توصلت لجنتا الحوار الليبي في ضاحية بوزنيقة المغربية إلى اتفاق جديد بشأن تقاسم المناصب السيادية المتنازع عليها منذ سنوات، عززت به سلسلة الاتفاقات التي وقعت في كل المسارات خلال الأشهر القليلة الماضية، ومهدت الطريق أكثر للخروج من المرحلة الانتقالية المليئة بالخلافات والصراعات، وصولاً إلى الانتخابات العامة والاستقرار السياسي.
في الأثناء، ولضمان تحقيق هذا الهدف وعدم التعثر في المراحل الأخيرة من المسار التفاوضي، بدأت الأمم المتحدة وعدد من القوى الدولية الكبرى ممارسة الضغط على الأطراف الخارجية المنخرطة في النزاع الليبي لإخراج كل القوات الأجنبية من البلاد، بعد انتهاء المهلة الأولى المحددة لذلك، من دون تنفيذ هذا البند المفصلي في اتفاق جنيف بين اللجان العسكرية في ليبيا.
فتح باب الترشح للمناصب السيادية
وقع فريقا الحوار الليبي في مجلسي النواب والأعلى للدولة، اتفاقاً جديداً في بوزنيقة، نص على تشكيل وتسمية فرق عمل مصغرة لاتخاذ الإجراءات بشأن شاغلي المناصب السيادية اعتماداً على المادة 15 من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015.
وأوضح فريقا الحوار، في البيان الختامي المشترك لحوارهما، الذي امتد ليومين، أن "عمل الفرق سيشمل مناصب محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه، ورؤساء هيئة الرقابة الإدارية ووكيله، وديوان المحاسبة ونائبه، وهيئة مكافحة الفساد، ونائب رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، على أن يتم الاختيار وفق المعايير المتوافق عليها".
وأضاف البيان، أن "فرق العمل ستعمل على تصميم نماذج الترشح، ودعوة المترشحين لتقديم الطلبات مصحوبة بالشروط والمعايير، والتأكد من مطابقة الترشيحات للمعايير والشروط المقررة، واستقبال نماذج الترشح والسير الذاتية للمترشحين، بدايةً من الثلاثاء المقبل وحتى الثاني من فبراير (شباط) المقبل، مع الالتزام بمعايير الكفاءة والمهنية".
وأكد، "ضرورة مراعاة التوازن الجغرافي بما يضمن توزيعاً عادلاً لكل المناصب العليا في مؤسسات الدولة، على أن تنتهي جميع هذه التعيينات بانتهاء المرحلة التمهيدية"، قائلاً، إنه "في ما يتعلق بمنصبي رئيس المحكمة العليا والنائب العام تطبق بشأنهما الإجراءات المقررة بالتشريعات".
وشددت لجنتا الحوار على "دعم الجهود المبذولة من ملتقى الحوار السياسي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لتشكيل سلطة تنفيذية للمرحلة التمهيدية، وأنهما ستضطلعان بمسؤولياتهما في ما لو تعثرت جهود الحوار السياسي في إنجاز هذا الاستحقاق".
وكانت مصادر مقربة من مجلس النواب الليبي، أكدت لـ"اندبندنت عربية"، أن فتح باب الترشح لتولي المناصب السيادية جاء بعد الاتفاق بين لجان الحوار في المغرب على حصة كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة من هذه المناصب.
وأضافت المصادر، أنه تم الاتفاق على منح إقليم طرابلس منصبي النائب العام، وديوان المحاسبة، بينما حاز إقليم برقة على منصبي المصرف المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية، ونال إقليم فزان منصبي هيئة مكافحة الفساد، والمحكمة العليا.
