من المتوقع أن تستمر الصدمة الائتمانية التي أدى إليها وباء كورونا العام الماضي خلال العام الحالي أيضاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يعني استمرار تراجع الوضع الائتماني لدول المنطقة، حسب تقدير تقرير لمؤسسة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني، الذي خلص، بعد استعراضه العوامل التي تبني عليها المؤسسة قراراتها للتصنيف الائتماني للدول، إلى نظرة مستقبلية سلبية لتلك المنطقة في 2021.
وعلى الرغم من البدء في طرح اللقاحات وتقدم بعض دول آسيا والمحيط الهادئ في مراحل السيطرة على الوباء، فإن "موديز" تتوقع استمرار العوامل السلبية على مدى 12 إلى 18 شهراً استناداً إلى السياسات الاقتصادية والمالية لدول المنطقة، وأيضاً استعادة دورها ضمن سلاسل التوريد العالمية.
ومن بين 25 دولة في المنطقة تقوم مؤسسة "موديز" بتصنيف دينها السيادي استثنى التقرير كلاً من الصين وأستراليا من تقديراته باعتبار أنهما كانت الأسرع في العودة للنشاط الاقتصادي عقب الموجة الأولى من وباء كورونا العام الماضي، وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي في العام الماضي بشكل استثنائي.
ولا يأخذ تقرير "موديز" في الاعتبار التعديلات الأخيرة من قبل المؤسسات الدولية الرئيسة على توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي والمناطق الاقتصادية، ومنها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مطلع هذا العام، مع الموجة الجديدة من انتشار فيروس كورونا بسلالاته الجديدة وإجراءات الإغلاق المختلفة للحد من انتشار الوباء.
تقديرات جديدة
وقبل استعراض تفاصيل العوامل التي عرضها تقرير "موديز"، وأدت إلى تقييم نظرة ائتمانية سلبية للمنطقة، نشير إلى أحدث تعديل صدر عن البنك الدولي الأسبوع الماضي خفض فيه توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشدة، إذ توقع البنك احتمال ألا يزيد النمو الاقتصادي العالمي خلال 2021 في المتوسط على 1.6 في المئة، مقابل توقعات سابقة متفائلة قدرت احتمالات النمو بنحو 4 في المئة.
وأشار البنك في أسباب تخفيض توقعاته للنمو العالمي إلى الإغلاقات الجديدة بسبب انتشار الوباء، والتي قد تستمر في الربع الأول من هذا العام، إضافة إلى تأخر وصول اللقاحات لمئات ملايين البشر في دول العالم. وكان تقدير البنك الدولي السابق والأكثر تفاؤلاً يتوقع نمو اقتصادات دول آسيا والمحيط الهادئ في المتوسط بأكثر من 7 في المئة خلال 2021، إلا أنه ضمن التقديرات الجديدة خفض تلك النسبة بما بين الثلث والنصف تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من التفاؤل بنمو الاقتصاد الصيني في الربع الرابع من العام الماضي بنسبة 6.5 في المئة حسب الأرقام التي أعلنت في بكين الاثنين، فإن نمو الاقتصاد الصيني في المتوسط خلال العام الماضي لم يتجاوز 2.3 في المئة تقريباً. وربما لا يحقق أي من اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ النمو المتوقع حسب تقديرات البنك الدولي في 2021 سوى الاقتصاد الصيني.
أما بقية اقتصادات المنطقة في 23 دولة أخرى فإن عوامل الأضرار الناجمة عن وباء كورونا وعوامل أخرى مزمنة تعزز توقعات مؤسسة "موديز" بضعف وضعها الائتماني ربما حتى العام المقبل 2022.
تباين واضح
ويستعرض تقرير "موديز" استمرار مشكلة ارتفاع الدين وضعف المالية العامة نتيجة زيادة العجز في 6 دول من 23 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تم تغيير تقييمها بالفعل في 12 يناير (كانون الثاني) إلى "نظرة مستقبلية سلبية". وهناك ضعف هذا العدد، أي نحو نصف دول المنطقة، تم تغيير تصنيفها الائتماني من نظرة مستقبلية مستقرة إلى سلبية خلال العام الماضي 2020.
أما الدول الست التي تم تخفيض تصنيفها الائتماني العام الماضي، ويتوقع أن يستمر ذلك أيضاً هذا العام، فمنها سريلانكا ولاوس ومنغوليا وفيجي والمالديف وتايلاند. ومن الدول التي يقدر أن يظل وضعها بين مستقر وسلبي واحتمال خفض تصنيفها الائتماني باكستان وإندونيسيا.
وبالإضافة إلى الصين وأستراليا المستثنتين من التقرير، تأتي سنغافورة ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية ضمن الدول الأكثر استقراراً في وضعها الائتماني وتصنيف الدين السيادي نتيجة سرعة سيطرتها على وباء كورونا ومرونة سياساتها المالية التي تمكنها من تفادي خفض تصنيفها، لكن في أغلب دول آسيا والمحيط الهادئ ستظل معدلات البطالة مرتفعة وأعلى من معدلاتها ما قبل وباء كورونا في 2019. وتأتي في مقدمة الدول التي ستظل تعاني ارتفاع نسبة البطالة، الفيليبين والهند. كما أن قدرة أغلب دول المنطقة على الوصول لأسواق الاقتراض ستظل ضعيفة، إضافة على قدرة مالياتها العامة على تحمل أعباء الديون. ويقدر تقرير "موديز" أن تظل قدرة تحمل أعباء الديون متراجعة وأقرب لمستوياتها العام الماضي 2020.
وهكذا، ستظل اقتصادات أغلب دول المنطقة تعاني ضغوط توفر السيولة خلال هذا العام، ما يزيد احتمالات خفض تصنيفها الائتماني أيضاً.
ومن العوامل المهمة التي يعرضها التقرير، كناتج غير مباشر لأزمة وباء كورونا، زيادة التوترات الاجتماعية والسياسية في كثير من دول المنطقة، ما يعوق سرعة تعافي الاقتصاد من أزمة الوباء، ويشكل أيضاً ضغطاً سلبياً على وضعها الائتماني.