عملتها المشفرة الجديدة "ليبرا" التي تأمل بأن تصبح الأساس لنظام مالي جديد، لا يسيطر عليه سماسرة السلطة، سواء في وول ستريت أو البنوك المركزية. وتعتمد قيمة "ليبرا" على قيمة سلة من العملات (مثل حقوق السحب الخاصة)، وهي مخصصة للاستخدام الفردي، لا سيما لإرسال الأموال عبر الحدود. كما ستحل هذه الوظيفة الأخيرة محل الأنظمة المكلفة مثل Western Union وغيرها.
وقد شجع طرح العملات المشفرة من قبل الشركات بعض الدول على التفكير في إصدار العملات المشفرة كبديل عن النظام المصرفي التقليدي. ففي العام الماضي، قام محافظ بنك إنجلترا "مارك كارني" باقتراح أن تقوم البنوك المركزية بشكل مشترك بإنشاء عملة افتراضية، لتكون بمثابة العملة الاحتياطية العالمية كبديل للدولار.
وفي حين، يتمتع هذا الخيار بفوائد واضحة للدول التي تشعر بالآثار غير المباشرة للسياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة الأميركية من خلال الروابط الاقتصادية وروابط أسعار الصرف، إلا أنه قد يواجه رفضاً حاسماً من قبل الولايات المتحدة الأميركية.