كانت القضايا البيئية في محافظة شبوة جنوب اليمن، مثار نقاشات مستفيضة بعيدة من أروقة الدراسة والبحث العلمي منذ سنوات. ومن هنا جاءت فكرة إقامة مؤتمرات وورش عمل للوقوف أمام قضايا البيئة في المحافظة، شارك فيها نخبة من الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين ذات الصلة بقضايا البيئة.
وتمتلك محافظة شبوة ثروات نفطية ومعدنية في عدد من مديرياتها، لا سيما عسيلان وجردان وعرما، وكانت أول محافظة يتم التنقيب والإنتاج النفطي فيها على مستوى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1986، كما يوجد فيها مشروع الغاز الطبيعي المسال في ميناء بالحاف الذي افتتحه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عام 2008.
التلوث بين الواقع والمأمول
وخلال الأشهر القليلة الماضية، كثر الحديث عن ظهور مشكلات بيئية بالمحافظة، لعل أهمها تسرب كميات من النفط الخام من الأنبوب النفطي الممتد من منطقة عياذ بمديرية جردان إلى ميناء المشيمة بمديرية رضوم، لا سيما بعد إعادة تصدير النفط عقب توقف دام ثلاث سنوات بسبب اندلاع الحرب مع جماعة الحوثي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هنا كانت الحاجة ملحة إلى إقامة لقاء علمي للوقوف أمام عدد من القضايا البيئية في المحافظة، والخروج برؤية موحدة للحفاظ على الحياة البرية والبحرية في المحافظة، من خلال الورشة العلمية التي حملت عنوان "التلوث البيئي في محافظة شبوة قضية مجتمعية بين الواقع والمأمول" التي نظمها قسم الكيمياء/ الأحياء في كلية التربية شبوة – جامعة عدن، الذي يسعى من خلالها إلى تفعيل دور البلديات ووحدات الإدارة المحلية في الحفاظ على البيئة وتنمية السياحة البيئية.
تحقيق التنمية المستدامة
ويوضح طه صالح باكر رئيس الورشة العلمية وأستاذ علم البيئة في جامعة عدن، أن الورشة كانت مبادرة أتت في الوقت المناسب، ضمن إطار رسالة عمل القسم العلمي، وتشجيعاً للبحث العلمي في القضايا ذات الصلة، والتي تهم الباحثين والمهتمين بالبيئة. وفي هذا السياق تبرز أهمية انعقاد هذه الورشة للمساهمة في حشد وتنسيق جهود العمل المجتمعي المشترك في تحقيق التنمية المستدامة للحفاظ على البيئة البرية والبحرية، وتسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن تقوم به البلديات ووحدات الإدارة المحلية في هذا الشأن، إضافة إلى تنمية السياحة البيئية والحد من مظاهر التلوث البيئي في محافظة شبوة، ووضع الحلول والمعالجات للحد من التلوث بأشكاله كافة وصوره، ونشر الوعي البيئي بين أوساط المجتمع.
ويُعدد باكر أهداف الورشة قائلاً "استعراض مستجدات الأبحاث العلمية في مجالات العلوم البيئية، وتوثيق التكامل بين التخصصات ذات الصلة، وترسيخ مفهوم الفرق البحثية والتعاون العلمي بين الباحثين، وتسخير الأبحاث المتعلقة بالتلوث البيئي باتجاه حماية البيئة وتحسينها، والتأكيد على أهمية الحفاظ عليها والتنمية المستدامة، وتعزيز دور العلوم الأساسية في المساهمة بتقديم حلول علمية مناسبة للقطاعين الحكومي والخاص حول مشكلات التلوث، وتفعيل دور البلديات ووحدات الإدارة المحلية في الحفاظ على محيط سليم وتنمية السياحة البيئية".
قضايا التلوث
ونوقشت في الورشة قضايا التلوث وأسبابه والحد من انتشاره، التلوث النفطي وأثره على الكائنات البحرية، ودراسة التلوث في محيط بلحاف جنوب المحافظة، والصرف الصحي وأثره البيئي في محافظة شبوة (مدينة عتق عاصمة المحافظة– نموذجاً) وتقييم التداعيات للمخلفات الطبية في المديريات، والأساليب التقليدية لجمع المياه وسبل تطويرها، وتأثير الأنشطة البشرية في النظم البيئية المحلية، واستعراض بعض النماذج الصديقة للبيئة (إعادة التدوير)، وبعض الأسمدة واستخدامها في تخصيب التربة، ودور البلديات المحلية في المحافظة على البيئة وتنمية السياحة البيئية، وإنتاج الوقود الحيوي من نفايات ثمار الموز والمانغو باستخدام أنزيمات التحلل الميكروبي.
