يرتجف جسده مرات عديدة وتتشنج عضلاته. بصعوبة يحاول الموجودون في غرفة الرعاية تثبيت الطفل محمد عماد (15 عاماً) على سريره، الذي خصّص له فور دخوله الحجرة الرقم 5 في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزّة، قبل خمسة أشهر، على خلفية استنشاقه غازاً وصفه الأطباء بالسام، أثناء مشاركته في مسيرة العودة.
وعلى الناحية الأخرى من الغرفة، يرقد الصحافي أحمد حسب الله، الذي تعرّض لإصابة بعيار مطاطي في يده التي كان يمسك بها الكاميرا، خلال محاولته رصد انتهاكات الجيش الإسرائيلي بحق المتظاهرين على الحدود الشرقية بين قطاع غزّة وإسرائيل.
وعلى مدار أكثر من عامٍ، منذ انطلاق مسيرة العودة في 30 مارس (آذار) 2018، قتل الجيش الإسرائيلي حوالي 270 فلسطينياً، بينهم 52 طفلاً و6 نساء ومسن. ومن العدد الإجمالي، قتل ثلاثة نتيجة استنشاق الغاز الذي يُطلق باتجاه المتظاهرين، وفق إحصاءات حصلت عليها "اندبندنت عربية".
أسلحة محرمة دولياً
يقول المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة إنّ الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحة غريبة وفتاكة لم يسبق له استخدامها في استهداف المدنيين، ومعظم جثث القتلى التي وصلت إلى المستشفيات كانت أشلاء ممزقة، وعليها علامات حروق شديدة تخفي معالم الأشخاص. ويوضح أن القطاع الطبي الفلسطيني عجز عن معرفة طبيعة هذه الأسلحة، التي تُحدث تشوهات كبيرة لدى المصابين وتفقدهم الوعي.
ويبيّن أنّ الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي محرمة دولياً، مشيراً إلى أنّ إسرائيل اعتادت استخدام غزّة حقل تجارب للأسلحة.
ويقول عماد الباز، مسؤول لجنة توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، إنّ الجيش استخدم خلال محاولته تفريق المتظاهرين في مسيرات العودة عدداً كبيراً من الأسلحة المحرّمة دولياً، منها الدبابات وسيارات الجيب العسكرية المجهزّة والطائرات الصغيرة المسيّرة والرصاص الحي المتفجر والخارق والرصاص المطاطي المسمم والغاز الأبيض والأحمر والأصفر.
يضيف "كنّا نتعامل مع الغاز ميدانياً، لكن خلال مسيرة العودة أُجبرنا على نقل عدد كبير من المصابين إلى مقدمي الخدمات الطبية، وأصبح المصابون يتلقون العلاج فترات قد تستمر لأشهر"، كما هي حال الطفل محمد، الذي تعرض لإصابة بالغاز. وعلى إثرها، نُقل للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية، لكنه لم يتماثل للشفاء، وهذا ما استدعى نقله إلى مستشفيات الأردن على أمل أن يتلقى العلاج المناسب هناك، وفق عائلته.
ويوضح الباز أنّ حالات الإصابة بالغاز وصلت إلى الهستيريا والتشنجات وفقدان الأعصاب والحكة والغيبوبة، التي قد تستمر بضعة أسابيع. بعدها، يبدأ المصاب بالتماثل للشفاء، لكنه يحتاج إلى أسابيع أخرى حتى يعود إلى حالته الطبيعية.
ويروي الباز "الحالات أثارت خوفنا بشأن نوعية السلاح المستخدم، وهذا ما دفعنا إلى أخذ عينات من دماء المصابين لتحليلها. فوجدنا حالات غريبة وتغيّرات أصابت طبيعة الدم، وهو ما يؤكّد أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم سلاحاً محرماً دولياً".
وأشار إلى أنّ لجنة التوثيق فحصت عدداً من مقذوفات قنابل الغاز، لدراسة مكوناتها، لكن الفحوص لم تتوصل إلى نتائج دقيقة، بسبب ضعف الإمكانات في غزة، لكن "النتائج الأولية تثبت أنّ هناك مكونات محرمة دولياً".
ويؤكد الباز احتفاظ اللجنة بعدد من عينات القنابل استعداداً لفحصها من قبل خبراء في الأسلحة، مشيراً إلى أنّ هيئة المسيرة شكّلت لجنة دولية للمجيء إلى غزّة والتحقيق في نوع السلاح المستخدم، لكن إسرائيل منعت اللجنة من الوصول إلى القطاع.
ووفق المتابعة التي أجرتها لجنة التوثيق، فإنّ الجيش الإسرائيلي يطلق الغاز باستخدام طائرات "درون" المخصصة لإطلاق عدد كبير من القنابل، وجيبات عسكرية خاصة بإطلاق القنابل.
الرصاص الخارق
إلى جانب قنابل الغاز، بيّن الباز أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم رصاصاً غريباً صُوب باتجاه المتظاهرين. وسجّلت لجنة التوثيق أنّ مدخل العيار في الجسد يفوق 10 سنتمترات، والمخرج حوالي 20، في حين أن الرصاصة تنفجر داخل جسم المصاب فتدمر العظام والأنسجة الداخلية. وأشار إلى أنّ عدداً من المصابين فارقوا الحياة بسبب عيارات نارية في البطن.
ووفق المصادر الطبية، فإنّ الحالة الطبية للجريح لا تشير إلى إمكانية الموت، لكن بسبب نوع الرصاص فارق الصحافي ياسر مرتجى الحياة، على الرغم من استقرار الرصاصة في بطنه.
وكشف أنّ الرصاص المستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي أدى إلى حالات بتر عديدة، خصوصاً أن غالبية الإصابات تتمركز في المناطق السفلية، وهو ما يؤشر إلى أنّ القناصة يتعمدون افقاد المصاب قدمه.
ويشير محمد أبو مغصيب، المنسق الطبي في منظمة أطباء بلا حدود، إلى أن المنظمة استقبلت أكثر من 6 آلاف مصاب في مسيرات العودة، حوالي 90 في المئة من إجمالي الإصابات كانت في الأطراف السفلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن طبيعة الإصابات، يوضح أبو مغصيب أنّ مدخل الرصاصة في الجسد صغير، والمخرج يسبب تمزقاً في العضلات والأوعية الدموية واختفاء أجزاء كبيرة من العظام، والمصاب يحتاج إلى بضع عمليات جراحية ترميمية، ليبدأ بالتماثل للشفاء.
بدوره، يقول بشار مراد، نائب مدير الهلال الأحمر الفلسطيني، إنّهم طلبوا من منظمة الصحة العالمية ولجنة الصليب الأحمر تزويدهم أجهزة قياس نسبة الإشعاع، خوفاً من استخدام الجيش الإسرائيلي اليورانيوم، لكن الطرف الإسرائيلي رفض إدخال الأدوات.
وأكّد مراد أنّ الجيش استخدم الرصاص السريع، الذي يملك مفعولاً هائلاً في تدمير خلايا الجسد، ويؤدي إلى بتر الأطراف أو التفجر داخل الجسم.
وبشأن الغاز المستخدم، كشف أنّهم سجلوا نوعية جديدة للغاز المسيل للدموع وبأشكال متعدد وألوان غريبة تُستخدم للمرة الأولى في العالم.