مسار في اتجاه معاكس
التطورات الإيجابية في مفاوضات المسار السياسي والاقتصادي والدستوري، تسير في اتجاه معاكس تماماً للمسار العسكري، الذي واصلت أطرافه التمسك بمواقفها المتشددة تجاه بعضها بعضاً، وتهربها من تنفيذ بنود اتفاقها لوقف إطلاق النار، الذي وقعت عليه في جنيف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
فبعد انتهاء المهلة المحددة لخروج القوات الأجنبية من ليبيا من دون التزام الأطراف الموقعة عليه تنفيذه، تواترت المؤشرات السلبية في المسار العسكري بعدما جددت كتائب محلية في مصراتة رفضها فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، على الرغم من تشديد البعثة الأممية على هذا الأمر، ونشر نشطاء على مواقع التواصل فيديو يظهر مجموعة من المسلحين، تابعين لقوات حكومة الوفاق، يحرقون منازل مواطنين في مدينة ترهونة لاتهامهم بموالاة الجيش الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإزاء تواصل الانسداد والتوتر في مشهد المسار العسكري، دعت لجنة" 5+ 5 "، الدول المشاركة في مؤتمر برلين إلى تنفيذ تعهداتها تجاه الأزمة الليبية، بإخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا بعد انتهاء المدة المحددة لذلك.
وطالبت اللجنة في بيان، "الدول المعنية بالامتثال لحظر توريد السلاح المفروض"، مؤكدةً "استمرارها بتنفيذ كافة بنود وأحكام اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعت في جنيف"، داعيةً "الجهات ذات العلاقة من الطرفين لتنفيذ التزاماتها التي تعهدت بها سابقاً".
ولقيت دعوة اللجنة استجابةً سريعة من الأمم المتحدة، فقد شددت الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل المعنية بالشؤون المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على ضرورة خروج جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار".
ودعت إلى "إعطاء الأولوية لفتح الطريق الساحلي بين أبو قرين وسرت" مجددة التزامها "تيسير عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، من خلال الدعم المستمر للعملية السياسية".
تبادل اللوم بين الأطراف العسكرية
وردت الأطراف العسكرية الممثلة لطرفي النزاع بإلقاء اللوم على بعضها في تعطيل تنفيذ بنود اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار، فقد حمل الهادي دراه، الناطق باسم غرفة عمليات سرت – الجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، البعثة الأممية، مسؤولية فشل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، قائلاً أيضاً، إن "حفتر لا يريد استقرار المنطقة وأمنها".
وأوضح دراه، أن "الأمم المتحدة رعت اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تستطع عبر مجلس الأمن الدولي إجبار المرتزقة على مغادرة الأراضي الليبية"، لافتاً إلى أن "اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة واضح وصريح، ويشير إلى سحب المرتزقة، ونزع الألغام، ثم فتح الطريق الساحلي، وعودة القوات إلى ثكناتها العسكرية"، مشيراً إلى أن "الأمم المتحدة وممثلي الدول الكبرى، لم يقدموا أي ضمانات لالتزام حفتر، حال تم فتح الطريق الساحلي وعادت القوات إلى ثكناتها العسكرية".
من جانبه، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش خالد المحجوب، إن "هناك بعض العراقيل التي حالت دون تنفيذ بند اتفاق جنيف، الذي نص على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة، وإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار".
موضحاً، أن "استمرار تركيا في إرسال المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا، واتفاقيات التدريب، ومصادقة البرلمان التركي على تمديد وجود قواتها في ليبيا، من الأسباب التي حالت دون تنفيذ أحد أهم بنود اتفاق جنيف"، معتبراً أنه "لا توجد إرادة حقيقية من حكومة الوفاق لإخراج المرتزقة قبل تحقيق مصالحها، حسب وصفه". وأشار إلى أنه "خلال آخر اجتماع للجنة العسكرية المشتركة بحضور ممثلين عن الدول الراعية لمؤتمر برلين، تم التشديد على تنفيذ جميع بنود اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار، والتقيد بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية فوراً".
يذكر أن تركيا نفت مرارا اتهامها بإرسال مقاتلين أجانب أو ما يوصفون بالـ "مرتزقة" إلى ليبيا.