يكشف الإجراء الأميركي بإدراج إسرائيل ضمن منطقة القيادة المركزية، طبيعة التوازنات الجديدة في الشرق الأوسط، ومخطط وزارة الدفاع الأميركية لإيجاد الروابط العسكرية مع إسرائيل عبر الذراع الشرق أوسطية في القيادة المركزية (سنتكوم) لا عبر الذراع الأوروبية، عن نيات أميركية حقيقية في تغيير المهمات والأولويات الأمنية والاستراتيجية المستحقة في إطار التحرك الجديد للنظام الأمني، لا في الشرق الأوسط حيث توجد إسرائيل، إنما أيضاً في المناطق التي تمس أمن إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا هو الأهم.
دور محدد
وتعتبر القيادة المركزية للولايات المتحدة واحدة من 11 كتيبة مُقاتلة موحدة لوزارة الدفاع، وقد تأسست العام 1983، وتولت المسؤوليات السابقة لما كان يُعرف حينها باسم قوة المهمات المشتركة للانتشار السريع في مناطق الصراعات، وكانت أميركا تقوم بدور محدد لحماية أمن إسرائيل عبر وجود قطع عسكرية، خصوصاً البحرية في المتوسط.
وتشمل مسؤولية القيادة المركزية للولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر في أفريقيا وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا، وهذه القيادة هي الوجود الأميركي الرئيس في كثير من مناطق العمليات العسكرية، وبالتالي فإن دخول إسرائيل رسمياً سيؤدي إلى تبعات حقيقية ودور مختلف لهذه القوات خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن التحالف الأميركي العسكري يدفع بوجود بدائل للتحرك، وأداء دور استباقي في تأمين المصالح المشتركة، وهو ما ستركز عليه إسرائيل وتعتبره على رأس الأولويات مستقبلاً.
وانتشرت اعتباراً من العام 2015 قوات القيادة المركزية الأميركية بشكل أساس في أفغانستان باعتبارها جزءاً من مهمة الدعم الحازم لحلف الناتو (من 2015 وحتى الوقت الحالي)، كما تنتشر في العراق وسوريا ضمن عملية "العزم الصلب" منذ العام 2014، لكنها تكتفي هناك بتقديم الدعم والمشورة.
ومن ثم فإن التحاق إسرائيل ضمن هذه المسارح من العمليات الراهنة والمتوقعة ستدفع بخيارات مهمة جديدة للجيش الإسرائيلي الذي يُعاد تشكيله من جديد، وتحويله إلى جيش ذكي قوامه 100 ألف عنصر، واعتماده على أحدث أنماط التدريب والحرب البيولوجية والذكاء الاصطناعي والاختراقات السيبرانية عن بعد، وغيرها من الأمور المستجدة.
وتُعد القيادة المركزية من بين ثلاثة قيادات يقع مقرها خارج منطقة عملياتها، إذ إنها تنشط في الشرق الأوسط، لكنها تتخذ من قاعدة "ماكديل" الجوية في تامبا بولاية فلوريدا مقراً لها، وترتبط بدور استراتيجي واستخباراتي مع القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، بما في ذلك قاعدتها في إسرائيل، وهي التي دُشنت منذ أعوام في هدوء، ووفقاً للتحالف المشترك والممتد بين الجانبين.
المبررات المعلنة
تتعدد الأسباب ومنها سعي الإدارة الأميركية لتوحيد الأطراف العربية -الإسرائيلية بعد إبرام بعض اتفاقات السلام بين الجانبين في إطار مواجهة التحديات والمخاطر المشتركة، التي لن تتوقف عند مواجهة الإرهاب، بل أيضاً في إطار التهديدات الإقليمية المتعددة، وعلى رأسها التهديد الإيراني. وكذلك التعجيل بوضع منظومة الأمن والتعاون الإقليمي حيز التنفيذ، التي سبق أن طُرحت أميركياً لنظام أمني شرق أوسطي في مواجهة نظام الأمن القومي العربي.
ويأتي ضمن مبرراتها أيضاً تأكيد الحضور الإسرائيلي في إطار التحالفات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في الإقليم، والتي بدأت فعلياً بالتحالف الدولي البحري لمواجهة التهديدات الإقليمية، الذي دخلته إسرائيل رسمياً، وباتت عضواً عاملاً في إطاره.
وكذلك تشجيع سائر الدول العربية التي لم توقع اتفاقاً رسمياً مع إسرائيل على الدخول في نطاق التحالفات الأميركية - الإسرائيلية الإقليمية، مما سيغير طبيعة التهديدات والأخطار التقليدية إلى أخطار فوق تقليدية تشارك في مواجهتها إسرائيل، من خلال دورها الحالي في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية.
