طوال سنوات، كان معتقل غوانتنامو مصدراً للغضب العالمي ورمزاً لتجاوز الولايات المتحدة في تعاملها مع الإرهاب. وعلى الرغم من استمرار احتجاز 40 شخصاً هناك، بينهم سجين يقبع داخل زنزانته منذ 16 عاماً من دون محاكمة، لكن أخبار المعتقل الذي يقع في أقصى جنوب شرقي كوبا تلاشت إلى حد كبير من عناوين الصحف الأميركية، بعد فشل الرئيس الأسبق باراك أوباما في الوفاء بعهده وإغلاقه.
ومع حلول الذكرى الـ 19 لتأسيس المعتقل في 11 يناير (كانون الثاني) هذا العام، دعا عدد من الخبراء الحقوقيين التابعين للأمم المتحدة، الإدارة الأميركية الجديدة إلى إغلاق السجن "سيء السمعة" في أسرع وقت ممكن، مستشهدين بتدهور الحال الصحية للسجناء الباقين، إضافة إلى الضرر النفسي والجسدي حيث تزيد جائحة كورونا من الخطر الصحي للسجناء الذين بلغ بعضهم سناً كبيراً.
يُكلف احتجاز الفرد في غوانتنامو نحو 13 مليون دولار سنوياً، بكلفة إجمالية تبلغ أكثر من 450 مليون دولار للـ 40 سجيناً، ويبلغ عمر أكبر سجين هناك حالياً 73 عاماً، وهو الباكستاني سيف الله باراشا، المحتجز منذ العام 2005.
أولئك الذين يضغطون من أجل إغلاق المعتقل يرون أن الوقت الحالي يقدم فرصة سانحة في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ تتعلق الآمال بإعادة العمل على مراجعة قضايا السجناء والإفراج عنهم إذا لم يعد السجن ضرورياً، وهي الممارسة التي أوقفها الرئيس السابق دونالد ترمب.
بحسب المحامي لدى وزارة الدفاع الأميركية، والممثل لعدد من سجناء غوانتنامو، ميشيل باراديس، فإن السجن الذي افتتحته إدارة جورج دبليو بوش عام 2002، يضم حالياً خمسة من السجناء المتهمين بالتورط في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وآخر متهم بالتورط في تفجير المدمرة الأميركية "يو أس أس كول" بالقرب من خليج عدن في اليمن العام 2000، وثلاثة يواجهون محاكمة محتملة في تفجير بالي العام 2002، فضلاً عن سجين معتقل من العراق.
ووفقا لوكالة "أسوشيتد برس"، تصرّ السلطات الأميركية على أنه يمكن احتجاز السجناء باعتبارهم معتقلي "قانون الحرب"، والبقاء رهن الاحتجاز طوال مدة الأعمال العدائية، وهو احتمال مفتوح.
نيات غير واضحة
ولا تزال نيات بايدن في شأن غوانتنامو غير واضحة، فخلال حملته الرئاسية الصيف الماضي، تعهد بإغلاق السجن العسكري الواقع في خليج غوانتنامو بكوبا، من دون أن يحدد كيف سيفعل ذلك أو ماذا سيفعل مع الرجال الـ 40 المحتجزين داخله، بما في ذلك أولئك المتهمين بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأورد خلال حملته في بيان، أن السجن "يقوّض الأمن القومي الأميركي من خلال تأجيج تجنيد الإرهابيين، ويتعارض مع قيمنا كدولة". وبعد فوزه بالرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال المتحدث باسم الفريق الانتقالي نيد برايس، إن "الرئيس المنتخب يؤيد إغلاق المعتقل، لكن سيكون من غير المناسب مناقشة خططه بالتفصيل قبل توليه منصبه".
ويرى كثيرون أن مهمة بايدن في هذا الصدد ستكون أسهل بكثير مما كانت عليه في الماضي، ففي ذروته العام 2003، ضمّ سجن غوانتنامو حوالى 700 سجين من 50 دولة، ومن ثم تراجع العدد بنهاية الفترة الرئاسية لبوش، وعندما تولت إدارة أوباما الحكم عام 2009، كان هناك حوالى 250 سجيناً، ومن ثم خُفض عدد السجناء بشكل سريع إلى حد ما من خلال مبادرة مع قرب نهاية إدارته.
ويعتقد باراديس أن كل ما هو مطلوب من بايدن لإنهاء الملف هو دفعة دبلوماسية لإرسال السجناء إلى مكان يقبلهم، فإدارة أوباما التي سعت إلى تهدئة المخاوف من أن بعض المفرج عنهم "عادوا إلى العنف"، حاولت وضع استراتيجية لضمان أن العائدين أو المعاد توطينهم في بلدان ثالثة لم يعودوا يشكلون أي تهديد، كما خططت لمحاكمة بعض الرجال في محكمة فيدرالية.
لكن جهود الإغلاق واجهت عرقلة بعد منع الكونغرس نقل السجناء من خليج غوانتنامو إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك للمحاكمة أو الرعاية الطبية، لينتهي الأمر بأوباما إلى الإفراج عن 197 سجيناً، وترك 41 سجيناً لترمب، الذي وافقت إدارته على إطلاق سجين سعودي، اعترف بالذنب أمام لجنة عسكرية.
وعلى الرغم من تأييده إغلاق السجن منذ أن كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ الأميركي، لكن نادراً ما يطرح بايدن الأمر الذي يمثل موضع نزاع حزبي مثير، إذ يعتبر الجمهوريون أن مبادرة أوباما في شأن محاكمة السجناء داخل الولايات المتحدة تعرض الأميركيين للخطر من خلال نقل الإرهابيين إلى الأراضي الأميركية، أو إرسالهم من دون ضمانات كافية إلى دول أخرى.
وعندما سُئل عن خليج غوانتنامو في مناظرة خلال الانتخابات التمهيدية في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ألقى بايدن باللوم على الكونغرس لإحباط إغلاقه، ولكن بدلاً من اقتراح مسار للمضي قدماً، تحول إلى قضية أخرى.
حلول للغلق
يقول محامو الدفاع إن الإدارة المقبلة يمكن أن تصرح بمزيد من صفقات الإقرار بالذنب، واقترح البعض أن معتقلي غوانتنامو يمكن أن يعترفوا بالذنب في محكمة فيدرالية من طريق الفيديو، ويقضون أية عقوبة متبقية في بلدان أخرى حتى لا يدخلوا الولايات المتحدة، داعين إلى التوقف عن المحاكمات العسكرية "التي تفتقر إلى الإجراءات العادلة".
ويقول باراديس إن رفض الكونغرس دخول سجناء غوانتنامو إلى الولايات المتحدة لا يمنع إدارة بايدن من فعل ما قامت به إدارات بوش وترمب وأوباما، وهو نقل المعتقلين إلى دول أجنبية.
في حين يتفق المحامون على أنه لا يوجد حل أمثل للتخلص من قضية غوانتنامو، فإن محامين عن ستة من السجناء كتبوا مقالة لموقع مركز الحقوق الدستورية الأميركي، الشهر الماضي، يقترحون حلولاً على بايدن لإغلاق السجن العسكري، بما في ذلك تعيين مبعوث خاص داخل وزارة الخارجية الأميركية للتفاوض مع الحكومات الأجنبية لنقل المحتجزين إلى دول أخرى، بما يراعى حماية حقوق السجناء وضمان عدم تعرضهم لسوء المعاملة في الدول الأخرى. وكذلك تعيين مسؤول في البيت الأبيض للتفاهم والتنسيق مع الوكالات الفيدرالية المعنية بالأمر.
ودعا المحامون بايدن إلى التحرك العاجل لنقل ستة من السجناء الذين قررت وكالات إنفاذ القانون والجيش الأميركي أنه لم يعد هناك سبب لاحتجازهم، إذ رأوا أنه يجب إعادتهم إلى بلدانهم أو إعادة توطينهم على الفور، والرجال الستة من الجزائر والمغرب وتونس واليمن، فضلاً عن آخر روهينغي ولد في الإمارات.
كما أكدوا ضرورة إيجاد حل لـ 25 سجيناً محتجزين ضمن فئة "الاحتجاز لأجل غير مسمى"، فبالنسبة لأولئك الذين لم تتم تبرئتهم ولم يتم توجيه تهم إليهم حتى الآن، بعد ما يقرب من أكثر من عقد ونصف من القبض عليهم، فإن استمرار الاحتجاز إلى أجل غير مسمى غير قانوني، ولا يمكن الدفاع عنه، ويرى المحامون أنه يمكن لإدارة بايدن نقل جميع الذين لم تتم إدانتهم إلى بلدانهم الأصلية، أو إلى دول ثالثة آمنة.