مركز خاص للدراسات
وخلصت النقاشات المستفيضة من قبل كوادر ورجال العلوم البيئية إلى الرفع بحزمة من التوصيات الهادفة إلى إنعاش الحياة البيئية في المحافظة النفطية، وفي مقدمها إنشاء مركز خاص يهتم بالدراسات البيئية بإشراف إدارة الهيئة العامة لحماية البيئة في المحافظة ودكاترة من كليتي التربية والنفط، وتأسيس قاعدة بيانات من خلال مركز للدراسات البيئية، والمطالبة باعتماد تمويل مالي من حصة المحافظة من النفط، ووضع رسوم على المصانع والجهات التي تسهم في الإضرار بالبيئة، وذلك لعمل دراسات والخروج بمقترحات مناسبة تحت إشراف الهيئة العامة لحماية البيئة والأكاديميين المتخصصين في هذا الشأن. وتطرقت توصيات الورشة إلى مشكلة الصرف الصحي، حيث أوصى المشاركون إلى أن تولي جهات الاختصاص في المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، قدراً كبيراً من الدراسة والمتابعة المستمرة لاستكمال عمل مشروع شبكة الصرف الصحي وفق محطات خاصة في مدينة عتق – عاصمة المحافظة - وإضافة وحدة التنقية المتكاملة لمحطات المعالجة (قيد الإنشاء) من أجل تحسين أدائها، واستثمار تلك المياه في عاصمة المحافظة، واستخدام أحدث التقنيات لمعالجتها والتخلص من الملوثات الضارة بالبيئة، والاستفادة من المياه بعد المعالجة واستخدامها في عملية الري للنباتات الزراعية.
وقف النفط
وعلى صعيد أنبوب النفط الرئيس في المحافظة، أكدت الورشة ضرورة وقف ضخ النفط عبر الأنبوب، حتى تتم مراجعة المخاطر وتقييمها وإزالة الأضرار، ومن ثم صيانة الأنبوب أو استبداله، وتغيير مساره عن المسطحات المائية وآبار المياه الجوفية، مع وضع آلية لمراقبة التسريبات على خط مساره، على أن تلزم الشركات النفطية بإنشاء محطات عزل في الحقول من أجل عزل الأملاح والأحماض قبل ضخ النفط عبر الأنبوب، وعمل دراسات تقييم الأثر البيئي قبل إنشاء أي مشروع لمعرفة أثره البيئي على الطبيعة والمجتمع، مع وضع حماية الأنابيب المدفونة لوقايتها من التآكل، وعمل دراسة مستقلة حول العناصر المشعة وخصوصاً البلوتونيوم في المناطق القريبة من الاكتشافات النفطية، وتصدير الغاز الطبيعي ومنع الاقتراب من الأنابيب النفطية والغازية، واعتبارها مناطق محرمة، ووضع لوحات إرشادية وأجهزة استشعار للاحتراز الأمني وأجهزة تحديد التسرب.
الوعي البيئي
وفي ما يتعلق برفع الوعي من هذه القضايا، أوصت الورشة بإقامة عدد من الأنشطة التوعوية في الجانب البيئي في مناطق المحافظة من خلال تنظيم محاضرات وندوات وورش عمل ونشر منشورات توعوية، تهدف إلى تنبيه السكان إلى خطورة تفاقم المشكلات البيئية، وتبين مصادر تلك المشكلات وأماكن ظهورها والآثار المترتبة عليها، والتوعية المستمرة في كل تجمع سكاني وطلابي بأهمية المحافظة على مكونات محيطنا، وإنشاء جمعيات لأنصار البيئة والتوعية البيئية في المدارس، حتى يتكون لدى الطلاب سلوك تربوي وتعليمي للحفاظ على محيطه. ودعت الورشة السلطة المحلية إلى القيام بدورها في الحد من المواد الملوثة، خصوصاً المبيدات والأسمدة المحظور دخولها إلى السوق المحلية، للحيلولة دون استخدامها من قبل المزارعين، وإلزام الجهات المعنية بالقيام بدراسة الأثر البيئي في المحافظة من حيث الموقع الجغرافي والساحل، والامتداد والتأثير المستقبلي على النظم البيئية، وعلى السلطة المحلية متابعة ذلك مع مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة.
مراقبة السواحل
وأوصى المشاركون السلطة المحلية بتفعيل المراقبة المستمرة للسواحل والشواطئ والمياه الإقليمية الواقعة في نطاق المحافظة، للحيلولة دون تلوثها بالنفط والمخلفات الصلبة والسائلة، أو تدمير للأعشاب المرجانية وقتل للثروات المائية، والقيام بعمل دراسات حول التنوع الحيوي ومكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي وحصاد المياه تحت إشراف كوادر متخصصة، وعمل خطط مناسبة لإيجاد حلول عاجلة للتخفيف من آثار الملوثات ومعالجتها بالطرق العلمية، وإصدار تشريعات وقوانين شاملة للمحافظة على البيئة المحلية وحمايتها والسرعة في تطبيقها على المدى القصير منها، بحيث يمكن أن تشكل حجر أساس للتقليل والحد من التلوث وخلق بيئة نظيفة تجنباً للتحديات مستقبلاً، وتحميل المكاتب والمؤسسات الحكومية أدوارها عبر الدستور وقوانين الدولة لحماية السكان والصحة والمياه والزراعة، والتنسيق في ما بينهم والاستفادة من الأكاديميين بالمحافظة الموجودين في نطاق الشركات.