أجرى وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب خلال زيارته العاصمة الخرطوم التي استغرقت يوماً واحداً، الخميس، وتعد الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، مباحثات مع القيادة السودانية تناولت تجديد الصداقة واستعادة علاقات التعاون في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، وسبل دعم التحول الديمقراطي وبناء السلام في البلاد، ومجريات الأحداث في إقليم دارفور في ضوء الأحداث الأخيرة التي هددت أمنه واستقراره، وتطورات الصراع الحدودي مع الجارة إثيوبيا وامكانية رأب الصدع من خلال الحل الدبلوماسي، بخاصة أن بريطانيا أشرفت على اتفاقية تحديد الحدود بين البلدين عام 1902 (المختلف عليها حالياً)، فضلاً عن مناقشة الدور المأمول من شركاء السودان في المجتمع الدولي.
وقال وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين، في ختام المباحثات، إن زيارة راب سلطت الضوء على أهمية بناء علاقات ثنائية قوية بين لندن والخرطوم.
وأشار إلى أنه تم استعراض الأحداث التي وقعت أخيراً في غرب دارفور، وتأكيد حرص حكومة السودان على حماية المدنيين، بخاصة بعد خروج بعثة الأمم المتحدة المختلطة (اليوناميد)، إضافة إلى بحث وجهات النظر في قضية النزاع الحدودي مع إثيوبيا.
لحظة حاسمة
فيما نوه وزير الخارجية البريطاني، في مؤتمر صحافي في ختام زيارته، بتعهد حكومة بلاده بتوفير قرض تجسيري للسودان بما يضمن سداد متأخراته لبنك التنمية الأفريقي التي تزيد قيمتها عن 400 مليون دولار، ما سيسهم في إنجاح الإصلاحات الاقتصادية الحاصلة حالياً.
وأضاف راب، "السودان يمر بلحظة حاسمة في تاريخه وهو ينتقل إلى الديمقراطية، وتفخر المملكة المتحدة بالوقوف جنباً إلى جنب مع شعب السودان ودعم رئيس الوزراء في رحلة هذا البلد نحو الحرية والسلام والعدالة"، مؤكداً أن بريطانيا ستواصل دعمها له بوصفه من الدول ذات العلاقة الاستراتيجية مع بلاده.
وأثنى على النجاحات الكبيرة التي تحققت خلال الفترة الانتقالية، والإنجاز الذي تحقق في ملف السلام، وكذلك توقيع السودان على اتفاق أبراهام الذي تم أخيراً خلال زيارة وزير الخزانة الأميركي للخرطوم، مشيراً إلى حرص بلاده على معالجة التوترات في الحدود بين السودان وإثيوبيا عبر الوسائل السلمية.
أهمية استراتيجية
وتعليقاً على هذه الزيارة يشير المتخصص في السياسة الدولية أحمد حسين إلى أن "زيارة وزير الخارجية البريطاني تعبر عن حسن النوايا تجاه السودان في مرحلته الآنية، كما لها أهميتها الاستراتيجية لما يربط البلدين من تعاون وشراكة تقليدية منذ ستينيات القرن الـ 20، فبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تريد أن تعيد علاقاتها مع الدول التي كانت محل نفوذها". غير أن هذه الزيارة جاءت في ظروف حرجة لاقتصاد البلد، وتدهور الوضع الأمني في دارفور "وهو ما عبرت عنه بريطانيا بقلق، لأنه يعد انتكاسة كبيرة لملف الأمن والاستقرار الذي كان من بشائر اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية بالعاصمة جوبا في 4 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي".
ووفق حسين تقدم الزيارة "الدعم السياسي لحكومة عبدالله حمدوك، لأن الفترة الماضية شهدت انتقاداً واسعاً لشركاء السودان بسبب عدم وقوفهم معه لتجاوز هذه الفترة العصيبة، فضلاً عن بحث لندن عن موطئ قدم لها في قضايا التعاون الاقتصادي والاستثماري، بخاصة بعد رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وانتهاء العقوبات الأميركية الاقتصادية التي امتدت أكثر من عقدين. وهو ما يشجع الجانب البريطاني على مساعدة الخرطوم في تطبيع علاقاتها مع المؤسسات المالية والتمويلية الدولية، ودعم جهود إعفائها من الديون الخارجية التي تقدر بنحو 60 مليار دولار في إطار نادي باريس ومبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، التي طرحها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 1996، لضمان عدم مواجهة أي بلد فقير عبء ديون لا يمكنه سدادها".
ويتوقع أن تكون أجندة النقاش بين الجانبين شملت مسألة أمن البحر الأحمر، والخلاف الحدودي مع إثيوبيا، والملف الليبي والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وإذ يؤكد أن العلاقات بين البلدين ستشهد تحولاً كبيراً على كل الصعد، يدعو الجانب السوداني إلى "النظر إلى الاهتمام البريطاني بروح جديدة".
لقاء برهان وحمدوك
خلال زيارته إلى الخرطوم، التقى راب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وحمدوك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشاد البرهان بالعلاقات "الأزلية" بين الخرطوم ولندن، معرباً عن تطلع حكومة بلاده إلى التعاون المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية كافة.
وأكد حمدوك حرص بلاده على تطوير وتعزيز التعاون مع المملكة المتحدة إلى آفاق أرحب، معرباً عن تقديره والشعب السوداني لموقف بريطانيا الداعم للثورة السودانية، وعملية السلام في البلاد، ودورها في إطار مجموعة شركاء السودان.
وأشار رئيس الوزراء السوداني إلى مضي حكومته قدماً في تنفيذ برامج ومشروعات الفترة الانتقالية وتهيئتها للممارسة الديمقراطية.
مذكرة تفاهم
وقع الجانبان السوداني والبريطاني مذكرة تفاهم للالتزام بتعهدات المملكة المتحدة لدعم الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تقوم بها حكومة السودان الانتقالية، التي نصت على تسليم بريطانيا مبلغ 40 مليون جنيه إسترليني (نحو 54 مليون دولار) لتمويل برنامج "ثمرات" لدعم الأسر السودانية عبر صندوق الائتمان المتعدد المانحين التابع للبنك الدولي، لدعم الاستقرار الاقتصادي في السودان.
وبحسب وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان هبة محمد علي، فإن هذا التعهد يأتي في إطار مساهمات المملكة المتحدة التي قُدمت مسبقاً في مؤتمر شركاء السودان في برلين عام 2020، لدعم الأسر السودانية من خلال برنامج ثمرات الذي بدأت الحكومة الانتقالية في تنفيذ مرحلته الأولى عبر شراكة فعالة بين وزارتي المالية والتخطيط الاقتصادي، والعمل والتنمية الاجتماعية في السودان، إضافة إلى المؤسسات الأخرى ذات الصلة، ويهدف إلى تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.