كما تؤكد طبيعة التحالف الأميركي - الإسرائيلي والممتد وفقاً لاتفاق الشراكة الاستراتيجية، وكثمرة للحوار المستمر بين البلدين، الذي توّج بتطوير وتنمية التعاون العسكري بين الجانبين بصورة لافتة، ومكّن الولايات المتحدة من الحضور العسكري المقيم في شمال إسرائيل، وهو ما اعتبر سابقة غير مطروقة في مسار العلاقات المشتركة.
أضف إلى ذلك إعادة ترتيب الأولويات الأميركية تجاه نطاق حلف الناتو، فخروج إسرائيل من القيادة الأوروبية ونقل القيادة المركزية سيؤدي إلى تداعيات جديدة في مسار التعاون الأمني بين الحلف وأعضائه والإدارة الأميركية، وسيؤدي على الرغم من ذلك إلى تبعات على الجانب الإسرائيلي الذي سبق أن طالب بالاستفادة من المزايا الاستراتيجية والأمنية للدولة التي ترتبط بالحلف بأواصر محددة.
التبعات المحتملة
وتتجلى تبعات الأمر في أن إسرائيل ستصبح الدولة رقم (21) التي تقع تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية، وستتعاون بشكل متزايد مع دول المنطقة في بعض الملفات الأمنية والاستخباراتية، كما سيزيد الإجراء الأميركي الأعباء على مقار القيادة المركزية المسؤولة بالفعل عن عمليات الجيش في أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من نقاط الصراع داخل الشرق الأوسط.
وسيفتح الباب لبدء حوار أمني واستراتيجي بين الدول العربية، بما في ذلك الدول العربية الموقعة اتفاقات سلام مع إسرائيل، وذلك بدعم ووساطة أميركية، والأردن ومصر يربطهما بالجانب الإسرائيلي اتفاقا "كامب ديفيد" و"وادي عربة"، اللذان يقرّان الحوار الأمني المشترك بصورة دورية وفقاً لنصوصهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك تمكين جيوش الشرق الأوسط من أن تصبح قابلة للعمل المتبادل مع الولايات المتحدة، وكذلك مع بعضها بعضاً وفقاً لاستراتيجية العمل المتبادل الذي يتطلب التوافق ضمن القيادة نفسها، خصوصاً أن القيادة المركزية الأميركية تضم القوة الضاربة العربية من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، وتضم دول الخليج التي يجمعها بإسرائيل وأميركا عداء مشترك لإيران، والقيادة الوسطى الأميركية هي من يدير العمليات ضد إيران.
كما أن تكوين تحالف الشرق الأوسط سيعمل على إدماج إسرائيل في جغرافيا المنطقة، ومثلما كانت هناك محاولة إسرائيلية ناجحة في إلحاق إسرائيل بجغرافيا البحر المتوسط، كما فعلت فرنسا ذلك في إنشائها "للاتحاد من أجل المتوسط"، فإن المحاولة الأميركية لإقامة تحالف الشرق الأوسط لمواجهة إيران والإرهاب، ستعمل بحكم إلحاق إسرائيل في هذا التحالف، على إدماج الترتيبات العسكرية والأمنية مع دول عربية من دون ربط مع التسوية، ولا يمكن افتراض أن هذا التحالف سيكون بعيداً من التطبيقات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلنطي.
الخلاصات الأخيرة
على الرغم من أن هذا الإجراء يعد غير مسبوق ويخدم الشراكة الأميركية - الإسرائيلية، فإنه ومن منظور آخر قد يؤدي لتعقيدات وإشكالات محتملة للقيادة المركزية في الشرق الأوسط في حال تعثّر جهود تقوية العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وتوتّر العلاقات بينهما. وهذا التطور يُمكن أن يضع الجيش الأميركي في موقف حرج يتمثّل في العمل مع حلفاء يُشككون في نيات بعضهم بعضاً.
ومن المرجح أن يكون إدراج إسرائيل أحد الأهداف لإقناع الدول العربية بتنحية الخلافات جانباً، وبدء العمل في التعاون الأمني الإقليمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تسهّل التعاون العسكري في المسائل الإقليمية، وأن تقرب المسؤولين العسكريين الإسرائيليين من نظرائهم في الدول العربية، ويمكن أيضاً أن تعقد تعاون "سنتكوم" مع حلفاء لإيران على غرار العراق، ومن المتوقع أن يكون هناك حضور عسكري إسرائيلي في مواقع استراتيجية عربية، بناء على اتفاقات أمنية وعسكرية مع الدول التي أقامت اتفاقات سلام مع إسرائيل، مما يعني أنه ستكون هناك إعادة تموضع للقوات الإسرائيلية في المنطقة العربية وفي الخليج العربي، وهذه الخطوة ستكون بمثابة رسالة للحكومة الإيرانية، مفادها أن هناك قوة ردع كبيرة، من خلال التنسيق العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ومن الصعب تغيير القرارات التي اتخذها الرئيس ترمب خلال فترة الرئيس بايدن، وربما تستثمر الحكومة الإسرائيلية الوضع الجديد في التسويق لمنظومات سلاحها المتقدمة، وفي إطار البنية الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط.