شهدت العلاقات البينية بين الأحزاب والقوى السياسية في اليمن شداً وجذباً خلال السنوات الماضية، وبلغت الخلافات ذروتها بعد ثورة شباط (فبراير) 2011، إذ انحازت معظم الأحزاب للثورة، فيما بقي المؤتمر الشعبي العام وحيداً إلا من بقايا أحزاب سعى إلى "تفريخها" خلال فترات حكمه التي امتدت أكثر من ثلاثة عقود، ليست ذات ثقل في الشارع.
قبل ذلك، استطاع تكتل المعارضة، أو ما سُمّي آنداك بـ"اللقاء المشترك"، المكون من أحزاب إسلامية ويسارية، أن يواجه حزب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وكلل جهوده بإسقاط النظام والإطاحة به، مستغلاً الحنق الشعبي من تدهور الأوضاع وسوء إدارة الدولة.
خلال الثورة الشعبية 2011 زجّ الحوثيون بعناصرهم ضمن القوى التي التحمت بالحراك الشعبي، وشارك "شباب الصمود"، وهم في الغالب ينتمون للحوثي، في نشاطات الثورة، على الرغم من التباينات بين تلك القوى المشاركة، إلا أن القاسم المشترك بينها كان إسقاط نظام صالح، وبعدها لكل حادث حديث.
بسقوط نظام الرئيس اليمني الراحل، وجدت الأحزاب نفسها وجهاً لوجه أمام شريك طامع وغاشم، انقلب على كل التوافقات السابقة، بما فيها أهداف الثورة، وبنود المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، لكن خلافات عميقة بين تلك القوى حالت دون توحدها في وجه الحوثي، واستفاد الأخير من تلك الحالة غير السوية في ترتيب صفوفه والانقضاض على ما تبقى من مؤسسات الدولة المريضة.
توّج الحوثيون كل ذلك بالانقلاب على السلطة بقوة السلاح في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، وكان هذا عبارة عن "طلاق بائن" لعلاقاتهم بالشركاء السابقين، وإعلان حرب ضد الجميع، ومثّل ذلك صدمة قوية للجميع، وبدأ كل طرف يعيد حساباته.
وحّد الانقلاب الحوثي مواقفَ الأحزاب اليمنية، رغم محاولة البعض أن يبقى في "المنطقة الرمادية"، وعلى رأس هؤلاء جناح "صالح" بحزب المؤتمر الشعبي، غير أن النيران التي أشعلتها آلة الحرب الحوثية في أكثر من منطقة يمنية، وتدخل التحالف العربي لدعم الشرعية، واغتيال الرئيس الراحل علي عبدالله صالح على يدّ حلفائه الحوثيين أواخر العام 2017، كل ذلك أجبر بقية القوى على إعلان مواقفها صراحة ضد هذه المليشيات المسلحة، التي باتت عدواً مشتركاً للجميع.
يرى المحلل السياسي اليمني "همدان العليي" أن "مليشيا الحوثي تستمد قوتها من خلافات المكونات الوطنية وتسعى جاهدة إلى تأجيجها، وهي عبارة عن تراكمات من المنافسة والصدام، خصوصاً بين أكبر حزبين في البلد، وهما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، ومن بعدهما بقية الأحزاب، ولولا هذه التباينات والخلافات لما استمر الحوثي في المقاومة كل هذه الفترة الطويلة".
ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لعبت الخلافات دوراً رئيساً في إطالة المعركة وإبطاء عملية التحرير.. تخيل أن المجتمع الدولي يبدي استغرابه من توحد الحوثيين، في مقابل تشتت جبهة الشرعية، وهو الأمر الذي أضاع من يدها فرصاً كبيرة من أجل استعادة الدولة".
ومطلع الأسبوع الحالي، وتزامناً مع عقد جلسة لمجلس النواب اليمني، في مدينة سيؤون، أعلنت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، عن إشهار التحالف الوطني، الداعم للشرعية واستعادة مؤسسات الدولة وبسط سلطاتها على كامل التراب اليمني.
وقالت الأحزاب في بيان الإشهار إن "تشكيل هذا التحالف نابع من منطق الضرورة الوطنية واستجابة لحاجة الساحة السياسية لوجود إطار جامع لمختلف المكونات والقوى السياسية بهدف دعم مسار استعادة الدولة، وإحلال السلام وإنهاء الانقلاب، واستعادة العملية السياسية السلمية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبناء الدولة الاتحادية".
واللافت أن قيادات من حزب المؤتمر الشعبي العام، وشخصيات كانت محسوبة على صالح، شاركت ضمن هذا التحالف، الذي يهدف على ما يبدو إلى التنسيق فيما بينها ومحاصرة أي خلافات داخلية.
في سبيل توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة الحوثي وإنهاء الوضع الشاذ الذي تعيشه البلاد منذ نحو 5 سنوات.
وتعليقا على ذلك، يعتقد "العليي" أن التحالف بين القوى الوطنية جاء متأخراً، وكان يفترض أن يبدأ عندما سيطر الحوثي على صعدة وعمران، لكنه، على كل حال، بمثابة تكتيل للجهود في مواجهة خصم ليس سهلاً، استغل هذه الخلافات لتعميق وجوده، والصمود أكثر".
وتابع: "هذا التقارب إيجابي بشكل كبير جداً، ويجب أن يستمر، وأن ينعكس على الكثير من الأنشطة والمواقف السياسية، وحتى على المستوى الميداني، وننتظر خلال الفترة المقبلة توحيد جبهات القتال تحت إطار الشرعية، ودمج كل التشكيلات العسكرية وخوض معركة وطنية موحدة بعيدا عن التقسيمات التي ظهرت منذ 2015 تاريخ بدء المواجهات في مأرب، وصولاً إلى الساحل الغربي اليوم".