"أرجوكم ساعدونا، المنطقة جبلية وتعرف تساقطات ثلجية، نعاني من البرد القارس، ونحتاج إلى ملابس وجوارب"، بصوت يرتجف من البرد بث الطفل عبد السلام، أو من أصبح يعرف بطفل الجبال، فيديو قصير على مواقع التواصل يشكو فيه من قساوة موجة البرد، التي تضرب قريته منذ أسابيع، مستغيثاً بمواطنيه من أجل منحه ملابس دافئة تساعده على مواجهة قساوة مناخ الجبال.
يقطن طفل الجبال ذو الـ12 عاماً في دوار تمرنوت، إحدى القرى النائية التي تبعد 56 كيلو متراً عن مدينة أزيلال (كلمة أمازيغية تعني قمة المرتفع) الواقعة في جبال الأطلس الكبير، التي تبعد 342 كيلو متراً جنوب العاصمة الرباط، وتعرف المنطقة سقوط الثلوج في فصل الشتاء مع تدني درجة الحرارة إلى ما دون الصفر.
صرخة عفوية
يحكي الطفل عبد السلام لـ"اندبندنت عربية" أنه لم يكن يتوقع أن تصل صرخته تلك إلى هذه الدرجة من الانتشار، باعتبار أنه لا يجيد التعامل مع وسائل التواصل، فهو لا يملك حاسوباُ ولا ربطاً بشبكة، الانترنت، وحتى الهاتف الذي استخدمه في تسجيل رسالته قام فقط باستئجاره من أحد معارفه، ومن ثم بث الفيديو على مواقع التواصل، فانتشر على نطاق واسع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشدد طفل الجبال على أن قيامه بتسجيل الفيديو كان عفوياً، وأن ما دفعه إلى تلك الخطوة هو معاناته من شدة البرد، خصوصاً في طريقه إلى المدرسة، باعتبار أنه ينتمي إلى أسرة فقيرة جداً، ولا يمتلك اللباس المناسب لطقس الجبال، فأمه ربة بيت ووالده يعمل مياوما في مجال البناء، بالتالي يعانون ظروفاً مادية جد صعبة.
لم يجد عبد السلام أمام تلك الظروف الاقتصادية والمناخية القاسية بداً من تسجيل نداء استغاثة، لعله يصل إلى فاعل خير قد يساعده في اقتناء ملابس دافئة، يحتمي بها من ذلك المناخ الجبلي الذي يعود في كل عام.
وتمت الاستجابة بعد يوم واحد من نداء الطفل عبد السلام، حيث قامت جمعيات خيرية بإرسال عشرة أطنان من المواد الاستهلاكية والفُرُش والألبسة لسكان القرية المعزولة.
معاناة متعددة
تقع قرية تمرنوت ضمن الجماعة القروية آيت عباس في محافظة أزيلال، لا تتعدى الأسر القاطنة فيها 67 عائلة، ترتبط أنشطتها بالأساس بالزراعة وتربية الماشية، بالإضافة إلى بعض العمالة المهاجرة للمدن المغربية الكبرى مثل مراكش و أغادير...
يعاني أطفال القرية من بعد المسافة إلى المدرسة ومن صعوبة الوصول إليها بخاصة في فصل الشتاء، يروي عبد السلام معاناته اليومية لتحصيل العلم، مؤكداً أن المسافة البعيدة للمدرسة تتطلب منه ساعة من المشي، في ظل غياب طريق معبدة وقنطرة على وادي إكمير، مطالباً بإنشاء مدرسة في القرية لدرء تلك الصعوبات على أقرانه و تفادياً لانقطاعهم عن الدراسة.
غياب تلك القنطرة يعزل القرية خلال موسم الثلوج، ما يعرقل تحركات سكانها، ويحول دون وصول سيارة الإسعاف في الوقت المطلوب، مع العلم أن أقرب مستوصف طبي يبعد عن القرية كيلومترين، ما يؤزم الوضع أمام المرضى في سبيل الاستشفاء.
ومع اعتماد سكان القرية على الزراعة وتربية المواشي، تؤدي موجة البرد وتساقط الثلوج خلال فصل الشتاء إلى عرقلة تلك الأنشطة، بالتالي تزيد قسوة المناخ من قسوة العيش لدى عائلات القرية الفقيرة أصلاً.
لا يقتصر الوضع على قرية طفل الجبال، ولكن حالها هو حال عديد من القرى الجبلية في العمق الجغرافي المغربي، حيث تتقاسم كلها عامل الفقر والعزلة وقساوة التضاريس والمناخ، يقول حميد، الناشط الأمازيغي على مواقع التواصل، بينما "أتجول بين صفحات "فيسبوك"، حيث صور الثلج الناصع البياض تزين كل الجدران الافتراضية، فيديوهات من داخل السيارات على أنغام موسيقى الأطلس... في حين هناك طفل الثلج في أعالي الجبال يمشي شبه عار وشبه حاف".
في حديثه هذا يؤكد الناشط أنه لا يريد إلقاء اللوم على أحد، ولايريد إفساد فرحة الناس بالثلوج، ولكنه كلما رأى الثلج يتذكر "أولئك الذين يعانون قبل المستمتعين ،أولئك الذين يبكون قبل المبتسمين والضاحكين، أولئك الذين انقطعوا عن العالم ودفنوا وسط ركام الثلوج، أطفال بملابس بسيطة يتلمسون طريق المدرسة في ظروف جد صعبة، مواش محاصرة في الشعاب دون كلأ ولا علف، أمهات حوامل يلدن في ظروف صعبة، ومواليد يفارقون الحياة". ويعتبر حميد أن فرحتنا بالثلوج لن تكتمل مادام هناك طفل جائع وآخر يبكي، وأم لاحول ولا قوة لها، وأب ينظر إلى السماء لعل الشمس تشرق من جديد.
جدل حول طلب المساعدة
أثارت خطوة الطفل عبد السلام جدلاً على مواقع التواصل وفي قريته، حول المشروعية الأخلاقية لطلب المساعدة ومدى تكريسها لثقافة التسول، وفي حين اعتبر عديد من أقارب الطفل أن ما قام به عبد السلام هو حديث من القلب عن وضعية معينة يطلب من خلالها مساعدة معينة، ولم يكن أمامه سوى تلك الطريقة في إيصال صرخته العفوية طلباً للمساعدة في ظرفية ملحة، مشيرين أنه ليس هناك من يمكنه الصبر على قساوة موسم الثلوج في أعالي الجبال.
لكن في المقابل، هناك من عبر عن رفضه لخطوة الطفل، بدعوى أنه في ظل الكم الهائل لطلبات المساعدة سواء على صفحات مواقع التواصل أو في الشارع، فإن المشهد ليس في حاجة إلى تكريس ثقافة التسول تلك، خصوصاً عند الأطفال الذين عليهم الصبر والاجتهاد من أجل تغيير وضعيتهم.
معاناة متكررة
عند كل موسم لتساقط الثلوج يعود الحديث عن معاناة سكان القرى النائية في المناطق الجبلية، التي تعرف موجة برد قارس، ما يعيد إلى الاذهان فاجعة موت 26 طفلاً و رضيعاً في أسوأ موجة برد عرفها المغرب، وذلك خلال شتاء عام 2007 في منطقة انفكو في الأطلس المتوسط، التي خلفت استياءً كبيراً وعجلت بإرسال عديد من المساعدات الإنسانية سواء الرسمية أو الخاصة بالمجتمع المدني، ومن ثم أصبح يعود التخوف من سيناريو تلك الفاجعة عند بداية كل تساقط للثلوج.